مقالات الرأي

 الشخصية العربية و المأزق الحضاري

أحمد الونزاني
 

نلت عطفي و حناني
ثم فارقت مكاني.
هذا البيت الشعري يلخص الحالة العربية، أو إذا ما شئنا الشخصية العربية التي تعودت على الاستبداد والفساد، و هي تعيش في حضنه  و في ظله و لا ترتاح إلا به و معه. و كما قال الشاعر الكبير المتنبي : لكل امرئ من دهره ما تعودا.
و الشعوب العربية تعودت على العيش في الحفر و القهر و الذل و الاستعباد و ترى في الحرية والعدالة و تكافؤ الفرص و التعليم، وحقوق الإنسان، ترفا لا يليق بها و هي عن كل هذا مترفعة و مستغنية و قد تضطر إذا ما فرض عليها الثورة عليه. فالعربي يقول دائما ما حك جلدك غير ظفرك و الظفر لا يطلع من اللحم، فالاستبداد و الفساد هما  المرتع و المنجى و لا يمكن ان تستقيم الحياة في البلاد العربية إلا بهما، و قد كذب من ظن يوما  أن للثعلب دينا. 
الشخصية العربية هي شخصية فريدة و عجيبة، لا تؤمن بالغد و تكره المستقبل، تعيش على يومها، مره و حلوه،  تعيش لتأكل فقط، عيشة الذبانة في البطانة. تعيش على حساب دماء بني جلدتها، تمتص الحياة من دماء جيفة عفنة بين الحياة والموت. تعيش على الأحقاد و البغض و الحسد و الشيطنة و التجسس على بعضها البعض.
الشخصية العربية شخصية  معقدة و مركبة تعيش على الأوهام و الأحلام المزيفة و الآمال الكاذبة، مستعدة للانتحار في البحر و الموت قهرا و كمدا على البوح أو مقارعة الطغيان و الهوان، شخصية فقدت كل سمات الإنسان السوي و المتزن.
الشخصية العربية، شخصية تابعة و غير قادرة على أن تكون قائدة في الميدان، فهي شخصية تساق إلى حتفها راضية، تساق ك القطيع على ضربات أجراس الكلاب من بني جلدتها، تساق إلى المجهول خانعة و خاضعة، الطاعة العمياء سبيلها و مرادها.
الشخصية العربية لم تتعود على الحرية، على التمرد، على العصيان، على أن تكون قائدة و ثائرة و حركية و تواقة لأن تصنع مجدها و عزها، شخصية مجبولة على الخمول و الانتظار و تقليد أسوأ ما لدى الآخرين، شخصية لا تتعلم من أخطائها أو نكبات الآخرين و تجاربهم، هي تحن للأسوأ دائما و ابدا ،بل تعشق الحضيض و ترى في الدونية و التبعية مصدر إلهام و قوة إبداع.
أعدوا الركاب .
و أطلقوا الرباب
فليس دونها حجاب
هكذا قالت سجاح معلنة ثورة مضادة على السمحة البيضاء. فقد أرادوها فوضى خلاقة و ردة تواقة لعهود العبودية و القهر و الذل ، و عبادة الأوثان و استعباد الإنسان لأخيه الإنسان.
هي نفس الدعوة أطلقها من لازالوا على دين سجاح و مسيلمة الكذاب، و من يحملون في جيناتهم دعوة الجاهلية الأولى . دعوة استعملت فيها كل وسائل البطش و القوة الغاشمة، دعوة للعودة إلى عهود الحجر و القهر و النكوص الحضاري، عبر وسائل الإعلام المختلفة، المرئية و المسموعة و في الصحف والمواقع الإلكترونية و على وسائل التواصل الإجتماعي.
بنفس الأدوات و الوسائل التي استخدمت سابقا لتفريق بيضة العالم العربي والإسلامي، تستعمل الآن من محور الشر العربي لتعميق و تمزيق وحدة الأمة العربية والإسلامية، لمزيد من التفتيت و التقسيم و التشرذم ، لخلق وضع جديد و خارطة سياسية جديدة في المنطقة العربية، تقوم على الطائفية و العرقية و المذهبية و تعمق الصراع الأيديولوجي القائم على الحسابات السياسية و المكاسب السلطوية.
هذه الشخصية العجيبة و الفريدة هي التي تعيق كل خطوة نحو الوحدة العربية والإسلامية، و تعيق جهود العقل العربي نحو التحرر و اكتساب المناعة المعرفية  التي تؤهله للتفوق في الصراع الحضاري الشرس المعلن بصراحة من الآخر علينا.
هذه الشخصية العربية هي التي تقود العالم العربي لأكثر من قرن، تقوده نحو الهاوية بلا هوادة، شخصية متسلطة و متكبرة و مغرورة و سلطوية أكثر،  شخصية بهواجس و نفسية كافكاوية.
آفة الشخصية العربية أنها تعتمد الخطاب و المزاج الشعبوي سياسيا لتمرير أفكارها و التجييش في الأزمات السياسية الداخلية  أو حتى في الصراع مع الآخر. و يمثل هذا عائقا أمام الحرية و التعددية الفكرية  والسياسية و اقصائية للروح الجماعية للمجتمع. 
و ما يقلق كثيرا هو أن الشعبوية أصبحت تستميل كل النخب السياسية يمينا و يسارا  و تستعملها في خطاباتها لأغراض سياسية و سلطوية فقط، و هذا لغياب أي مشروع مجتمعي لكل هذه التيارات السياسية. و ما يقلق أكثر هو استعمال السلطة الحاكمة نفسها خطاب الشعبوية لتمرير سياساتها جبرا و قهرا في تحد تام للمؤسسات الدستورية  ، هذه المؤسسات التي أضحت في خدمة هذه الشعبوية أيضا، لفساد العملية السياسية في الأساس .
هذا هو الوضع في عالمنا العربي، لأكثر من قرنين من الزمن، فساد و استبداد و فشل تام على الخروج من المأزق الحضاري الذي وضعنا فيه، بسبب هذه الشخصية المتسلطة و الشعبوية ذات الفكر الأحادي و المنجرفة في إتجاه التفتيت للسيطرة و في اتجاه التبعية لخدمة المصالح الذاتية لنخبة معينة و خدمة المصالح الغربية.
و أعتقد أنه في غياب الوعي بضرورة الإصلاح الجذري و استحضار الشخصية العربية والإسلامية الفذة .
التي استطاعت بناء صرح حضاري متكامل الأركان، متنوع و منسجم و معطاء و متماسك، لا تفرقه الايديولوجيات و لا المذاهب السياسية و الفكرية و الدينية و لا اللغوية، لا يمكن الحديث عن أي نهضة محتملة في المنظور القريب.
و كما قال الشاعر الكبير : معروف الرصافي:
يا قوم لا تتكلموا 
إن الكلام محرم
ناموا لا تستيقظوا
ما فاز الا النوم
و تأخروا عن كل ما
يقضي بأن تتقدموا 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube