كتاب حرة بريسمصطفى المنوزي

سرديات رمضانية / وقائع ومواقع ـ الحلقة الثالثة

توقيع مصطفى المنوزي

في نظرنا ، ليس من المفيد أن نجادل فيما إذا كانت تعتبر مداخلة السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية نابعة من موقفه الشخصي أم تعبيرا عن موقف الوزارة الوصية ، أم تجسيدا لموقف الدولة ، بغض النظر عن مصدرها فإنه بمجرد الإذن بإلقائها أمام الملك بصفته أميرا للمؤمنين حصلت الإجازة شكلا ومضمونا ، وبالتالي فالتفاعل مع محتواها هو المهم وما تضمنته من مقترحات وتوصيات وملتمسات لكل معني بالشأن الديني ، وذلك تناغما مع مأثورة ” ما لا يدرك كله لا يترك جله ” ، أي في إنتظار تجويد الرقابة بالمحاسبة والمساءلة القانونية ، نستأنف عنايتنا بالتربية الأخلاقية والحكامة المالية . فرغم الصيغ البلاغية المؤطرة للرسائل الصريحة والضمنية ؛ فإن التركيز على وجوب تحلي المواطنين بروح التضامن لا يكفي ما دامت المبادرة التشريعية مترددة في سن آلية ناجعة ومنتجة لتحقيق تضامن حقيقي ، من ضمان الحق في الأمن ضد الجوع والحق في الأمن ضد الخوف ، ولعل فرض الضريبة على الدخل غير كاف لأنها تثقل كاهل الأجراء وذوي الدخل المحدود على الخصوص ، والذين يفرض عليهم الإقتطاع من المنبع ، والحال أن المطلوب هو سن تشريع يقر بالضريبة على الثروة ، وتكون إن اقتضى الحال تصاعدية .
فهل ستؤخد مقترحات الوزير بعين الجد والمسؤولية خاصة في ظل تفاقم حدة التضخم ، وقد جاءت الإشارة في المداخلة بأن الخزينة العمومية منهكة ولا يمكن تحقيق المساواة إلا بالتضامن ، باعتبار أن التضامن وسيلة للتلطيف من الأنانية ؟
قد يتساءل البعض ويعتبر أن مقالتنا مجرد إعادة نشر لخطاب تحصيل حاصل ، لكن مرد مبادرتنا يروم التذكير بأن الزاوية التي من خلالها تناول المحاضر الموضوع والذي استحضر الوازع الأخلاقي والقانوني وأطرهما بالوازع الديني ، قد تفيد صانعي القرار والتشريع في تجويد حماية المال العمومي، بعيدا عن نزعة الشفقة والإحسان .
إنها مناسبة لتوسيع حكمة المشرع المغربي ، والدستوري على الخصوص ، بضرورة دسترة منع حالة التنافي ، أي الجمع بين كل ممارسة يتماهى فيها أموال السياسة مع الأموال الخاصة( وقد سبق حذف المقتضى المتعلق به من مشروع دستور2011) ، فليس فصل الدين عن السياسة هو المطلوب بل ايضا فصل ممارسة السياسة عن الإشتغال بالمال والإقتصاد . لذلك فأول الخطو ، بحثا عن الحل الناجع ، يكمن في ترسيخ عدالة ضريبية بإقرار الضريبة على الثروة في ظل عجز آليات اامحاسبة والمساءلة عن ردع الفساد والمضاربة وإقتصاد الريع والرشوة السياسية التي تتجسد في الزبونية والتمييز والمحاباة في التشغيل والتعيين أو التمكين . وإن ما دفعنا إلى ذلك كون كثير من المنابر قفزت على هذه العبارة / بيت القصيد ( المقتضى يفزع الأثرياء بلا سبب مشروع ) ، فالخطاب إستباقي ووقائي من شأن اعتبارمعناه ووتمثل مغزاه تجنيب النظام و الوطن من وضع أو مؤشرات الدولة الرخوة . وإن سوء تحصيل المال العمومي كسوء تدبيره ومن العبث إدعاء تحمل الدولة لمسؤولية خلق الثروة ، فكيف يمكن القطع مع تاريخ المخزن العتيق الذي قال عنه عبد الله العروي ” بأنه في كثير من محطاته كان أداة للإحتلاب ، ولم يكن يصرف الثروة فيما ينبغي أن تصرف فيه ” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube