الهشاشة

. من الوهلة الأولى، بدى المشهد مروعا و كارثيا، لأن الهزة الأرضية كانت قوية و دكت معظم قرى الحوز و بعضا من قرى سوس ماسة درعة. هزة ارضية بقوة 26 قنبلة نووية بحيث بلغ مستوى الهزة 7،2 على مقياس ريختر و هي أعنف هزة ارضية أو زلزال عرفه المغرب في المائة سنة الماضية. كانت الصدمة قوية و مباغتة للناس الذين تعودوا على الهدوء الدائم في حياة رتيبة و لم يتوقعوا أن يعيشوا حدثا بذلك الحجم من حيث القوة و اتساع نطاقه و ذلك الدمار الهائل الذي خلفه و العدد الكبير من الضحايا. هشاشة البنيات التحتية و التهميش الذي طال العالم القروي أو المغرب العميق لعقود طويلة، ساهم في ارتفاع عدد ضحايا زلزال الحوز و تارودانت. المغرب المنسي أو المغرب غير النافع كما تم نعته من طرف الاحتلال الفرنسي إبان الحماية الفرنسية. هذا الوصف ظل ملازما لهذه المناطق حتى بعد الاستقلال و تم تكريس هذا النعت لأغراض سياسية محضة و لهذا السبب كان التهميش الذي طالها فظيعا. لم تحظ هذه المناطق بالتنمية المستدامة و بقيت مهمشة في كل البرامج الحكومية طيلة عقود ، بالرغم من الدراسات السوسيولوجية التي استهدفت تلك المناطق و حثت على ضرورة النهوض بها و فك العزلة عنها و تمكينها من آليات و أدوات التنمية التي تخرجها من الهشاشة و من عالم قروي متخلف عن الركب الحضاري للإنسانية،إلى عالم قروي متحضر و يتوفر على كل مستلزمات الحياة، من كهرباء ومياه الشرب والصرف الصحى و طرق و مدارس و مستشفيات بجميع الاختصاصات و أنشطة تجارية و صناعية و أنشطة موازية لتثمين المنتوجات الفلاحية المدرة للدخل . من إيليغ و ايت اوداريم ب سوس مرورا بالحوز و تساوت و سكساوة بالاطلس، دون ان ننسى ايت بوفراح بالريف، عالم قروي يرزح في البؤس و يعاني بصمت . ساهم البحث الميداني في تقديم صورة واقعية عن العالم القروي، صورة نبشت في التركيبة القبلية و في طبائع الناس و في نمط العيش و في اساليبهم التقليدية في كيفية تطويع الأرض و قدرتهم على التأقلم مع الظروف المناخية المتقلبة و الحياة الصعبة و القاسية، لعدم وجود تأهيل لتلك المناطق على مدى عقود طويلة. صورة لم تأخذ بعين الاعتبار، من طرف النخب السياسية التي تعاقبت على تسيير الشأن العام منذ فجر الاستقلال، للنهوض بتلك المناطق و إعطائها الأولوية و تمكينها من سبل الحياة الكريمة، عبر برامج التنمية المستدامة، لكن التهميش كان مقصودا و لغايات في نفس يعقوب.
أحمد بن العربي الونزاني.