أخبار دوليةمستجدات

ألمانيا: من أنجيلا ميركل إلى أولاف شولتز

أحمد رباص – حرة بريس

كتب أحمد فوزي، بفرنسية راقية، مقالا بنفس العنوان ونشره اليوم موقع medias 24. ونظرا لأن بروفايل الكاتب غني بالتجارب، إذ نحن أمام سفير مغربي سابق وباحث في العلاقات الدولية، ارتأيت تقديم مضمون مقاله لقراء وزوار حرة بريس بلغة عربية وأسلوب سلس في متناولهم.
في مستهل هذا المقال، يورد السيد أحمد فوزي أن المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، المنتمية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بعد أربع ولايات على رأس ألمانيا، أفسحت المجال لنائبها ووزير المالية السابق، أولاف شولتز المنتمي للحزب الاجتماعي الديمقراطي. ويتضح أنها، طيلة ستة عشر عاما في السلطة، طبعت صورة مرأة ذات عزيمة قوية رافعة رأسها عاليا أمام القادة الآخرين، في مقدمتهم دونالد ترامب الأمريكي الذي كانت علاقاتها به متوترة.
في فقرة ثانية، يسجل الكاتب أنها حظيت بشعبية كبيرة في ألمانيا، كما في بلدان أوروبية أخرى، من خلال مبادراتها، وأنها وجدت نفسها وقد سمت إلى مرتبة زعيمة العالم الحر بسبب ارتباطها بالقيم الديمقراطية والحرية والعدالة، في مقابل انعزالية ترامب. تمثل أحد قراراتها الهامة، بلا شك، في الترحيب، رغم كل الصعاب، بمليون لاجئ في وطنها.
ويواصل الأستاذ الباحث حديثه عن هذا الموضوع بالقول إنه من المؤكد أن هذا القرار ساهم، من بين أمور أخرى، في دخول تشكيلة اليمين المتطرف لأول مرة إلى البرلمان، وخسارة الانتخابات لصالح الحزب الاجتماعي الديمقراطي بقيادة أولاف شولتز، حليفها بالأمس. وبمجرد إعلان النتائج، تشكل ائتلاف انتخابي جديد من الاجتماعيين الديمقراطيين والديمقراطيين الليبراليين والخضر. حكومة يسارية، في زمن انبعاث اليمين الأوروبي بشكل خطير من رماده.
ولاحظ كاتب المقال أن تقسيم العمل بين الأطراف الثلاثة منح للحزب الديمقراطي الاجتماعي وزارات الصحة والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية والدفاع والبناء والإسكان والتعاون الاقتصادي والتنمية.
أما منتخبو الحزب الديمقراطي الليبرالي، فقد آل إليهم النقل والإنترنت والتعليم والبحث. بالنسبة للخضر، وهم قوة سياسية رئيسية على رقعة الشطرنج الألمانية، فقد فازوا بالشؤون الخارجية، والاقتصاد والمناخ، الأسرة والنساء والشباب، الأغذية والزراعة، وأخيراً البيئة وحماية المستهلك.
وفي رأي السيد أحمد فوزي، نحن أمام رابع حكومة ألمانية منذ الحرب العالمية الأخيرة يقودها اجتماعي ديمقراطي ممثلا في شخص أولاف شولتز. هذا الأخير، بوصفه شخصية بارزة على الساحة السياسية الألمانية، يجر وراءه قدرا وافيا من الخبرة كرجل دولة لكونه رئيس عمدة هامبورغ، ووزيرا للعمل، ثم وزيرا للمالية ونائبا للمستشارة ميركل. ليحل محله على رأس وزارة المالية، اختار كريستيان ليندنر، زعيم الديمقراطيين الليبراليين، لمواصلة الإصلاحات التي بوشرت في عهد ميركل.
ويرى الكاتب أنه جرى احترام التكافؤ بدقة في تشكيل هذه الحكومة، لافتا الانتباه إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تترأس فيها نساء إدارات استراتيجية مثل وزارة الداخلية، التي عُهد بها إلى نانسي فيزر، أو الشؤون الخارجية، برئاسة أنالينا بربوك. الأولى من نفس حزب المستشار بينما الثانية من حزب الخضر. وأشار الكاتب أيضًا إلى أن نانسي فيزر هي أصغر امرأة تترأس دبلوماسية بلدها التي، كان بالأمس، يقودها خبير بيئي آخر ممثلا في شخص يوشكا فيشر.
على المستوى الداخلي، يجب أن يلبي التحالف الجديد التوقعات الألمانية من حيث مناصب الشغل والحماية الاجتماعية والنمو. سنعرف ما إذا كانت الوعود مثل بناء 40 ألف وحدة سكنية، أو زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 12 أورو في الساعة، سيتم الوفاء بها، وما إذا كانت الاستثمارات القوية، في القطاعات المرتبطة بالمناخ والرقمنة، سترى النور.
ولا يُعرف – يتابع الكاتب – كيف يمكن القيام بالاستثمارات الموعودة من قبل هذا التحالف حيث أعلن رفضه زيادة الضرائب ورغبته في إبقاء الديون عند مستواها الحالي. ومع ذلك، اعترف بأن هذه الدقة في الميزانية لن تتحقق حتى عام 2023، وبأن عام 2022 سيظل يتميز بتدبير جائحة كوفيد وتأثيراتها التي ألقت بثقلها على قطاعي الاقتصاد والمالية في البلاد.
كما سجل الأستاذ الباحث أن من بين جميع الإصلاحات الموعودة، تكتسي تلك المتعلقة بالمناخ أهمية خاصة. ورأى أن الحكومة الألمانية تعتزم تسريع وتيرة توسيع الطاقات المتجددة من خلال اعتماد قوانين جديدة تفرض على المباني التجارية والصناعية تركيب الألواح الشمسية على أسقفها، والهدف هو التخلص التدريجي من انبعاثات الفحم في عام 2030 ، بدلاً من عام 2038 كما كان مخططا له في البداية.
ولكن على المستوى الدولي لن تكون التحديات التي تنتظر الشابة أنالينا بربوك مطبوعة بالهدوء على الإطلاق. اليسار الألماني في السلطة الآن في حين أن العديد من جيرانه يحكمهم بالفعل أقصى اليمين، بينما فرنسا، الحليف الاستراتيجي الآخر داخل الاتحاد الأوروبي، مرشحة لمكابدة نفس الموجة خلال الانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها في ماي المقبل. لكن وصول هذا التحالف إلى السلطة يتزامن مع رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي، حيث يشحذ إيمانويل ماكرون أسلحته استعدادا لإعادة انتخابه. يتصادم البلدان حول عدة قضايا أبرزها استخدام الطاقة النووية. باريس لا تريد التخلي عن هذه الطاقة، بل تنوي الإسراع في بناء محطات إضافية للطاقة النووية، بينما تعارض برلين بشدة، وتفضل التركيز على الطاقات المتجددة والغاز الروسي.
يتطلع الكثيرون إلى تموقع وزيرة الخارجية الجديدة حيال روسيا، وما تطالب به من دول الحدود الأوروبية مثل أوكرانيا. هل ستكون أكثر صرامة مع موسكو؟ أم أنها ستحافظ على نفس السياسة التي تبنتها ميركل؟ هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن المستشار شولتز سيحتفظ، لبعض الوقت، بحق التدقيق المباشر في دبلوماسية بلاده، يوضح كاتب المقال.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الدبلوماسية الألمانية ظلت لفترة طويلة قلقة إزاء صعود قوة الصين، التي يُنظر إليها في برلين على أنها منافس اقتصادي ومنافس سياسي. لكن أي معارضة لهذا العملاق يفضل أن تكون داخل الاتحاد الأوروبي، أو بالاشتراك مع الأمريكيين، لأن الصين شريك ضروري ولا غنى عنه لرجال الأعمال الألمان.
لذلك كله، سيجد التحالف الألماني الجديد داخل الاتحاد الأوروبي الزخم والدعم اللازمين للمشاركة الحقيقية في العالم. وفقا للفريق الحكومي الجديد، يجب على الاتحاد الأوروبي تجميع جهوده في الدفاع والأمن، لا سيما من خلال التعاون القوي بين الجيوش الأوروبية. تبقى الحقيقة أن الدول الأعضاء لا تتفق جميعها على مختلف القضايا التي تواجهها. بعد انتقاد ميركل المعتدل لبعض هؤلاء الذين لم يحترموا حقوق الإنسان، قد تميل الحكومة الألمانية الجديدة إلى دعوة المفوضية الأوروبية لاستخدام أدوات الحقوق الحالية ضدهم من أجل احترام القوانين الديمقراطية التي توحد أوروبا بأكملها.
بسبب ماضيها، لا تتوفر ألمانيا، المجردة من مستعمراتها وقوتها البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، على سياسة حقيقية تجاه إفريقيا مثل القوى الأخرى. جاء اهتمام المستشارة ميركل بالقارة الأفريقية متأخرا بعض الشيء. لم تبدأ زياراتها إلى القارة حتى عام 2016 في التبلور، من ناحية، بسبب صراع القوى الأخرى، ونظرا للحاجة للضغط على المسؤولين الأفارقة للحد من تدفقات الهجرة، من ناحية أخرى. للوصول إلى القارة الأفريقية، التي تثير شهية جميع القوى، يجب على برلين، مثل الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد، أن تتحالف مع شركاء أفارقة أقوياء يشتركون في نفس المثل العليا لشراكة حقيقية مفيدة للطرفين. موقف ألمانيا الأخير تجاه بلدنا هو خطوة في الاتجاه الصحيح ينبغي ترجمتها الآن إلى عمل ملموس، يختم الأستاد أحمد فوزي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube