مقالات الرأي

المحطات السياسية الكبرى التي يقاومها المغرب

محمد بونوار كاتب مغربي مقيم بالمانيا

لا أحد ينكر المحطات الكبرى التي مر منها المغرب خلال الفترة الاخيرة ، والتي كانت غير سهلة على المستوى السياسي ، خاصة عندما تتوالى الاحداث وتتعدد الواجهات وتكون سرعة الوقائع سريعة ومتتالية بشكل غير عادي .

البداية كانت مع الجزائر والذي له تاريخ طويل في معاكسات المغرب على الصعيد الاقليمي وفي المحافل الدولية ، والسبب كما يعرفه الجميع هو مطالبة الجزائر بمنح تقرير المصير للشعب الصحرواي حسب قناعات الساسة بدولة الجزائر.

بينما المغرب يرى أن الشعب الصحرواي الذي تأويه وتآزره الجزائر بمخيمات تندوف ، يعتبر محتجزا بالقوة ، لا غير. ويرى أن الصحراء تعتبر أراضي مغربية بدون نقاش .

البداية التاريخية لهذا التصعيد بدأت مع المسيرة الخضراء في سنة 1975 في عهد الحسن الثاني عندما قرر المغرب استرجاع الاراضي الجنوبية التي كانت ترزخ تحت الاستعمار الاسباني . وكانت هذه الحلقة هي نقطة بداية الصراع بين المغرب والجزائر.

طبعا المعاكسة في السنوات الاولى كانت نسبيا تتم وراء الستار ، على الصعيد الافريقي مثلا كانت دول تقف بجانب المغرب وأخرى ضده ، وعلى الصعيد الاروبي كانت ولازالت جبهة البوليزاريو بمساعدة الجزائر تقدم دفوعات الى المحاكم الاروبية لاسقاط اتفاقية الصيد البحري بحجة انها تظم خيرات المياه الصحراوية – المتنازع عليها – حسب تصريحات الجبهة .

وهناك أيضا حرب دبلوماسية شرسة في الخفاء طبعا على صعيد هيئة الامم المتحدة ، حيث تعرض الجزائر على مجلس الامن والامم المتحدة قضية الصحراء المغربية من منظور تصفية الاستعمار وتحقيق مصير الشعب الصحراوي .

المغرب بدوره لم يقف مكتوف الايدي خلال هذه السنواات ، بل هرع الى طرح ما يسمى بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية والذي لاقى ترحيبا دوليا كبيرا وهو الامر الذي جعل عدد الدول التي كانت تعترف بالجبهة يتقلص بشكل مستمر.

ومنذ سنوات لجأ المغرب الى اعتماد التنمية المحلية في الاقاليم الصحراوية المسترجعة ، وهو ما أصبح اليوم ملموسا وجزءا من الواقع المعاش ، وهنا بكل موضوعية لا داعيا للمزايدات الانشائية ، لان الاعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي تنقل الصور للمتلقي أينما كان .

مؤخرا لجأ المغرب الى نفس الحيلة حيث أدلى بتصريحات حول استقلالية جهة القبايل ، وذالك ردا على الاطروحة التي يتشبث بها الجزائر ، ألا وهي استقلال الصحراء عن المغرب .

إمكانية وقوع الحرب بين المغرب والجزائر

مؤخرا بدأت الجزائر تقتني الاسلحة والمعدات الحربية من دول مختلفة وفي مقدمتها الصين الشعبية ، وبالمقابل وبشكل علني بدأ المغرب يشتري طائرات بدون طيار من بلدان مختلفة ، وهنا يتبادر الى الذهن لماذا يتسابق البلدان الى التسلح وشراء المعدات الحربية .

انطلاقا من هذه المعطيات وأخرى سوف نذكرها بهذا المقال ، ونظرا لطبيعة الصراع بين البلدين وتداخل مصالح الدول المؤثرة والمنتفعة من المنطقة ومن الصراع نفسه ، علاوة على الدول العظمى والتي ترسم معالم الخرائط الجيوسياسية لهذه المنطقة . في نظري هناك استعدادات من الجانبين لرفع رصيد التسلح وذالك انطلاقا من ثلاثة محاور : التوازن الاقليمي ، تحقيق الطموحات والاهداف ، والتسابق الى الانتقال من مرتبة دول مستوردة الى دول لها التصنيع الحربي الذاتي .

الحرب بين المغرب والجزائر يمكن أن تقع في أي لحضة ، لكن نظرا لتعدد المصالح الاجنبية ، هناك دول عظمى سوف تتدخل بشكل جماعي لمنع هذه المواجهة

معطيات وأرقام لها تداعيات  

تعتبر فرنسا المستثمر الاول في المغرب على جميع الاصعدة : صناعة السيارات ، مؤسسات مالية فرنسية ، شركات التأمين والخدمات العمومية ، والبنيات التحتية ، ومخطط المغرب الاخضر  ، وأخيرا الطاقة المتجددة ، أي الطاقة الشمسية ، وعلى ذكر الطاقة الشمسية، سنوات مضت قدم المغرب عرض دولي بخصوص اٍنشاء أول محطة للطاقة الشمسية في جنوب المغرب  ، وكادت شركة سيمنس الالمانية أن تفوز بالعرض نظرا  لريادتها في أروبا  في مجال الطاقة المتجددة ، لكن المغرب فضل فرنسا لاسباب سياسية وثقافية . 

المحطات التي جمعت المغرب وألمانيا  

في بداية هذه السنة وقع المغرب اتفاقية ثلاثية جمعت كل من : المغرب والولايات المتحدة الامريكية واٍسرائيل ، هذه المعاهدة أحدثت زوبعة في العالم العربي وتخوفات كبيرة في أروبا ، خاصة على مستوى مستقبل الخريطة الجيوسياسية الدولية ، وعلى مستوى الصعيد الاقليمي في شمال افريقيا ومنطقة الساحل الافريقي . ناهيك عن المعادلة التي تربط أروبا  بالمغرب من جهة ، والتي تربط الولايات المتحدة الامريكية بالمغرب من جهة ثانية . 

هذه الاتفاقية  منحت للمغرب مكانة فوق مكانتها الطبيعية وذالك بحكم قوة الدول التي وقعت معها الاتفاقية ، وهنا لابد من التذكير بالاسباب التي كانت وراء توقيع هذه المعاهدة التاريخية ، وفي مقدمتها الصين الشعبية التي بدأت تتوغل في افريقيا ، وهذ المنحى يفسره المشروع الاول الذي هرعت الولايات المتحدة الامريكية الى تدشينه بمدينة الداخلة مباشرة بعد الاعتراف بالصحراء المغربية ، وهو الميناء الاطلسي والذي يعتبر أكبر ميناء في افريقيا ، وفتح قنصلية أمريكية بالداخلة وزيارة ميدانية للسفير الامريكي لها  . 

المحطات التي جمعت المغرب وألمانيا عديدة ومتنوعة ، لكن سوف نحاول بهدوء ترتيبها  : انسحاب المبعوث الاممي ،المطالبة بحق الفيتو، اعتراضات جزئية على اتفاقية الصيد البحري ،  رفع علم البوليزاريو في ولاية بريمن ، أزمة ليبيا وتوابعها ، ردة فعل الاعتراف الامريكي بالصحراء المغربية . 

البداية كانت مع المبعوث الأممي السابق الألماني الجنسية ، السيد  هورست كولرالذي انسحب في منتصف سنة 2019 من منصب المبعوث الاممي عن دوره كوسيط للامم المتحدة في اقليم الصحراء الغربية المتنازع عليها . وذالك لأسباب صحية حسب قوله ، لكن في نفس الفترة كانت وراء الستار تدور أشياء أخرى بطلها القوة الاروبية الاولى ، يعني ألمانيا والتي كانت تطالب باعطاء حق الفيتو الى الاتحاد الاروبي بدل دولة فرنسا . 

وهنا لابد من التذكير أن المغرب كان يقف ضد هذا الطلب وذالك لقربه من فرنسا أكثر من دولة ألمانيا . 

ومما زاد الطين بلة هو موقف دولة ألمانيا من اتفاقية الصيد البحري التي تجمع المغرب والاتحاد الاروبي ، والذي كان يقف في صف  التحفظ على ظم المياه المتاخمة للصحراء الغربية الى اتفاقية الصيد البحري .  

وفي بداية شهر مارس من السنة الجارية ، قامت ولاية بريمن برفع علم جبهة البوليزاريو فوق بناية البرلمان احتفالا بذكرى 45 لجبهة البوليزاريو ، وكانت هي النقظة التي أفاضت الكأس ليعلن المغرب تعليق التواصل مع السفارة الالمانية بالرباط  والهيئات التابعة لها  . 

وتلتها أزمة ليبيا وتوابعها ، وجاء التصعيد هذه المرة عندما دعت دولة ألمانيا الى عقد مؤتمر بمدينة برلين لمعالجة أزمة ليبيا مع حظور دولة الجزائر وتونس واستثناء المغرب من المشاركة،  والذي اعتبره المغرب تهميشا لمساعيه السلمية  ، علما أن المغرب كان سباقا لعقد مؤتمرات بكل من الصخيرات وبوزنيقة لتقريب الفرقاء الليبين فيما بينهم . 

وأمام هذه الوقائع المتتالية والتي لم تكن سهلة ، سارع المغرب الى ابرام اتفاقية ثلاثية بمشاركة – الولايات المتحة الامريكية والمغرب واسرائيل ، وهو الامر الذي  قسم الجمهور الى معارض ومؤيد . 

وفورا بعد الاتفاقية صرح رئيس الولايات المتحدة الامريكية بمغربية الصحراء ، وهو الامر الذي دفع دولة ألمانيا الى مطالبة مجلس الامن الى عقد جلسة مغلقة بخصوص نزاع الصحراء الغربية ، لكن الحصيلة كانت أن سفيرة الولايات المتحدة الامركية لدى الامم المتحدة أرسلت رسالة اعتراف الرئيس ترامب الى الامين العام لهيئة الامم المتحدة يعلن فيها بمغربية الصحراء . 

من جهة أخرى أعلن مجلس الامن أن القضية لم تتغير، وأن ضرورة التوصل الى حل قائم على التوافق بين الاطراف لازل قائما . 

المحطات التي جمعت المغرب واٍسبانيا  

منذ استقبال اٍسبانيا لزعيم جبهة البوليزاريو السيد ابراهيم غالي الذي دخل قصد العلاج الى اسبانيا بجواز سفر مزور ، انفجرت أزمة دبلوماسية بين المغرب واسبانيا لم تكن منتظرة ، وهكذا هرع المغرب الى اشتثناء ميناء الجزيرة الخضراء من عملية مرحبا والذي يهتم بعبور مغاربة العالم لمضيق جبل طارق ، هذا الاشتثناء جعل الاقتصاد الاسباني يخسر حوالي 500 مليون دولار، أي 10 مرات ما يجنيه المغرب من معاهدة الصيد البحري مع الاتحاد الاروبي وذالك في صيف سنة 2021 فقط  . للتذكير تعد اٍسبانيا الشريك التجاري الاول للمغرب عى الصعيد الاروبي  . 

وما زاد الطين بلة ، هو ضبابية الموقف الاسباني بخصوص الاعتراف الامريكي بالصحراء المغربية ، واكتشاف جبل بركاني تابع للمياه الاقليمية المغربية غني بالمواد المعدنية المطلوبة في صناعات السيارات الكهربائية ، ولترطيب الاجواء قامت اٍسبانيا باقالة وزيرة الداخلية ، بل قدمتها الى العدالة الاسبانية في قضية دخول زعيم جبهة البوليزاريو بجواز سفر مزور الى اٍسبانيا . 

خلاصة  

ربح المغرب الصحراء من خلال الاعتراف الامريكي الذي يتوجس من التوسع الصيني في افريقيا ، و فجر غضبا  في الجزائر التي تتسلح تحسبا لحرب مرتقبة ، وجعل الخلاف يحتدم  بين دول الاتحاد الاروبي من جهة والولايات المتحدة الامريكية من جهة ثانية بشكل خفي  . 

محمد بونوار  

كاتب مغربي مقيم بالمانيا  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube