مقالات الرأي

انتباه ..لقد دقوا جدران خزان واقعهم 


تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صباح هذا اليوم حادثا خطيرا1 ، وخطورته تتجاوز أي تحليل أو تفسير تبسيطي لما ورد من مشاهد قاسية في ابعادها المجتمعية العميقة ،وفي مؤشراتها الصادمة لكل ذي قلب  ورأي حي  متحرر من كل خندق او سجن سياسي يجبره على انكار الحقيقة ، ويسلبه البصر والبصيرة .. 

حدث سوق القنيطرة اليوم …يصادف وطنيا ذكرى 20فبراير بما تحمله من رمزية … وعالميا اليوم العالمي العدالة الاجتماعية  المطلب والشعار  التي رفعت ومازالت كل  الشعوب في مسيرتها نحو بناء مجتمعات  الانصاف والعدل حيث  يستفيد فيها جميع الأفراد والفئات من خيرات وثروات  البلاد  على قدم المساواة، دون أن أي تمييز مهما كان نوعه، لتستمر في تربع عرش الشروط الضرورية لإنجاز الاستقرار والتنمية الحقيقية  محليا ، والتعاون العابر للحدود والجغرافية عالميا .. 

حدث اليوم هو تعبير  وقياس حقيقي لمردودية  النقاشات والسياسات العمومية  والحوارات الاجتماعية ، وادوار البنيات والوسيطة بين الدولة والمجتمع ،ومنها  المنتدى البرلماني الدولي الخامس للعدالة الاجتماعية غدا الاثنين 21 فبراير بمقر مجلس المستشارين   

الحدث هو رسالة واضحة لكل المجتمعين  في اطار فعاليات المنتدى البرلماني الدولي السادس للعدالة الاجتماعية، تحت شعار  “الحوار الاجتماعي ورهانات الدولة الاجتماعية ”.الذي ينعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، و بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وحسب المعلن  تفعيلا لاستراتيجية عمل المجلس للمرحلة الممتدة من

2021 إلى 2027. 

حدث اليوم هو  دق لخزان واقع قاسي2 أصبح يعيشوه شريحة كبيرة من المواطنين المغاربة احتجاج وتعبير عن فشل ادوات نقل المطالب إلى صناع  القرار بالمغرب ،  قد يسبقه ارتجاج لا قدر الله إن أصبحت مناسبات وفرص النقاش تتجه نحو اتقان فن صياغة العناوين، وابتعادها عن فن الاجراءات والتنزيل على أرض الواقع ، ففضيلة النقاش الجماعي والمؤسسي تفقد قدسيتها وجلالها عندما تصبح مخرجاته  هذا الحوار فاقدة الأثر والتأثير في الواقع ، بل تتعداه إلى منزلة هدر المال والوقت العام ، حيث القرارات والافكار حتى لو كانت  فرضا قوية وصائبة  إن لم تجد طريقها إلى الفعل في الوقت المناسب  لا جدوى منها .. 

لقد اجتمع المنتدى البرلماني الدولي في دوراته السابقة ــ كما سيجتمع غدا ــ تحت العناوين الكبرى والبراقة التالية  : 

  • الدورة الأولى للمنتدى يومي 19-20 فبراير 2016 نظمت تحت شعار” تنمية الكرامة الإنسانية لتمكين العيش المشترك “. 
  • الدورة الثانية، 20 أبريل 2017،والتي جاءت تحت شعار “مأسسة الحوار الاجتماعي.. مدخل أساسي للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية”.  
  • الدورة الثالثة ، تحت شعار “رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجـديد” يومي 19 و20 فبراير 2018.  
  • الدورة الرابعة ، يوم 20 فبراير 2019 حول موضوع “الحماية الاجتماعية بالمغرب: الحكامة ورهانات الاستدامة والتعميم “.   
  • الدورة الخامسة يوم19 فبراير 2020 تحت عنوان “توسيع الطبقة الوسطى: قاطرة للتنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي” 3   

وبالرجوع إلى بلاغ الدورة الخامسة والاخيرة للمنتدى نموذجا نجده  جاء حافلا  ومركزا على  أهمية الطبقة الوسطى  باحثا عن التوازن والاستقرار المجتمعي  ومن هذه التعبيرات الواردة فيه  ويسعى المنتدى البرلماني الدولي في نسخته الخامسة، إلى إثارة انتباه مختلف الفاعلين إلى ضرورة الوعي بأهمية الطبقة الوسطى ودورها في المجتمع بل وتمثل رغباتها وتطلعها، غير أن هذا الوعي يجب أن يقترن بإرادة سياسية قوية تجعل هذه الطبقة في صلب نموذجنا التنموي الجديد.4 

وسعي  المنتدى   إلى اثارة  هذ ا الانتباه جاء  انسجاما مع ما سبق للملك محمد السادس نصره الله، أن أكد في خطابه السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب من سنة  2019على أهمية الطبقة الوسطى التي تشكل قوة إنتاج وعامل تماسك داخل المجتمع، حيث وجه  جلالته مبرزا أهمية هذه الطبقة في “البناء المجتمعي، فإنه يتعين العمل على صيانة مقوماتها وتوسيع قاعدتها وفتح آفاق الترقي منها وإليها”، مشدداً الخطاب  على أن هذه التحديات “لن يتم رفعها إلا بتحقيق مستويات عليا من النمو وخلق المزيد من الثروات وتحقيق العدالة في توزيع ثمارها” 

كما أعلن  الخطاب الملكي تمسكه بالمقاربة التشاركية الادماجية  منهجا لمعالجة القضايا الكبرى للمغرب داعيا الى اعتماده من قبل   اللجنة المكلفة بإعداد  مشروع النموذج التنموي المغربي الجديد  عند القيام بمهمتها  “شعبي العزيز، لقد حرصنا على جعل المواطن المغربي في صلب عملية التنمية، والغاية الأساسية منها. واعتمدنا دائما، مقاربة تشاركية وإدماجية، في معالجة القضايا الكبرى للبلاد، تنخرط فيها جميع القوى الحية للأمة. وهذا ما نتوخاه من إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي؛ التي سنكلفها، قريبا، بالانكباب على هذا الموضوع المصيري. وإننا نريد منها أن تقوم بمهمة ثلاثية: تقويمية واستباقية واستشرافية، للتوجه بكل ثقة، نحو المستقبل.”5 

“..وإننا نتطلع أن يشكل النموذج التنموي، في صيغته الجديدة، قاعدة صلبة، لانبثاق عقد اجتماعي جديد، ينخرط فيه الجميع: الدولة ومؤسساتها، والقوى الحية للأمة، من قطاع خاص، وهيئات سياسية ونقابية، ومنظمات جمعوية، وعموم المواطنين.” 6 

إن التطلع الملكي إلى عقد اجتماعي جديد   أكيد أن من تحدياته ثقة المواطن في مؤسساته ، حيث تعد الثقة عنصرا من العناصر المؤسسة للتماسك  الاجتماعي، تفترض توضيح القواعد و احترام سيادة القانون وفعلية العدالة. ولما لعنصر الثقة من تأثير على التوجه والاستعداد الفردي والجماعي نحو الاستهلاك و الاستثمار والانخراط في المشروع المجتمعي7 

كما أن  إرساء ميثاق اجتماعي جديد يهدف التعاقد حول هذا الميثاق الاجتماعي الجديد إلى تعزيز المواطنة من خلال ضمان نجاعة الحقوق والحد من الفوارق الاجتماعية والجهوية بين الوسط القروي والوسط الحضري، وتقوية التماسك الاجتماعي. ومن شأن هذه العمليات تعزيز الاستقرار، ودعم الطلب الداخلي، والمحافظة على السلم الاجتماعي.8 

ويعتبر كسب  ثقة الطبقة الوسطى  اتجاه نحو فعلية تحقيق العقد الاجتماعي الحديد القادر على ضمان الاستقرار السياسي المغربي في ظل محيط مضطرب9 ،إن الرهان على الأدوار الحيوية للطبقة الوسطى، يعتبر عنصراً هاماً لبناء هذا النموذج من أجل مجتمع يسوده التوازن والاستقرار والعدالة الاجتماعية.10 

إن رهان الدولة المغربية على هذه الطبقة لما تشكله من قوة انتاجية وعامل تماسك اجتماعي جعل منها أساس بناء البيت المغربي المتين بالتعبير الملكي “إن المجتمع مثل البيت، متكامل البنيان، أساسه المتين هو الطبقة الوسطى، بينما تشكل الطبقات الأخرى باقي مكوناته“.11 

في نفس السياق ذهب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو يجيب عن  سؤال أية تحديات لتحقيق الطموح الجديد في إيجاد نموذج تنموي ّ مغربي يتلاءم مع الخصوصيات والتحديات الخاصة بالمغرب ؟  عدد سبع رافعات لتحقيق هذا الطموح المنشود .12 منها الرافعة الثالثة لهذا الطموح والهادفة إلى تحقيق  ميثاق اجتماعي جديد ، وذلك من خلال ضمان فعلية الحقوق والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية وتعزيز التماسك الاجتماعي، ومن تقوية الشعور بالمواطنة وتعزيز الأداء الفردي والجماعي. رافعة ثالثة بعد  الرافعة الاولى  الخاصة بتعزيز قدرات الرأسمال  البشري، حتى يتمكن كل مواطن من المساهمة بكرامة واعتزاز في صعود بلاده ، في حين ارتكزت  الرافعة الثانية على تعزيز الرأسمال المؤسساتي، الذي يستدعي تحسين نجاعة المؤسسات وتجانس السياسات العمومية، من خلال ضمان سيادة القانون، وضمان ولوج الجميع إلى خدمات عمومية ذات جودة، ليلعب دور المسرع الإيجابي لتحقيق تنمية متواصلة ومستدامة ومنصفة ومتضامنة ومدمجة.  

إن من مستلزمات  العقد الاجتماعي الجديد صياغة استراتيجية تنموية جديدة حيث ذهب بلاغ المنتدى في دورته الخامس وهو يثير انتباه مختلف الفاعلين إلى مستلزم الاهتمام بالطبقة الوسطى هو صياغة استراتيجية تنموية جديدة قائمة  في أولوياتها على حاجيات مختلف الفئات الاجتماعية وفي مقدمتها الطبقة الوسطى  جاء فيه “إن الاهتمام بهذه الطبقة، يقتضي صياغة استراتيجية تنموية جديدة، تتحدد أولوياتها وبرامجها طبقا لاحتياجات مختلف الفئات الاجتماعية وعلى رأسها الفئات المتوسطة، مع تشجيع النمو المستدام والمدمج وإعادة النظر بشكل شمولي في آليات توزيع الثروة، بما في ذلك الآلية الجبائية والضـريبية والتمويلية ومنظومة الأجور وإقرار التدابير الضـرورية لضمان تكافؤ الفرص والعدل والإنصاف والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة”  

إن كسب رهان الثقة والتأسيس للعقد الاجتماعي الحديد المنشود الباحث على كسب التحديات والرهانات لا يستقيم الا بتوسيع مجالات الاشراك السياسي حيث  المشاركة السياسية  هي جوهر كل سياسة كبيرة أو صغيرة  ، حيث يبقى الفشلون في ممارسة المشاركة السياسية مستبعدون من ممارسة القوة  والمشاركة هي قلب الديمقراطية  فارتفاع نسبتها  دليل على اتساع الديمقراطية اتساعها  وأفول المشاركة مؤشر على  وانحسارها13  

لذلك فالمشاركة السياسية تعد من أبسط حقوق المواطن  في البلدان الديمقراطية ، وحق أساسي كفلته المواثيق والقوانين الدولية والمحلية ،كما أصبح مبدأ المشاركة مقياسا لدرجة تحضر ودمقرطة الدولة والمجتمعات ودرجة اتجاها نحو الحداثة  عبر انبثاق مؤسساتها التمثيلية من رحم صناديق الاقتراع في اطار  انتخابات حرة ونزيهة .. 

ومن اللافت للنظر ان جعل  بلاغ الدورة الخامس للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية من التشجيع على المشاركة السياسية والمدنية  عنصر من عناصر  الاستراتيجية التنموية الجديدة القادرة على تحقيق شروط العقد الاجتماعي الجديد  ، لما لها من دور وأهمية في تحقيق التنمية المنبثقة من الاشراك ثقافة واليات ومخرجات ،”..بالإضافة إلى التشجيع على المزيد من المشاركة في الحياة السياسية و المدنية…”14 

 بعد كل ما سبق  من نقاشات ومضامين رسمية… يبقى السؤال بعد حدث سوق القنيطرة .. هل  تم انتاج   سياسات وطنية  جديدة  متصفة بالمواطنة الكافية ..؟ هل  انطلقت  من المواطن وإلى المواطن ؟ …حادثة سوق القنيطرة إعادة للأذهان حادثة مماثلة وقعت بمدينة فاس يوم 31‏/07‏/2020 حينما هاجم الناس على بائعي الاضاحي وتم أخذها منهم بدون ثمن15 …. الحادثين أكيد يبقيان معزولين ،وخارج سياقات الثقافة المغربية بحمولاتها المتعددة الابعاد والروافد ، هي فرصة للعلوم الاجتماعية للعمل في مكنوناتها ومعطياتها بوصفها مادة عامرة بالأسئلة التي توجب البحث عن أجوبة لها لكن هي لحظتين انفلات اجتماعي وقيمي ..تستدعي انتباه اجتماعي سريع إلى حدة المتغيرات ..وحدود طاقة تحمل الانسان للأزمات والأوضاع الطارئة …منها جائحة كورونا ، وحالة الجفاف وارتفاع الاسعار .. 

تتعدد المواقف والظروف التي تحاكم إرادة الدولة المغربية وصدقية جهودها في اخراج المواطن من بئر عميق من غياب العدالة الاجتماعية وفي القلب منها العدالة المجالية . ..وغياب الديمقراطية التي تتحقق مع تحقق وظائف الانتخابات الحقيقية في انجاز تمثيلية حقيقية لكل الشعب ..داخل المغرب وخارجه ….أكيد بأن الدولة على وعي كامل أن معركة الحقوق المدنية والسياسية ليست هي معركة الحقوق الاجتماعية المتعلقة بالحق في العيش الكريم ..الأولى يقودها ويؤدي ثمنها المناضل والواقعي والمتزن المنتصر على شهوة النفس …الباحث عن الحق دون ان يصاب الوطن بالجروح …اما الثانية فيقودها إنسان محروم من شروط ومقومات البقاء فتكون معركته معركة صفرية اما الموت او الصراخ بكل ابعاده وتجلياته المادية وغير المادية …المنضبطة وغير المنضبطة …وقد تكون صرخة كعود ثقاب تشعل نارا في حطب غابة تحمل كل استعداداتها وقابليتها للحريق … 

هي مناسبة لطرح سؤال الانصاف والمصالحة هل انتهت المهمة بجبر بعض الضرر الفردي وضرورة عودتها لتكمل مهمتها وتجبر ضرار وطن بكامله …حتى يتجه نحو المستقبل براسي صلبة قادرة على كسب المعارك وفي مقدمتها معركة العدالة والتنمية .

 

https://youtube.com/watch?v=LwChJpID8h4&feature=share

المراجع :  

  1. سامية خضر صالح ،المشاركة السياسية والديمقراطية اتجاهات نظرية منهجية حديثة  تساهم في فهم العالم من حولنا 2005 . 
  1. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ـ بنك المغرب: تقرير الدراسة حول  الثروة الإجمالية للمغرب ما بين 1999 و 2013 الرأسمال غير المادي: عامل لخلق الثروة الوطنية وتوزيعها المنصف دجنبر 2016  . 
  1. غسان كنفاني رواية “رجال في  الشمس” منشورات الرمال ،مؤسسة غسان كنفاني الثقافية 
  1. موقع مجلس المستشارين “مجلس المستشارين ينظم المنتدى البرلماني الدولي السادس للعدالة الاجتماعية” ،   
  1. موقع مجلس المستشارين  “بلاغ حول المنتدى البرلماني الدولي الخامس للعدالة الاجتماعية” . 
  1. الخطاب الملكي 20 غشت 2019. 
  1. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ـ بنك المغرب: تقرير الدراسة حول  الثروة الإجمالية للمغرب ما بين 1999 و 2013 الرأسمال غير المادي: عامل لخلق الثروة الوطنية وتوزيعها المنصف دجنبر 2016 . 
  1. عاجل: فوضى و هجوم على الباعة في سوق الأحد بضواحي# القنيطرة# سوق الاحد https://www.youtube.com/watch?v=xUclCQSqDKw 
  1. طير.. هجوم على سوق المواشي وسرقة أضاحي العيد ، الرابط  https://www.youtube.com/watch?v=xQAy2xTb0pI 

رشيد المذني ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس  


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube