ثقافة وفنونمقالات الرأي

لحسن الجيت يكتب: المرأة والعشق الذي لا يموت

بقلم :لحسن الجيت

                                                                                              

أجمل وأعظم ما خلق الله في ملكوته المرأة. فهي فضل من أفضال الله على الرجل. وهي نعمة وفي الوقت نفسه حتى ولو كانت شرا، كما يزعم الجاحدون بنعم الله، فإننا سنحب هذا الشر ولن نستغني عنه، به نعيش وعليه نموت وهي ملح يعطي طعما لحياتنا. المرأة في جميع مراحل عمرها تعد مفتاحا لكل مرحلة. وهي طفلة تدخل البهجة والسرور لأنها فراشة البيت ببراءتها وحنانها الفطري تلامس قلب الأب لتسعده وتنسيه متاعب اليوم المضن. وهي فتاة يانعة يافعة تظل ملازمة لأمها وأبيها في خدمة الجميع وفي خدمة ذلك الأخ الذي يتعلم كيف يرفرف ليطير ناكرا ومنكرا. وهي في مرحلة ثالثة تنضج أنوثتها لتصبح جميلة تسر الناظرين فاتنة تفتن. وحينما تكتمل تضاريسها تنهار كل تضاريس الطبيعة، وببروز نتوءاتها على صدرها تخر نتوءات الجبال ساجدة وتنجرف أحواض الكون أمام حوضها ولا يبقى لا من قبله ولا من بعده حوض، وكل منابع الأرض تنضب ويصيبها الجفاف ويأبى منبعها النضوب قادرا على الأخذ والعطاء فهو منبع الأمل والحياة وبفضله يستمر الوجود. فالعشق الذي كانت تمنحه من جانب واحد أصبح اليوم متبادلا يتوج بمرحلة رابعة وهي الزوجة. وفي هذه المرحلة يجد الرجل ذاته ويقف على سر الألغاز التي أودعها الله في هذا الكائن، وعلى قوة الجاذبية والمغناطيس. وكلما تراءى له أنه قد أفلح في فك طلاسمها كلما ازدادت حيرته. ويكتشف بعد لؤي أن ذلك المخلوق سر من أسرار الله، وهو يضع سره في أضعف خلقه.

فالمرأة منارة في الدنيا. وهي في هذه الدنيا مدرسة إن أعددتها أعددت جيلا بكامله وأعددت مجتمعا متوازنا. تفيض بحنان يعلمك معنى الحب، ومع ذاك الحب يعم الوئام والسلام. ولو اجتمع زعماء العالم بأسره حول طاولة واحدة ليصنعوا لك سلاما لما صنعوه. بينما المرأة قادرة على فعله وزرعه فهي لا تصنع وليست صانعة بل هي مربية أجيال على القيم. وكلما آلت الأمور إليها كلما كانت في مستوى الحدث على عكس الرجل الذي يلبسه الجشع من رأسه إلى أخمص قدميه. فالسلام سلام المرأة والحروب هي من صنع الرجال. وإن حاربت المرأة الرجل الشارد فهي لا تريد سوى أن تصده عن غيه وتعيده إلى جادة الصواب لكي تجعل منه أفضل شريك لها في البناء والتشييد. وعن كونها كأم، نقل عن أبي هريرة قال رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال عليه السلام “أمك. ثم قال من؟ قال: ثم أمك. قال ثم من؟ قال: ثم أمك. قال ثم من؟ قال ثم أبوك”. ولها مكانتها كزوجة في حياة وممات رسول الله. فبعد أن استأذن خير البشرية زوجاته بأن ينقل إلى بيت سيدتنا عائشة وقد أخذ منه المرض مأخذا، وبعد أن اشتد به عندئذ المنون وهو في بيت عائشة طلب منها رضي الله عنها أن تدنو منه فوضع رأسه على صدرها وجاءه ملك الموت واستأذنه بقبض روحه وهو على ذلك الحال، وكان آخر ما دخل إلى جوف رسول الله هو ريق عائشة عبر السواك لتخفيف سكرات الموت عن الرسول. إنه بالفعل تكريم من الرسول عليه السلام للمرأة كأم وكزوجة. فهو عشق الأنبياء والرسل الذي ما بعده عشق. والمرأة رحمة، وفي ذلك إسوة لمن أن أراد أن يتبعها.

ومن الحكم الشعبية التي ترفع من شأن المرأة في زمن البيئة المغربية الخالية من الشوائب والتي تقر بالدور النبيل للمرأة في الحفاظ على تماسك الأسرة، ما توارثناه من قول مأثور “إذا مات باك توسد الركبة، أي ركبة الأم، وإذا ماتت أمك توسد العتبة” أي أنك ستجد نفسك خارج البيت. وفي هذا تطابق تام مع الحديث السابق لرسول الله الذي أوصانا فيه جميعا أمك ثم أمك ثم أمك وفي المقام الأخير يأتي دور الأب.

وفي الشأن العام، يبقى دور المرأة موضع أمانة وثقة. وعندما تؤول إليها المسؤولية فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وفي كل مناحي الحياة العامة ثبت بالدليل القاطع أن المرأة تخلص لعملها تقيم العدل وهي قاضية، تدرس بإخلاص وهي مربية قبل أن تكون معلمة، شرطية تأبى المساومة وإجراءاتها الردعية محببة وهي أقرب إلى القلب من بطش أو ابتزاز قرينها، وهنا نستحضر انضباط وإخلاص وصرامة القايدة حورية في زمن الجائحة. وهي من ملائكة الرحمن في المستشفيات كطبيبة وكممرضة، ضحكتها في وجه المريض تنسيه هموم المرض ومن قال لك إنها لا تشفيه. وفي الحقول يعول عليها أكثر من الرجل وكذلك في المصانع فهي خلية من النحل تنشط من تلقاء نفسها من دون حسيب ولا رقيب.

وفي باب الشأن العام، خير ما يمكن أن نستدل به عن المرأة في عالمنا المعاصر على مستوى الحكامة الجيدة رئيسة سنغافورة السيدة حليمة يعقوب، امرأة فولاذية عصامية استطاعت أن تحطم كل الأرقام القياسية وأن تظهر للعالم بأسره أن قادته من الرجال لا يساوون ولو قيد أنملة قياسا بما حققته من تطور وازدهار للشعب السنغافوري. وهي التي قالت قولتها الشهيرة “من يريد أن يعمل معي لصالح شعبي فأنا أخته في الله”. وبفضلها تحققت إنجازات لم يتحقق غيرها في مكان آخر. زيادة دخل سنغافورة بـ 2 ترليون دولار، ارتفاع دخل المواطن إلى 85 ألف دولار، أصبحت نسبة الفساد في هذا البلد صفر، تشطيب جميع الضرائب عن المنتجات السنغافورية.

وهكذا يبدو أن عشقنا للمرأة هو عشق لا يفنى ولا يموت بل إنه عشق يفرض نفسه، متجدد ويتجدد بمواقع المرأة في حياتنا نحن الرجال كبنت وكخليلة في طور التأهيل لمرحلة القران وكزوجة وكمسؤولة. وهي عكازنا عليه نتوكأ لأنها رمز للوجود وفيها سر من أسرار التقويم الرباني. وخير الختام قوله تعالى “يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك”. ولله الحمد وله الشكر، وإن تعدوا نعمة الله فلا تحصوها، ومنها نعمة المرأة التي خلقها الله في أحسن تقويم.

دبلوماسي سابق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. Thank you so much Mr. Lahsen for this gracious, and kind testimony. I am sure that all women appreciate a man who is brave enough to acknowledge the huge , and very important responsibilities that falls on . women’s shoulders. I say : women are the glue that holds societies together.

    Thank you

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube