أخبار العرب

التسامح الاجتماعي هل يصنع فرقا ؟

كتبت من الخرطوم /أميرة السقا

كثر الحديث في الاونة الأخيرة عن التحول الديموقراطي الذي حدث في جنوب أفريقيا منتصف التسعينات ومقارنته بما يحدث في السودان ، ويظن البعض أنه بالإمكان محاكاة التجربة دون النظر الى حيثياتها ،من حيث الواقع الذي نشأت فيه حركة المقاومة الجنوب أفريقية والذي يختلف تماما عن واقع السودان وحركة مقاومته لاحقاََ ،ولا يصلح النموذج في رأيي للتقليد أو المحاكاة في السودان أو في مناطق أخرى من أفريقيا ، يمكن إستلهام عبر ولكن لا يمكن قص النموذج ولصقه حتى بتعديلات.
دراسة الواقع الذي تنشأ فيه التجارب بعمق مهم لتأسيس حركات مقاومة ناجحة تستمر ولها القدرة على تطوير ذاتها وتعديلها متى ما تطلب الأمر ذلك ، وكلما كان الواقع مدروس بعناية وكانت الفكرة أصيلة وليست مقلدة او محاكاة يمكن لها تحقيق مقاصدها .
الواقع في جنوب أفريقيا كان كالآتي :
1/ الإستعباد ،فالاقلية البيضاء الأفريقية (تحديداًَ ) إستعبدت الأكثرية السوداء الأفريقية والذين كانوا بمثابة الطبقة المنبوذة حقيقةََ، والتى ليس لها تصنيف اصلاََ ولم يكن هنالك تفريق بين القبائل لأنهم أي السود أنفسهم كان يمارسون نوع من الطبقية على مجتمعاتهم ونوع من العنصرية المضادة ويقسمون أنفسهم بين أسياد بلد طبقة اولى (لها حق الحكم والسيادة على بقية السود الآخرين ) ويمكن مقاربتها بتجربة ناريخ واقع السود في امريكا.
2/الإقتصاد،فمعظم الأرض بما فيها ومن فيها تقريباََ كانت وما تزال مملوكة للأقلية البيضاء , وحتى بعد الديموقراطية ما تزال المشاريع الكبيرة مملوكة للآفريكانز (الأفارقة البيض ) بدون منافسة رغم ظهور طبقات سوداء تملكت وإغتنت بعد ذلك ، بفعل التمكين المضاد الذي مورس على الأقلية البيضاء بعد الديمقراطية.
3/ الحكم ؛أقلية بيضاء من عنصر واحد هم الآفريكانز كانوا حوالى 4 مليون رغم وجود بيض اخرين مثل الالمان والبريطانيين لكن ال 4مليون حكموا 20 مليون من البشر فيهم السود والملونين من عرقيات اخرى والإندو (هنود وغيرهم ).
و رغم واقع الابارتهيد المرير إلا إن أكثر شئ حرك الجموع البشرية للمقاومة هو (الإستعباد البشري واللا إنساني الذي كان يتعامل به الآفركانز مع السود لذلك عندما نمت حركت المقاومة كانت عنيفة في بعض تكتيكاتها لكنها تحولت بعد ذلك خاصة بعد دخول مانديلا للسجن وإلتفت حول هدف كبير محوره (الفكرة العميقة للسلام ) وهي الفلسفة الخاصة ب ماديبا او الرجل الكبير مانديلا فقد قضى سنوات شبابه الجميل في السجن وتحت الاقامة الجبرية أثناء فترة التفاوض التى أتى بعدها التغيير.تغير (تكتيك) المقاومة لهدف (إستراتيجي) وهو السلام المجتمعي الدائم وليس المؤقت ،ونجح في تجميع و قيادة الجموع الكبيرة من داخل سجنه وآمنت بفلسفته حتى الأقلية البيضاء لأنه كان صادقاََ وواضحاََ ومتجردا ، فقاد المفاوضات الطويلة جداََ نحو هدف السلام لكل البشر في جنوب أفريقيا بدون ( إقصاء) فكانت عبقرية ( الإعتذار والمصالحة )، التى بدأها بنفسه وتنازل عن حقه الشخصي في سبيل بناء وطن.
مانديلا قاد جنوب أفريقيا كزعيم (Cheif) أفريقي استدعى كل مخزون الحكمة والتسامي لديه فصدقه الناس ولم ينقص ذلك من قدره كرجل قانون ومحامي ضليع ، حتى الأفارقة البيض أجمعوا عليه لأنه لم يقصى أحد ،ولم يسعى للثأر، كل تجمعات الأفارقة السود كانت تأتمر بما يوجه اليه لأنهم إجتمعوا عليه بفكرة (الزعامة) والتسليم . ومن لم يسلم منهم سقط لخيانته (ملحمة العبور العظيم) بقيادته.
شئ آخر أعتقد أنه مهم وصنع فرقاََ وهو واقع الإعتقاد الديني ،جنوب أفريقيا بلد متدينة ، السود كانوا في الكنائس يتضرعون للرب ويستدعون كل مخزون التسامح لديهم، والبيض كانوا في الكنائس أيضا فهل خلق ذلك بيئة مواتية ؟!
ولكن جنوب أفريقيا بلد مختلف ودراسة الواقع بتأني تظهر إختلافات واقعها الذي أفرز تجربتها وفي إعتقادي أنه لا يشبه في أي شئ واقع السودان ولكن بالنقاش والمقاربات يمكن تطوير التجربة لتخدم أغراض الإستقرار بعيد المدى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube