فضاء الخبراء

عمق المغرب إفريقيا : مشروع إحياء خط تجارة الملح والذهب الإفريقي. (الجزء الأول) .

22:50

بقلم أمين سامي خبير واستشاري في التخطيط الاستراتيجي للمنظمات غير الحكومية.

 تاريخيا تعتبر سجلماسة هي ثاني مدينة إسلامية تشيد بالمغرب الإسلامي بعد مدينة القيروان وهي عاصمة أول دولة في المغرب الكبير تكون مستقل عن المشرق. تذهب بعض المصادر التاريخية أن سجلماسة بنيت سنة 140 هـ/757م في قلب واحة خصبة كانت عبارة عن مراعي يؤمها عدد من الرحل لتبادل منتوجاتهم في إطار موسم تجاري سنوي، وهو موقع استراتيجي بالنسبة لمختلف مناطق شمال أفريقيا وبلاد السودان الغربي من جهة والمشرق الإسلامي من جهة ثانية، وقد ساعدها ذلك الموقع على لعب دور ريادي ولمدة طويلة في تجارة القوافل وتنظيم شبكتها، الشيء الذي جعل اسم سجلماسة يرتبط في الكتابات العربية بتجارة الذهب.

ونتيجة لذلك ازدهرت سجلماسة في مختلف نواحي الحياة، فمن الناحية السياسية بسطت سجلماسة نفوذها على عدة مناطق من بينها درعة، أغمات، أحواز فاس، قبل أن تصبح إقليماً متميزاً تابعاً لإمبراطوريات وممالك المغرب الكبير المتلاحقة، وفي المجال الاقتصادي فقد انتعشت الفلاحة بفضل نظام متطور للري وتطورت الصناعات بشكل ملحوظ ومن أهمها صناعة الفخار وازدهرت التجارة والتبادلات والقوافل التجارية ومن أهمها تجارة الذهب. في الميدان الاجتماعي ظلت سجلماسة تستقطب السكان الحضريين ليتحولوا بشكل تدريجي إلى سكان مدنيين دون التخلي عن الزراعة ولكن بإضافة العديد من الحرف والصناعات إلى حياة السكان وبالتالي فان سجلماسة كانت تحتوي على خليط عرقي متنوع قلما نرى مثله في تلك الحقبة من الزمن.

وبفضل موقعها الاستراتيجي فقد باتت سجلماسة أشبه بحلقة وصل بين مختلف أجزاء شمال أفريقيا ومناطق جنوب الصحراء والمشرق الإسلامي كما تنص على ذلك العديد من المصادر التاريخية، يقول ابن حوقل في هذا الصدد: “كانت القوافل تجتاز المغرب إلى سجلماسة وسكنها أهل العراق وتجار البصرة والكوفة والبغداديون… فهم وأولادهم وتجارهم دائرة ومفردتهم دائمة وقوافلهم غير منقطعة إلى أرباح عظيمة وفوائد جسيمة ونعم سابغة قلما يدانيها التجار في بلاد الإسلام سعة حال”. وقد سافر تجّار سجلماسة بشكل منتظم وسافروا إلى بلاد السودان وإلى بلاد الكنانة (مصر حاليا) عن طريق الصحراء. وقد استفاد السجلماسيون من ذلك فأصبحوا من كبار التجار وجمعوا ثرورة هائلة وفي هذا يؤكد ابن فضل الله العمري: “إن السجلماسيين كانوا أغنياء ويتاجرون مع بلاد السودان، فهم يصدرون إلى هاته البلاد الملح والنحاس ويستوردون منها بالمقابل الذهب”.

ومن أهم الطرق التجارية المستعملة في تلك الفترة (كان يقاس الطريق في ذلك الوقت بالمرحلة ويُعتمد في ذلك على عدد الآبار بشكل أساسي):

سجلماسة – تاغزة: 20 مرحلة.

سجلماسة – أودغشت (أوداغست): 51 مرحلة.

سجلماسة – أوليل: 60 مرحلة.

سجلماسة – غانة/كاو: 61 مرحلة.

سجلماسة – بلاد التكرور: 90 مرحلة.

وكانت تشتمل صادرات سجلماسة على المواد الغذائية الرئيسية من قمح وتمر وعنب وملح، والمواد المصنعة من نسيج وحلي وفخاروجلد ومواد خشبية، ومواد التجميل والتوابل من حناء وكحولوكمون وقرنفل، ومواد علمية من كتب ومخطوطات. أما الواردات فهي متنوعة ومن أهمها ذهب غانا، جلد اللمط وريش النعام من أودغشت، حرير المشرق والفخار الأندلسي، وغير ذلك.

ومن الأمثلة على مكانة سجلماسة التجارية في ذلك الوقت أن أمويي الأندلس كانوا يقبلون على منتوجات المغرب خاصة ذهب الصحراء عن طريق سبتة و فاس وسجلماسة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube