بالتي هي أحسن كلما توافقت إرادة الصدفة مع قانون المصادفة – الحلقة الثانية
( واقعة رحيل المجاهد بنسعيد وذكرى وفاة المستشار السلاوي)
وأنا بصدد التفكير في كتابة الحلقة الثانية لاح في خلدي أن أدون إنطباعي حول تنظيم مراسيم دفن الفقيد محمد آيت يدر بمقبرة الشهداء ، ولم أجد من عبارة أجسد بها ما جرى سوى أن الدولة قررت تأبين المجاهد بما يليق بوطنيته الخالصة ولما يستحقه من تكريم وإحتفاء كرجل دولة يهمه خدمة البلاد بمسافة ، غير أن قرار الرعاية كاد يتحول في رمشة عين ، بفعل سوء التقدير ” الأمني ” ، إلى وصاية الأمر الواقع ، إلى درجة أن أغلبية الحضور شعروا وكأن هناك ” محاولة قرصنة اللحظة ، لقد تذرع بعض المكلفين بإنفاذ ” الضبط ” بأن للضرورة أحكام مادامت الأولوية ينبغي أن تعطى للبروتوكول والأمن على شعائر التأبين والعزاء ؛ والخلاصة أن المبالغة في الأمور ؛ بمنع ولوج المناضلين والمواطنين إلى المقبرة ، أجهضت خطاب حسن النوايا المفترض ، وكاد يفسد مقتضيات أخلاق العناية . وبعد الخلاصة نأتي إلى الإستنناج بأن الرعاية تتعارض مع منطق الوصاية والذي يتناقض بدوره مع أخلاق العناية ، وفي هذا يتواصل الصراع حول طريقة تصريف قيم الإعتراف أو بالأحرى تفعيل روح القانون وفلسفة الإنصاف . وللموضوع بقية على درب رد الإعتبار لكل لحظة مصادرة ولكل فرصة عزاء مفوتة ، بنفس إستدراكي .
وإنصافا لرجل الدولة المحتفى به كطرف ثاني ، موضوع حلقته ، الراحل إدريس السلاوي الذي سقط رأسه في الطست في بحر سنة 1926 ، وهو أبرز مشترك له مع المجاهد محمد بنسعيد الذي إزداد في سوس العالمة قبله بعام واحد ، في حين ولد المستشار بفاس العلمية . لست بصدد عقد مقارنات بين الشخصين ولكن أحاول توظيف ملامح التشابه والإختلاف بين الشخصيتين ؛ ولهذا أطرح فرضية عل الباحثين المختصين يتوسعون في التشخيص والتحليل لإستخلاص أوجه التقارب والتباعد في العلاقة مع فكر كل منهما وإبراز المشترك في مزاولتهما ومدى تأثيرهما في المسار الحياتي والمشهد السياسي والإجتماعي . إنها فكرة كانت دائما تراودني منذ شبابي ” السياسي والأكاديمي ” ، بأن افحص ولو بطريقة انطباعية / عفوية علاقة البيئة بالتنشئة ، والمثال حي أمامنا ، فذوو الأصول البدوية / الزراعية يفترض إختلافهم عن ذوي الأصول الحضرية / المدينية ؛ وفقا لما ” تؤشر ” عليه ادبيات التحليل السوسيوثقافي ؛ وكخلاصة أولية كنا في بداية مشوارنا التكويني / التعليمي ، نسمع بأن المقاومة المسلحة تختلف عن العمل السياسي السلمي ، حيث الأولى تتسم بالجذرية والتطرف أحيانا ، في حين توسم الأخرى بالإعتدال والإصلاحية . وهنا – وفي إطار التمرين ثم التجريب وبنسبية عالية جدا – أحيل على وقائع ومنتوجات مؤسستين عريقتين ، مدرسة إبن يوسف بمراكش والقرويين بفاس من جهة ثانية ، وعلى من تخرج منها من شخصيات ، وبالمقابل أحيل على أسماء شخصيات درسوا في مدارس تعليمية حديثة ذات مناهج عصرية ؛ فكل معهد ومدرسة أفرز أطرا مختلفة . وسنسبح مع هذا التيار كتقنية بضرورة إجرائية تيسر الحديث عن المناضل الشيوعي الذي صار مستشارا ملكيا . قبل ان يصير شيوعيا ، كان عضوا بتنظيم الشبيبة الإستقلالية ، وبسبب سفره إلى فرنسا حيث اختار دراسة الحقوق ، بدأ يخوض صراعا مع قيادة حزب الإستقلال ، وبتأسيسه ، بمعية رفاقه في المهجر ” إتحاد الطلاب المغاربة “، والذي حاربه حزب الإستقلال بدعوى ميولهم الشيوعي وبحكم علاقت(هم ) بالحزب الإشتراكي الفرنسي ، وبعد تخرجه من كلية الحقوق بباريز وكرونوبل ، وعودته إلى الوطن سيلتحق عضوا بهيأة تحرير الأسبوعية الشيوعية ” Espoir ” إلى جانب عبد الله العياشي وإدمون عمران المالح ، وكان آنئذ يزاول مهنة المحاماة والتي تركها ليلتحق بديوان الحاج أحمد بركاش اول باشا للدارالبيضاء بعد الإستقلال وسيتشتغل مديرا ، وكانت هذه أول مهمة ” عمومية ” يتحملها رسميا . وكانت بوابة للإندماج في دواليب الدولة والإدارة العمومية ذات الصبغة الحساسة ، حيث دشن بداية مشواره بتعيينه مديرا للأمن الجهوي بالدارالبيضاء ، وفي الفترة الشهيرة التي صادف ” ظاهرة السفاح أحمد الطويل ” . وإذا كان آخر دور لعبه إدريس السلاوي أن شيد صرح التناوب التوافقي الذي لم يكتمل ؛ فإن أول مبادرة / مغامرة دشن بها مساره المهني ” الأمني ” مواجهته للوبي الأمنوي الفرنسي والذي كان له نفوذ وتأثير على أجهزة الأمن ” المغربية ” الفتية العود والحديثة العهد بالتأسيس ؛ كانت أول مبادرة له أن واجه الشرطة الفرنسية التي حاولت أن تفرض مسارا سيئا لجنازة القائد الشيوعي الشهيد عبد الكريم بن عبد الله المغتال في 30 مارس 1956 ( الموافق لذكرى فرض عهد الحماية 1912 ) ، وبمغامرته “الوطنية ” سار الموكب الجنائزي في الطريق التي حددها المنظمون . ومنذئذ سينطلق عداد الإرتقاء بتعيينه سنة 1958 من طرف الراحل محمد الخامس نائبا لكاتب الدولة في الداخلية ، وهي السنة التي عرفت وقائع عملية مكنسة إيكوفيون وقرار حل الحزب الشيوعي وحل جيش التحرير وانتفاضة الريف ، واعتقال طائفة البهائيين و محاكمة اعضائها ، وغيرها من الأحداث التي كانت له تداعيات على مستوى علاقة القصر بالحركة الوطنية ، وإن توترها سيحرج مسار وعلاقة الراحل إدريس السلاوي بالقصر ، خاصة وأنه كانت للفقيد ارتباطات ” إنسانية / سياسية ” مع بعض قياديي الحركة التقدمية / الإتحادية على الخصوص .
يتبع في الحلقة الثالثة
مصطفى المنوزي
منسق منتدى ضمير الذاكرة والسرديات الأمنية