فضاء الخبراءمستجدات

الألعاب الأولمبية في زمن كورونا

انخفاض للبصمة الكربونية لدورة طوكيو 2020 وطموح أخضر لدورة باريس 2024

المهندس محمد بنعبو: خبير في المناخ و التنمية المستدامة.

منذ دورة سيدني 2000 والولايات المتحدة الأمريكية تتصدر رفقة الصين لائحة الدول المتوجة بأكبر عدد من الميداليات الذهبية، فباستثناء دورة بكين 2008 التي تصدرت فيعا الصين بعدد كبير من الميداليات منها 48 ميدالية ذهبية تحصل عليها الابطال الصينيون، وفي كل دورة العاب أولمبية ترافق الصين والولايات المتحدة في جدول الميداليات المحصلة عند نهاية الالعاب كل مرة إحدى الدول الاوروبية: ألمانيا، بريطانيا، فرنسا إيطاليا أو روسيا، هذا في نفس الوقت الذي تحتل فيه نفس الدول الصين وأمريكا والاتحاد الاوروبي المراتب المتقدمة في حجم انبعاثات الغازات الدفيئة عير العالم حيث بلغت عام 2019 انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية إلى 34.1 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي وهو رقم قياسي من المرجح أن يتم تجاوزه بسرعة لأن مسارات التنبؤ لا تتوقع أي انخفاض، وبالتالي فإن الدول الأكثر كثافة سكانية وصناعية هي التي تظهر في قمة ترتيب الدول الأكثر تلويثا في العالم وبالتالي فإن البلدان الثلاثة التي لديها أكبر معدلات انبعاث لثاني أوكسيد الكربون تبقى هي الصين مع 9.8 مليون طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بشكل كبير بسبب تصدير السلع الاستهلاكية واعتمادها الشديد على الفحم، تليها الولايات المتحدة مع 4.9 مليون طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ثم دولة الهند مع انبعاثات 2.4 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، بينما يمكننا أن نرى أن ألمانيا هي إلى حد بعيد الدولة الأوروبية الوحيدة التي ينبعث منها أكبر قدر من ثاني أوكسيد الكربون بسبب اعتمادها الشديد على الفحم وبالتالي فإن ربع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الصادرة عن الاتحاد الأوروبي تأتي من ألمانيا لوحدها فقط، بينما تبقى فرنسا خارج التصنيف لنهجها سبيل الطاقة النووية التي تمثل غالبية الطاقة في البلاد منذ عقود، وبالمناسبة فدورة الالعاب الأولمبية المقبلة سوف تحتضنها العاصمة الفرنسية باريس.
إذن كيف يمكن للرياضة أن تشارك في مكافحة تغير المناخ؟ وكيف تأخذ القضايا البيئية بعين الاعتبار عند تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى؟ وكيف ستكون أجواء الألعاب الأولمبية في أفق 2050 مع التزايد الخطير لحدة التغيرات المناخية؟ خصوصا وأن صيف 2021 يبقى خير نموذج من حيث الحرائق التي تواكب موجات الحرارة العالية التي همت جل أرجاء المعمور من كندا الى اليونان مرفوقة بفيضانات من الصين الى بنما والفلبين، ففي الوقت الذي تجرى فيه مسابقات الألعاب الأولمبية طوكيو 2020 في أجواء جد احترازية بسبب الظروف الصحية التي فرضتها جائحة كورونا، كانت بقاع أخرى تعيش على إيقاع حرائق الغابات التي لا تنتهي من تركيا الى ايطاليا فسردينيا إلى ذوبان أحجام تاريخية من الجليد في غرينلاند، كل هذه المؤشرات تضع الدورات المقبلة للالعاب الاولمبية في مواجهة رهان الاستدامة ومواجهة تحدي تغير المناخ، لكن ترى كيف ستمر مسابقات السباحة “في مقارنة بلاغية” في الوقت الذي يعرف فيه الكوكب الأزرق ارتفاع منسوب مياه البحر وحدة ظاهرة الفيضانات بينما يمكن أن يتحول كل حدث أولمبي إلى حدث سباحة عندما يتعلق الأمر بفقدان المنظومات الايكولوجية والموارد الطبيعة في ظل تغير المناخ لذا يجب علينا جميعا أن ندافع عن الكوكب قبل من أي وقت مضى.

الالعاب الاولمبية طوكيو2020وضعف انبعاثات الغازات الدفيئة

خفضت العاب طوكيو الاولمبية دورة 2020انبعاثاتها الملوثة بنسبة 12.5٪ عن طريق تجنب جلب متفرجين أجانب لأسباب صحية فرضتها جائحة كورونا، أولمبياد طوكيو التي أسدل عليها الستار في العاصمة اليابانية ليست مستثناة من البصمة الكربونية حتى في غياب المتفرجين فوفقا للبيانات التي أعلنها منظمو الألعاب الأولمبية يقول رئيس اللجنة الاولمبية اليابانية: “لقد كانت فرصة للتذكير بالتأثير الكربوني الهائل للألعاب وعلى نطاق أوسع للأحداث الرياضية الكبرى من خلال النظر في وسائل الحد من هذا التأثير دون التضحية بروح الرياضة”.

فقد كان الهدف من دورة ألعاب طوكيو هو تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 20٪ عن سابقاتها من أجل كمية انبعاثات متوقعة تقدر بنحو 2.7 مليون طن،ونظرا لعودة ظهور وباء كورنا في موجة جديدة في البلد المضيف عقدت الأحداث الأولمبية المختلفة أخيرا خلف أبواب مغلقة، وبالتالي فإن غياب المتفرجين الدوليين وبالتالي العديد من الرحلات الجوية الملوثة إلى طوكيو يشكل توفيرا بنسبة 12.5٪ من انبعاثات غازات الدفيئة أي340.000 طن من ثاني أكسيد الكربون أقل، حتى لو بدا الإجراء غير جذاب من وجهة نظر احتفالية وإنسانية فإن تقنين وجود مسافرين غير محليين يعد حلاً فعالا سيكون تحديد الحصص لكل بلد اعتمادا على المسافة من المدينة المنظمة أو اختيار المنظمين المستقبليين بناء على معيار المركزية الجغرافية أمرا مناسبا في المستقبل يؤكد رئيس اللجنة الأولمبية اليابانية، ومع ذلك يشدد الأخير على أن حركة المتفرجين الأجانب والانبعاثات التي يتسببون فيها بعد ذلك في الموقعليست أهم مصدر للتلوث فهناك أولا بناء البنيات التحتية سنوات قبل تنظيم الالعاب، ثم حركية الرياضيين. وفقا للأرقام فإن 63 ٪ من انبعاثات غازات الدفيئة في أولمبياد طوكيو ستأتي من بناء الملاعب، لذلك يوصي علماء البيانات بأن البناء المفرط للملاعب غير الصالحة للاستخدام بعد نهاية الألعاب سيظل محدودا مثلما يمكن وقف إنشاء شبكات النقل من نوع المترو على مدى سنوات عديدة، من جانبهمستختلف البصمة الكربونية للرياضيين وفقا لحجم الوفود والمسافة المقطوعة للوصول إلى طوكيو، وفي هذا الصدد كان من الممكن أن ينتج 613 رياضيا أمريكيا وحدهم انبعاث 900 طن من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بالاضافة إلى أن إرسال 325 حصانا إلى مسابقات الفروسية كان سيضخ 5000 طن إضافي من ثاني أوكسيد الكربون عن طريق الجو في حين أن رحلة الشعلة الأولمبية من اليونان إلى اليابان كلفت لوحدها3000 طن إضافية من ثاني أوكسيد الكربون، وبالمقارنة فإن تصنيع المزيد من الأسرة المصنوعة من الورق المقوى الخضراءللرياضيين كما يعتقد المنظمون اليابانيون سيشكل فقط انخفاضًا بنسبة 0.05٪ من انبعاثات غازات الدفيئة المتوقعة للألعاب.

في فرنسا وخلال الدورة الاولمبية المقبلة سيكون على الألعاب الأكثر مسؤولية في التاريخ بحكم أن باريس هي مهد اتفاق باريس التاريخي للمناخ، حيث ستسهر باريس 2024 أولا على أن تقلل الانبعاثات من النقل والبناء من خلال جلب الرياضيين بالقطار واستخدام المزيد من المباني القائمة والمواد منخفضة الكربون للمباني الجديدة أو تطوير بنية تحتية إيجابية لمدن جديدة، إن المساهمة الإيجابية للمناخالتي تعتمد عليها فرنسا لتعويض انبعاثاتها لن تكون كافية في رأي المنظمين: “يظل الحد من الانبعاثات أولويةقبل كل شيء، وللتذكير فق حددت العاصمة الفرنسية لنفسها هدفا طموحا يتمثل في أقل من النصف تقريبا من انبعاثات دورة اليابان هذا العام.

الألعاب أولمبية من طوكيو الى باريس

أسدل الستار على دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020 وأعطي موعد للأبطال في دورة باريس 2024، وقبلها سيلتقي أبطال عالميون في دورة الالعاب الشتوية في العاصمة الصينية بكين في فبراير 2022، لكن هل ستحترم الدورات المقبلة الصيفية منها والشتويةالطبيعة وتنزل أهداف اتفاق باريس للمناخ في ظل هذه الظروفالمناخية القاسية التي يعرفها العالم؟ فقد أصبح من اللازم أن يتحمل أكبر حدث رياضي في العالم مسؤولياته البيئية من خلال أن يصبح أول حدث رياضي دولي يساهم بشكل إيجابي في المناخ مع الرصانة والابتكار والجرأة كمبادئ توجيهية لتنظيم الألعاب الأولمبية المقبلة، فرنسا البلد المنظم وعمدة باريس يريدان أن يضربا المثال من خلال تنزيل اتفاق باريس بشان المناخعبر بذل الكثير من الجهود للتقليل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون خلال جميع أنشطة دورة باريس 2024 عبر التقليص من البصمة الكربونية للدورة المقبلة إلىالنصف مقارنة بالدورات السابقة: بكين، لندن و ريو البرازيلية.

وتعد دورة الألعاب الأولمبية التي يتابعهاملايير المشاهدين وتستقطب الملايين من الزوار والمتتبعين عن قربأكبر حدث رياضي في العالمبفضل الحماس الذي تثيره وفرصة تاريخية لعرضالمعرفة الوطنية ولتسريع التغيير والمبادرات الإيجابية،حيث يقدر معدل الزوار بـــــــ2.5 مليون في كل حدث رياضي يتم تنظيمه كل عام في فرنسا بينمااحتضنت فرنسا لوحدها حوالي55 مسابقة رياضية دولية على مدار العشرين عاما الماضية والتي تضعها على منصة الدول التي استضافت معظم الأحداث الرياضية على نطاق عالمي، حيث تتمتع فرنسا بالطموح والشرعية والامتياز كلها معايير تصنفدورة باريس 2024 بأن تصبح معيارا عالميا جديدا للأحداث الرياضية من حيث الاستدامة، ربما كان هذا هو سبب رغبة باريس 2024 في تنظيم دورة ألعاب بارزة ألعاب مفيدة ومبتكرة تهدف إلى التغيير البيئي والاجتماعي، وهذا هو التحدي الذي وضعته دورة باريس 2024 لنفسها من خلال الالتزام بالنظر في جميع المراحل الرئيسية للتحضير لتنظيم الألعاب في ضوء القضايا المناخية والبيئية: ألعاب محايدة من حيث الكربون والاستخدام النقل المستدام والنظيف والصديق للبيئة للأسرة الأولمبية تحديمائة بالمائة كهرباء مصدرها طاقة نظيفة ومتجددة خلال الألعاب مع تشجيع المتفرجين على استخدام وسائل النقل العام المستدام عبر تقنية إصدار التذاكر إلى جانب تذكرة النقل العام، مع توفير الغذاء المستدام للأسرة الأولمبية والمتفرجين وبالتالي ضرورة تكييف البنيات التحتية للعاصمة باريس مع تحدي تغير المناخ، إذن دورة باريس 2024 بهذا الطموح ترغب في اغتنام فرصة هذا الموعد الرياضي العالمي لإعطاء دفعة إضافية للديناميكيات الموجودة بالفعل في أفق تفعيل اتفاق باريس التاريخي لأن المبادرات موجودة ويتم تعبئة الرياضة في هذا الاطار من خلال تسطير ميثاق يتضمن خمسة عشر التزاما مسؤولاعن البيئة طموح جعل العديد من المانحين والممولين والداعمين ومديري الشركات والمقاولات الكبرى تبحثوبطموح مشترك عن علامة الجودة الخضراء بدعمها لجميع الأنشطة الرياضية والبيئية بمناسبة انعقاد دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024 مقتنعين بأن الرياضة تشكل رافعة قوية لمواجهة التحديات البيئية لعصرنا ولاسيما بفضل قدرتها غير العادية على التأثير على الممارسين والمواطنين والمستهلكين وعلى صناع القرار السياسي والفاعلين الاقتصاديين.

بالطبع لن يتأتى تحقيق هذا السيناريو من دون دعم مشروع الانتقال الايكولوجي للرياضة الذي سيعزز النهج الحالي ويخرج أساليب جديدة الى حيز الوجود عبر سهر المنظمين والداعمين للأنشطة الرياضية على مراعاة البعد البيئي في كل مرحلة من مراحل تنظيم الأحداث الرياضية مع تشجيع المتفرجين على الصعيد الوطني على تبني سلوكيات مسؤولة اتجاه البيئة، لذا فانطلاقا من اليومفإن منظمي الأنشطة الرياضية ومديري المرافق الرياضية والمانحونوالممولون والرياضيون والمتفرجون كل يتحمل كل من هؤلاء الفاعلين والمتدخلين نصيبا من المسؤولية البيئية لأي حدث رياضي، لذلك أصبح من الضروري الارتباط وإشراك النظام البيئي للأحداث الرياضية بالكامل لجعل الأحداث الرياضية مستدامة، ويؤكد طوني إستانجيت رئيس دورة الالعاب الاولمبية باريس 2024: “لقد وضعنا طموحات بيئية قوية منذلحطة تقديم ملف الترشيح بحيث تترك دورة باريس 2024 إرثا للسكان ولكن دون ديون بيئية على كوكب الأرض، اليوم نحن ندرك أنه للمضي قدما ويجب على جميع الفاعلين والمتدخلين في القطاع الرياضي التعبئة لإنجاح هذا الطموح البيئي للدورةلذا فنحن ملتزمون بضمان وجود العديد من الفرص لوضع الرياضة في خدمة الكوكب.

دورة الألعاب الأولمبية الشتوية سوتشي2014 ومدى الالتزام بالتعهدات الخضراء

أفرز تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي التي أقيمت في الفترة من 7 إلى 23 فبراير 2014مشروعا ضخما كلف 37 مليار يورو مرفوقا بفاتورة بيئية باهظة تناهز 360.000 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، هذه هي البصمة الكربونية المباشرة لأولمبياد سوتشي التي حسبها مجموعة من الخبراء الروس والدوليين وكانت روسيا قد تعهدت في طلبها بتقليل البصمة الكربونية المرتبطة بالاستعدادات وتشغيل الألعاب، فحسب المنظمين فقد تم الحفاظ على الالتزام يوم حفل الافتتاح فقط بفضل تقنيات كفاءة الطاقة العالية المطبقة في جميع أنحاء البلاد في مجالات مثل البنية التحتية والصناعة والزراعة حيث تم تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بأكثر من 500 ألف طن منذ شهر مارس 2013 أي عام قبل تنظيم التظاهرة وهو ما يتجاوز بالفعل الأهداف وبالتالي فإن هذا الانخفاض في الانبعاثات سيغطي البصمة المباشرة للألعاب ولكن أيضا الانبعاثات المتعلقة بسفر المتفرجين وممثلي وسائل الإعلام، ولتحقيق ذلك، تم استبدال بعض معدات النقل بمعدات أنظفوتم اتخاذ إجراءات لتقليل الاختناقات المرورية وتم الاهتمام بأداء المباني وتم تحديث شبكة الصرف الصحي،نحن فخورون بأن نعلن أننا قد حققنا أحد أهدافنا الرئيسية: تنظيم الألعاب مع الحد الأدنى من التأثير على البيئةيتفاخر رئيس اللجنة الاولمبية الروسية دميتري تشيرنيشينكو.

في مقابل التصريحات الرسمية للجنة المنظمة تمت إساءة معاملة النشطاء البيئيون مع اقتراب افتتاح الألعاب حيث تصاعدت التوترات مع نشطاء البيئة نظرا للصورة التي رسمتها جمعيات الدفاع عن البيئة فهناك هكتارات من الغابات دمرت وتحويل مجرى نهر مزيمتا وتلوث الماء ةاختفاء سمك السلمون وانقراض الطيور المهاجرة، كل هذه الملاحظات أخذت بعين الاعتبار ولقد تم بالفعل تصحيح المسودة الأولية لتأخذ في الاعتبار التحذيرات العديدة من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ولكن هل كان هذا كافيا؟ تقول بنوي إحدى الناشطات البيئيات: “إننيجد راضية، فالتخلي عن مسار الزلاجة و تنفيذ مشروع القرية الأولمبية في محمية طبيعية ثم إنشاء حديقة طيور وإعادة توطين حيوان النمر الفارسي كلها التزامات حول محمية المحيط الحيوي في القوقاز جعلت من الممكن تخضير المشروع، لكن تحويل منتجع صغير على شاطئ البحر يقع في حديقة طبيعية إلى موقع مضيف للألعاب الشتوية ليس بالضرورة محايدا بالنسبة للبيئة، على وجه الخصوص كان من الضروري بناء 77 جسرا في وقت قياسي وحفر اثني عشر نفقا وإنشاء أربعة منتجعات للتزلج، وتزويدهم بأطنان من الثلج الاصطناعي وفي المجموع كان من الممكن بناء أكثر من 367.3 كيلومترا من الطرق والجسور وكذلك 201 كم من السكك الحديدية حيث أصبحت مدينة سوتشي قبيل تنظيم الالعاب الشتوية يعبرها طريق سريع مكون من أربعة حارات يربطها على بعد حوالي 16 كم من المطار، كما تم إنشاء طريق دائري، ناهيك عن المباني العديدة التي تم تشييدها لاستيعاب 100 ألف زائر للألعاب الاولمبية الشتوية، كل هذه البنيات التحتية أدت حتما إلى إعدام المساحات الطبيعية موطن أعداد كبيرة من التنوع البيولوجي.

تكلفة بيئية باهضة لدورة الألعاب الاولمبية

فبينما يبحث الرياضيون عن الهواء النقي والطبيعة للتدريب من المفارقات أن الرياضة والبيئة لا تختلط جيدا دائما لاسيما عندما يتعلق الأمر بالأحداث الرياضية الكبرى على الكوكب التي تحرك الرياضيين والصحفيين والزوار غالبا عن طريق الجو وتستهلك كميات هائلة من الموارد الطبيعية، وتبقى الألعاب الأولمبية مصدرا للعديد من الرياضات الجديدة أو مرافق الإقامة أو البنيات التحتية للنقلوهكذا فإن التاريخ البيئي للألعاب الأولمبية حافل بالإخفاقات المدوية دورات مونتريال أو موسكو أو خير نموذج على ذلك، وأحيانا مع نتائج أكثر إيجابية قليلا نموذج دورات لوس أنجلوس برشلونة وسيدني بينما تبقى دورة لندن 2012دورة نموذجية بكل المعايير لذا أصبحت الألعاب الأولمبية مرادفة لتحدي مزدوج جعل حاملي الألعاب إرثا إيجابيا للمدينة المحتضنة للألعاب والأنشطة الرياضية من خلال وضع استعدادهم في ديناميكية انتقال بيئي للمدينة المضيفة وإعادة ربط الرياضة والبيئة الربط الايجابي في أفق تحدي تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، أما فيما يتعلق باحترام الالتزامات التي تعهدت بها باريس خلال ترشيحها لاحتضان دورة الألعاب الأولمبية أن تكون الألعاب متوافقة مع اتفاقية باريس بشأن المناخ عبر تقليل البصمة الكربونية بشكل كبير حوالي حيث يبلغ الطموح تحقيق خفض 55٪ من البصمة الكربونية لدورةباريس 2024 مقارنة بدورة لندن 2012 وريو 2016، العاصمة باريس بصفتها محتضنة أشغال قمة باريس للمناخCOP21حيث منذ سنة 2015أصبحت باريس رمزا لمكافحة تغير المناخ، ومنذ ذلك الحين بدا من الضروري أن لا يقتصر ملف ترشيح دورة باريس لألعاب 2024 على اقتراح الألعاب الرياضية فقط بل ان تتماشى الألعاب مع أهداف اتفاقية باريس، هذا الاحترام لاتفاقية باريس يفترض أن تقترح دورة باريس 2024 استراتيجية للحد بشكل كبير من انبعاثاتها مقارنة بالإصدارات السابقة للألعاب ولضمان حيادية الكربون من خلال تعويض انبعاثاتها عبر تبني معايير البناء الجديدة عبر اختيار المواد الصديقة للبيئة بالإضافة إلى معايير الحياد الطاقي، ونشر الطاقات المتجددة للألعاب بنسبة 100٪ ومنح الأولوية لأنماط التنقل الصديق للبيئة من دراجات هوائية والمشي للسفر إلى باريس بالاضافة الى طموح إزالة الكربونمن أسطول النقل العمومي والعمل على تقديم الطعام المستدام للحد من البصمة الكربونية لأطباق أسرة القرية الأولمبية والاستجابة للقضايا الصحية مثل تلك المتعلقة بالانتقال الزراعي وتعزيز التنوع البيولوجي في المدينة وما إلى ذلك فالقائمة طويلة حيث هناك أزيد منثمانين مقترح عمل ملموس يسمح لدورة باريس 2024 أن تضمن خفض انبعاثاتها بنسبة 55٪ مقارنة بتلك الموجودة في لندن 2012، هذا مع الاقتناع التام للمنظمين بكون دورة باريس 2024 ستكون قادرة على ترك إرث إيجابي في المنطقة من خلال التأثير الإيجابي على تنميتها على المدى الطويل، وبالتالي ستكون الألعاب التي سيشهدها 14000 رياضي أولمبي وحوالي 3 ملايين متفرج و أربعة مليار مشاهد سنكون لها جميع الفرص لتجربة الانتقال الايكولوجي لدورات الألعاب الاولمبية، لمواجهة تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يجب أن نخلق موجة من الإجراءات والمبادرات حول حماية البيئة، يجب أن نتأكد من أن الالتزام البيئي لأي منظمة يصبح مؤشرا أساسيا للأداء، ويمكن للرياضة من خلال قوتها في التأثير وقدرتها على تحفيز الديناميكيات والموارد أن تساعدنا في خلق هذا الزخمتؤكد إيزابيل أوتيسييه الرئيسة الفخرية للصندوق العالمي للطبيعة فرنسا.

وتدعو دورة العاب 2024 إلى رؤية أكبر وأبعد ، نريد المساهمة في مكافحة تغير المناخ من خلال دعم مشاريع المساهمة في المناخ لتعويض انبعاثات أكثر مما ستولده الألعاب ومن خلال مشاركة أدواتنا وطريقتنا للمساعدة في تسريع التحول البيئي في الرياضة والأحداث الكبرى قبل وبعد عام 2024.

مقارنة بالدورة الحالية التي أسدل عليها الستار في عاصمة اليابان طوكيو 2020، تبقى تقديرات انبعاثات الكربون التي صدرت خلال الألعاب الصيفية السابقة حوالي 3.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في المتوسط ​​واعتبرت باريس 2024 نقطة البداية هذه ثم حددت السبل الرئيسية للتجنب والحد، حيث تم تحديد هدف 1.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون فقط كانبعاثات لدورة باريس 2024 وهذه هي الانبعاثات “المتبقية” التي لا يمكن تجنبها والتي سيتم تعويضها بل وأكثر من ذلك من أجل مساهمة إيجابية في المناخ حيث ولأول مرة يتم التفكير في طريقة منبع ومتكاملة في الاستراتيجية والعمل عبر نهج التجنب التقليل ثم التعويض للسيطرة على تأثير هذه الانبعاثات الكربوينة بالإضافة إلى توقع الانبعاثات والتعبئة بفضل قوة جذب الألعاب، ومن أجل تحقيق التوقع الجيد جهزت دورة باريس 2024 نفسها بأداة غير مسبوقة لتقدير تأثير الكربون لإدارة خياراتها الآن وطوال دورة التحضير لتنظيم الألعاب وتجنب بفضل المفهوم التخريبي عبر الاعتماد على 95٪ من البنيات التحتية القائمة أو المؤقتة وضمان اختيار المواقع التي يمكن الوصول إليها بواسطة وسائل النقل العام عبر التقليل كذلك من خلال التحديد الدقيق لمصادر الانبعاثات والضغط من أجل حلول منخفضة الكربون لكل نشاط، وبهذا أطلقت باريس 2024 على سبيل المثال بالتزامن مع برنامج الاستثمارات المستقبلية ، دعوة لمشاريع لإيجاد حلول بديلة للمولدات الكهربائية التي تشتغل بالوقود الأحفوري، كما تطمح دورة 2024 الى التعويض من خلال الاحتفاظ بالنطاق الأوسع الذي يراعي أيضا التأثيرات غير المباشرة: أي شيء لا يمكن تجنبه على سبيل المثال حركة المتفرجين سيتم تعويضها من خلال مشاريع ذات فوائد مزدوجة بيئية واجتماعية، موزعة على خمس قارات،حيث بدأ تنفيذ المشاريع الأولى اعتبارا من هذا العام وبالتالي ستدعم دورة باريس 2024 ظهور وتطوير مشاريع إيجابية للمناخ في فرنسا حيث لا تزال هذه المشاريع نادرة، ولن يتأتى هذا إلا بحشد الموظفين والحركة الرياضية والشركاء والمواطنين، باستخدام الرياضة كأداة قوية لتسريع التحول البيئي كما تطمح دورة باريس 2024 أن يلتزم شركاءها التجاريين ومورديها بتطبيق معايير الاستدامة والحد من تأثير الكربون على 100٪ من مشتريات الألعاب كجزء من إستراتيجية الاقتناء المسؤولة.

من باريس إلى غلاسكاو طموح مناخي لا ينتهي COP26 قمة الأمل الأخير

يؤكد العديد من الباحثين إن الطموح لاحتواء ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية في أفق 2100المتفق عليه في اتفاقية باريس يبقى بعيد المنال بالفعل، وتتوافق هذه العتبة مع الهدف الأكثر طموحا الذي حددته اتفاقية باريس للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري مقارنة بعصر ما قبل الصناعة والتي تأمل الرئاسة البريطانية لمؤتمر الأطراف في نسخته السادسة والعشرون والمقرر عقده في شهر نونبر المقبل في غلاسكو في الحفاظ عليها، في الوقت الذي يعاني فيه الكوكب بالفعل من حرارة شديدة ناتجة عن ارتفاع درجة حرارة 1.1إلى 1.2 درجة مئوية بينماإذا أضفنا 0.3 درجة مئوية أخرىفإن موجات الحرارة ستصبح أكثر وأكثر حدة حيث من المحتمل أن نشهد 40 درجة مئوية في المملكة المتحدة على الرغم من أننا لم نشهد درجات حرارة كهذه من قبل، حيث تبقى أعلى درجة حرارة تم تسجيلها على الإطلاق في المملكة المتحدة هي 38.7 درجة مئوية وهو رقم قياسي تم تسجيله في 25 يوليو 2019 في كامبريدج حيث سيفعل الوصول إلى عتبة 1.5درجة مئوية من الاحتباس الحراري الحصول على40 درجة مئوية في الصيف في المملكة المتحدة بصفة منتظمة على اعتبار أن عام 2020 يعد ثالث أحر عام منذ العصر الصناعي، في حين تبقى قمة المناخ المقبلة الفرصة الأخيرة لتقليل الضررالناجم عن تغير المناخ والأمل الأخير في تفادي أسوأ العواقب في الوقت الذي يتغير فيها الكوكب بطريقة يصعب التنبؤ بها: فيضانات لندن، ألمانيا، سويرا بلجيكا النمسا الصين حيث سيتعين على الدول الأطراف في الاتفاقية الإطار للتغيرات المناخية الآن إدارة المياه بكفاءة مع تكييف البنيات التحتية للبلدان من خلال بناء السدود والجدران والحواجز .

صيف2021و الكوارث الطبيعية المتتالية

بعد الفيضانات أعقبت الحرائق ولم ينج سوى عدد قليل من البلدان بسبب الاحتباس الحراري الذي يفضي إلى الجفاف وتحطيم درجات الحرارة الاستثنائية بينما أجهزت الحرائق هذا الصيف على الأخضر واليابس أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وسيبيريا، حيث احترق أكثر من مليون ونصف المليون هكتار منذ بداية العام في شمال غرب روسيا بينما في السنوات الأخيرة واجهت مناطق كبيرة من روسيا موجات حر وجفاف ناجمة عن تغير المناخ مع تحطيم العديد من سجلات درجات الحرارة في موسكو وأماكن أخرى بينما دمر حريق في فنلندا 300 هكتار في خمسة أيام في واد في شمال غرب البلاد، حيث لم يسمع به منذ 50 عامابعد بداية الصيف الحارة بشكل غير عادي في الدولة الاسكندنافية، في حين لا يزال الحريق صغيرا نسبيا مقارنة بالحرائق الهائلة التي اجتاحت سيبيريا أو كندا هذا الصيف فإن الحريق يبقى الأكبر في فنلندا منذ اندلاع حريق في عام 1971 الذي أجهز على مساحة 1600 هكتار“.

إن الفيضانات التي اجتاحت وسط الصين في الآونة الأخيرة أودت بحياة أكثر من 300 شخص بينما تم تدمير أكثر من 2500 كيلومتر مربع من المحاصيل في حين تم إجلاء حوالي 1.5 مليون شخص بسبب الأمطار والفيضانات، في الوقت الذي يؤكد فيه علماء المناخ أن الصيف الشمالي تميز بكوارث طبيعية متتالية ربما تفاقمت شدتها وتواترها بسبب الاحتباس الحراري بعدما وقع غرب كندا تحت القبة الحراريةناجمة عن ضغوط عالية تحبس الهواء الساخن نهاية شهر يونيو الماضي، حطمت البلاد أعلى مستوياتها على الإطلاق عدة مرات والتي بلغت أخيرا 49.6 درجة مئوية في قرية ليتون في 30 يونيو2021كما تأثرت ولايتا واشنطن وأوريغونا الأمريكيتان حيث كانت هذه الموجة الحارة شبه مستحيلةلولا الاحتباس الحراري الذي يسببه البشر ووفقا للعلماء فإن تغير المناخ جعل هذا الحدث أكثر احتمالا بما لا يقل عن 150 مرة، بينما في شهر يوليوز ضربت موجة حر ثانية غرب الولايات المتحدة وكندابلغت معها درجة حرارة مدينة لاس فيغاس أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 47.2 درجة مئوية، هذا في الوقت الذي تمر فيه اليونان بموجة حر شديدة تعتبر أسوأ موجة حر منذ 1987 ارتفع فيها المحرار إلى 43 درجة مئوية في أثينا يوم 2 غشت الماضي، بينما أودت فيضانات غزيرة 224بحياة شخصا على الأقل في ألمانيا وبلجيكا، فجأة ترتفع الأنهار من أسرتهم تحت تأثير الأمطار الغزيرة، وتغزو عشرات المناطق المأهولة بالسكان، كما تسبب الفيضانات في أضرار في لوكسمبورغ وهولندا وسويسرا حيث بلغ معدل هطول الأمطار خلال يومين ما يعادل شهرين من الأمطار لكن مثل هذه الأحداث المتطرفة أصبحتأكثر تكرارا وأكثر احتمالا بسبب ارتفاع درجة الحرارة بينما في الصين تساقطت في غضون ثلاثة أيام ما يعادل عام تقريبا من هطول الأمطار في مدينة تشنغتشو وهو أمر غير مسبوق خلال ستة عقود من سجلات الطقس بينما أودت الأمطار الموسمية الغزيرة في الهند بحياة أكثر من 230 شخصا نتيجة للفيضانات والانهيارات الأرضية في النصف الثاني من شهر يوليوز الماضي في الوقت الذي يعتقد فيه الخبراء أن شدة وتواتر الأمطار الموسمية السنوية في الهند ستتزايد في أفق شهر شتنبر المقبل بسبب تغير المناخ، وبينما بسبب الجفاف والحرارة اجتاحت الحرائق غرب كندا والولايات المتحدة لاسيما كاليفورنيا حيث دمرت النيران بالفعل ثلاثة أضعاف الغطاء النباتي هذا العام مقارنة بعام 2020.

الاحترار العالمي والسرعة النهائية

قد يكون الاحترار العالمي واقعا بيننا بالفعل، إلا أن الاحترارالهائل المتوقع حدوثه خلال القرن الحادي والعشرين سيؤدي إلى حدوث تغيرات ضخمة في معدلات التبخر والترسب مصحوبة بمزيد من التغير غير المتوقع في الدورةالهيدرولوجية، كل هذا قد سيؤدي الارتفاع في درجات حرارة الجو إلى زيادة معدلات تبخير مياه المحيطات في العالم، مما سيتسبب بدوره في زيادة كثافة دورة المياه كما يعني هذا الارتفاع ازدياد سرعة تبخير المياه من اليابسة وبالتالي وصول كميةأقل من مياه الأمطار إلى الأنهار، ومن المتوقع أن تأتي هذه التغيرات مصحوبة بأنماط جديدة لسقوط الأمطار وأحداث طقس أكثر تطرفا بما في ذلك الفيضانات وحالات الجفاف، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي تعنيه هذه التغيرات بالنسبة لأمن المياه والتنمية البشرية في بلدان العالم الأكثر فقرا؟ في أي بلد من بلدان العالم، قد تطرأ العديد من التحولات على الدورات الهيدرولوجية المرتبطة بالأوضاع المناخية لمناطق محدودة، كما يشير بعض أخصائيي العلوم المائية إلى إمكانية وقوع “أحداث جسام” نتيجة لما يأتيبه التغير المناخي من دورات تغير جديدة أقل توقعا، فعلى سبيل المثال، قد يتسبب تسارع معدل ذوبان الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي إلى وقوع سلسلة من الأحداث المرتبطة بالدورة الهيدرولوجية والتي لا يمكن التنبؤ بها، بيد أن ما يمكن التكهن به هو زيادة حدة الإجهاد المائي على نطاق واسع بالنسبة لمجموعة كبيرة من البلدان، وقد تم رصد إحدى النتائج الممكنة استنادا إلى سيناريوهات التطور التي وضعها الفريق الدولي المعني بتغير المناخ في توقعات توفر المياه لعام 2050، هذا وعلى الرغم من صعوبة استقراء الآثار المحددة لتوفرالمياه على السبل المعيشية، إلا أنه يمكن الخروج بثلاثةاستنتاجات أساسية:الأولى هو أن الإنتاج الزراعي المروي بماء المطر، والذي يمثل سبيل المعيشة بالنسبة لمعظم الشعوب الأشد فقرا في العالم، يواجه مخاطر جسيمة في العديد من المناطق فعلى سبيل المثال تشير الدراسات التي تحاكي أثر التغير المناخي على الإنتاج الزراعي في البرازيل إلى تراجع غلة المحاصيل بنسبة 12-%55 %في المناطق الجافة بولايتي سيرا وريو اللتين تعانيان من تركز حاد لمعدلات الفقر وسوء التغذية بالمناطق الريفية، أما الاستنتاج الثاني فهو حجم التعرض للضرر وانعدام الأمن المائي فالإنتاجية الزراعية، لاسيما في الإنتاج الزراعي المروي بماء المطر، تتأثر بتوقيت التدفقات المائيةوحجم المياه على ٍحد سواء. وتشير إحدى النتائج البارزةالتي تم التوصل إليها عبر سلسلة من عمليات المحاكاةللأوضاع المستقبلية إلى أن التدفقات المائية ستصبح أكثرتفاوتًا مع عدم القدرة على التنبؤ بمواعيدها. كما ستزداد الظروف المناخية تطرفًا وستأتي في صورة موجات من الجفاف والفيضانات، لتتفاقم المخاطر التي تتهدد شعوب البلدان ذات الهياكل الأساسية التي تعجز عن دعم القدرةعلى التكيف مع هذه الظروف، أما الاستنتاج الثالث الذي يقدمه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ فيتلخص في أن إنتاجية الحبوب سوف تشهد طفرة في البلدان المتقدمة مع تراجعها في العديد من البلدان النامية. وهنا أيضا يتضح أن تأثير الاعتماد المتزايدعلى واردات الأغذية تصاحبه آثار عكسية على الأمن الغذائي في العديد من البلدان.

اتفاقية إطار لتغير المناخ وقمة ريو التاريخية

في عام 1992 تمخض مؤتمر قمةالأرض الذي عقد بمدينةريو دي جانيرو عن عقد اتفاقية إطارية حول تغير المناخ،وإرساء المبدأ الداعي إلى تثبيت نسبة الغازات المنبعثة من ظاهرة البيوت الزجاجية عند مستويات تحول دون تأثيرالإنسان على المناخ، وقد تم تشجيع البلدان المتقدمة على بذل كافة الجهود الممكنة لتثبيت نسبة انبعاثات الغازات عند المستويات المسجلة في عام 1990 وذلك بحلول عام2000، كما اعتمدت هذه المعاهدة أيضا نهجا وقائيامحذرةمن أنه: “في حالة وجود مخاطر بحدوث أضرار بالغة ولايمكن علاجها فلا ينبغي أن يكون الافتقار إلى الدليل العلمي القاطع ذريعة لتأجيل اتخاذ إجراء بشأنها، لقد كان هذا التحذير من أخطر ما تم تجاهله من تحذيرات، فتغيرات المناخ الآن تمثل تهديدا يمكن وصفه بأنه غير مسبوق بالنسبة للتنمية البشرية، وسيتفشى جانبكبير من هذا التهديد من خلال تحولات في الدورات الهيدرولوجية والأنماط الثابتة لسقوط الأمطار إلى جانب تأثير ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض على معدلات تبخير المياه، بينما سيتمثل الأثر الكلي لهذا التهديد في تفاقم المخاطر وحجم التعرض للضرر، بما يفرضه من تهديدعلى سبل المعيشة والصحة والأمن للملايين من البشر، وتشير النماذج المناخية إلى مجموعة معقدة منالنتائج المتوقعة إثر تغير المناخ.

وبعيدا عن التعقيد، هناك موضوعان يطرحان بشكل متكرر، أولهما أن المناطق الجافة في العالم ستصبح أكثر جفافا كما أن المناطقالمطيرة ستصبح أكثر مطرا، مع ما سيترتب علي ذلك منتبعات هامة بالنسبة لتوزيع الإنتاج الزراعي، والثاني هومزيد من عدم القدرة على التنبؤ بأنماط التدفقات المائية،نتيجة لأحداث الطقس المتطرفة والتي تقع بوتيرة متزايدة.وبالرغم من تباين النتائج المترتبة على هذا الوضع منإقليم لآخر وداخل البلدان ذاتها، إلا أن هناك بعض التبعات الرئيسية التي يمكن التنبؤ بها حيث ستتحمل أعمال التنمية الزراعية والريفية وطأةمخاطر التغيرات المناخية، تأتي أهمية هذه النقطةالأولى من حقيقة أن القطاع الريفي يمثل حوالي ثلاثةأرباع السكان الذين يعيشون على أقل من دولار واحدفي اليوم، وهم يمثلون ما بين الربع إلى ثلثي الدخل القومي الإجمالي في البلدان منخفضة الدخل، وفي بعض الأقاليم يمكن أن يؤدي انخفاض كمية المتوفرمن المياه مع تغير نمط سقوط الأمطار إلى تراجع الإيرادات بنحو الثلث تقريبا بحلول عام 2050الأمرالذي يهدد سبل معيشة ملايين البشر الذين يقطنون الأماكن الريفية، بينما ستتزايد معدلات الفقر المدقع وسوء التغذية نتيجةلتزايد انعدام الأمن المائي، لقد بذلت محاولات للوصول إلى تقييم للأثر الكمي لتغير المناخ على الأمن الغذائي والتغذية.

ولا مفر من هذه التوقعات المنذرة بسيناريو سوداوي حيث إن تغير المناخ، والذي يخضع هو نفسه لتباينات كبيرة، سوف يتفاعل مع العديد من المتغيرات والاتجاهات الأخرى، ومع هذا فإن علامات التحذير تبدو واضحة فيما يتمخض من نتائج عن النماذج الموضوعة للتنبؤ بما سيطرأ من تغيرات، وتشير هذه النماذج إلى أن تغير المناخ قد يؤدي إلى زيادة معدلات سوء التغذية في العالم بأسره بنحو 15 – 26 ،%وهوما سيزيد من عدد من يعانون من سوء التغذية إلى رقم يتراوح بين 75 – 125 مليون شخص بحلولعام 2080بيد أن المخاطر العامة للفقر ستؤثر على عدد من الأشخاص يتجاوز هذه الرقم وهنا تجدر الإشارة إلى أن الخسائر التي ستلم بالإنتاج الزراعي ستؤدي إلى آثار مضاعفة تمتد في جميع النظم الاقتصادية، لتنتقل عدوى الفقر من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، ستزيد أوضاع الطقس الأكثر تطرفا من المخاطر والأضرار، سيعمل تغير المناخ على تنشيط الرياح الموسمية الآسيوية وتأثير ظاهرة النينيو، الأمر الذي ستكون له تبعات على الإنتاج الزراعي، كما ستزداد إمكانية التعرض للجفاف بمرور الوقت، بينما سيؤدي تقلص الأنهار الجليدية وارتفاع مناسيب البحار إلى خلق مخاطر جديدة تهدد الأمن البشري، من شأن تراجع أحجام الأنهار الجليدية أن يخلق تهديدا بحدوث فيضانات على المدى القريب مع انخفاض شديد في معدلات توفر المياه على المدى البعيد في آسيا وأمريكا اللاتينية وبعض الأجزاء الشرقية من أفريقيا كما سيؤدي ارتفاع مناسيب البحار إلى انخفاض المتوفر من المياه العذبة، الأمر الذي سيؤثر على حياة الملايين الذين يعيشون في بلدان تنخفض عن مستوى سطح البحر ودلتا الأنهار بها، وبالنسبة للكتلة السكانية الضخمة التي تعيش في البلدان النامية، تحمل توقعات تغير المناخ نذر بانخفاض سقف الأمن لسبل معايشهم وتعاظم ما يتعرضون له من أضرار الجوع والفقر، لتزداد أوضاع الإنصاف الاجتماعي سوءا بالإضافة إلى التدهور البيئي، ذلك أن التغيرات المناخية على عكس موجات تسونامي أو الزلزال لا تعد مصيبة تنزل بالناس ثم يزول أثرها، بل هي كارثة تفصح عننفسها شيئا فشيئا وكلما ازداد الناس ضعفا استفحل أثر هذه الكارثة في حياتهم، ورغم أنه يمكن تخفيف مدى التغير المستقبلي في المناخ، إلا أننا في مرحلة اللاعودة، فليس هناك ثمة مفر من حدوث التغير الخطير في المناخ، وتحدد استجابة المجتمع الدولي لهذا التهديد آفاق التنمية البشرية للأجيال الحالية والقادمة، وتأتي على قمة الأولويات العاجلة تكملة إستراتيجيات من شأنها التخفيف من مخاطر تغير المناخ بأخرى تعزز من التكيف مع التغيرات الحتمية للمناخ.

تتولّد المخاطر المرتبطة بالمياه والهيدرولوجيا جراء التفاعلات المعقدة القائمة بين المحيطات والغلاف الجوي واليابسة، ومن المتوقع أن يتفاقم حدوث الفيضانات وحالات الجفاف بسبب الاحتباس الحراري، ويعزى تفاقم الآثار والخسائر المترتبة على المخاطر الهيدرولوجية إلى عوامل عديدة منها تسارع وتيرة وقوع هذه الكوارث وتفاقمها من حيث الحجم والمساحة والتوسع الحضري العشوائي، وتردي خدمات النظم الإيكولوجية، وهشاشة سبل العيش، وعدم توخي الدقة في تصور المخاطر حيث لا يزال مجال البحث يشهد فجوات هامة منها مثلا القصور في فهم العمليات الهيدرولوجية، والروابط بين الغلاف الجوي والغلاف الحيوي والمجتمع البشري، والتقنيات المناسبة لإدماج البيانات و تصفيفها، ومشاكل عدم التجانس بالبيانات وضرورة استكمالها، والقدرات على التنبؤ بالعمليات الهيدرولوجية وتفاعلاتها والتماس الحلول المشفوعة بالنظم الإيكولوجية الاجتماعية، ومشكوكية التقدير، والاتصالات، وتبني عملية صنع قرارات مناسبة لإدارة الموارد ذات الصلة بينما ينبغي موافاة صناع القرار بالمعارف على نحو أكثر فعالية كي يستندوا في قراراتهم إلى زبدة المعلومات المتاحة، في أفق الإبقاء على عجلة البحث العلمي مستمرة وتطوير نظم الإنذار المبكر، والارتقاء بالتعاون من أجل النهوض بالدراسات المتعلقة باحتمالية وقوع الضرر، وإجراءات التكيف المتعلقة بتغير المناخ، وتعزيز النهج الابتكارية في التعليم و بناء القدرات.

الكوارث المرتبطة بالمياه في مقدمة التهديدات

تتصدر المخاطر المرتبطة بالمياه قائمة الكوارث المشهودة خلال الخمسين عاما الماضية من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية، فحسب الهيئة العالمية للارصاد الجوية فمن بين أهم عشر كوارث مشهودة، كانت الظواهر التي أدت إلى أكبر خسائر بشرية خلال هذه الفترة هي الجفاف والعواصف والفيضانات ودرجة الحرارة المتطرفة ومن حيث الخسائر الاقتصادية، تشمل أهم عشر ظواهر العواصف بـــــــــ521مليار دولار أمريكي والفيضانات بـــــــــــ115مليار دولار أمريكي حيث كبدت الفيضانات والعواصف أوروبا أكبر الخسائر الاقتصادية خلال الخمسين عاما الماضية، بتكلفة بلغت 377.5مليار دولار أمريكا بينما تسبب فيضان عام 2002في ألمانيا في خسائر بلغت 16.48مليار دولار أمريكي، وكان أهم ظاهرة من حيث الكلفة في أوروبا بين عامي 1970و2019، بيد أن موجات الحر هي الأعلى تكلفة من حيث الخسائر في الأرواح، وتؤكد هيئة الأرصاد الجوية العالمية إلى أن أخطار الطقس والمناخ والماء قد شكلت على مدى الخمسين عاما الماضية خمسين في المائة من جميع الكوارث و45في المائة من جميع الوفيات المبلغ عنها، و74في المائة من جميع الخسائر الاقتصادية المبلغ عنها على الصعيد العالمي.

وأكد البروفيسور بيتيري تالاس الأمين العام للمنظمة أن:المخاطر المتصلة بالطقس والمناخ والماء تتزايد من حيث وتيرتها وشدتها نتيجة لتغير المناخ فقد تسببت الأمطار الغزيرة والفيضانات المدمرة التي هطلت على وسط أوروبا والصين في الأسبوع الماضي، في خسائر في الأرواح وخسائر اقتصادية مأسوية، وأشار البروفيسور تالاس إلى أنموجات الحر الأخيرة التي حطمت الأرقام القياسية في أمريكا الشمالية ترتبط بوضوح بالاحترار العالمي، حيث عزى تلك الظواهر الى تغير المناخ الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حيث زاد من احتمالات حدوث موجات الحر بمقدار 150مثلاعلى الأقل غير أن نوبات الأمطار الغزيرة تحمل بشكل متزايد بصمة تغير المناخ فمع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي تزداد الرطوبة فيه، مما يعني زيادة المطر خلال العواصف، مما يزيد من فرص حدوث فيضانات، وواصل البروفيسور قائلاً ليس هناك بلد محصن ضد هذه الظواهر فتغير المناخ أصبح واقعا ملموسا وحاليا ومن الضروري زيادة الاستثمار في التكيف مع تغير المناخ، ومن أشكال هذا الاستثمار تعزيز نظم الإنذار المبكر بالمخاطر المتعددة، وتبقى المياه هي الوسيلة الرئيسية التي نشعر من خلالها بآثار تغير المناخ، ومن أجل التصدي بفعالية لتحديات كل من الماء والمناخ، يجب التعامل مع تغير المناخ والماء من منظور واحد في مضمار واحد، أي التصدي لهما كمسألة واحدة، وواصل البروفيسور تالاس: لهذا السبب تقود المنظمة تحالفا جديدا للمياه والمناخ، مؤلفا من جهات فاعلة من قطاعات متعددة، تحت قيادة رفيعة المستوى، ويركز هذا التحالف على العمل المتكامل في مجال الماء والمناخ.

أوروبا والحصيلة الثقيلة للكوارث الطبيعية

هذا وعلى الرغم من أن المأساة لا تزال مستمرة، فإن عدد حالات الوفاة الناجمة عن الطقس المتطرف على الصعيد الأوروبي آخذ في الانخفاض بشكل عام بسبب تحسن الإنذارات المبكرة وتحسين إدارة الكوارث، وكان ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن موجات الحر في أوروبا في عامي 2003و2010إيذانا بخطط عمل جديدة وإنذارات مبكرة تتعلق بالصحة وموجات الحر التي كان لها الفضل في إنقاذ عدد كبير من الأرواح في العقد الأخير، وفي أوروبا إجمالا بلغ مجموع الكوارث المسجلة 1672، أسفرت عن 159 438حالة وفاة وعن خسائر اقتصادية قدرها 476.5مليار دولار أمريكي في الفترة 2019-1970،شكلت منها الفيضانات 38في المائة والعواصف 32في المائة تشكلان السبب الأساسي في الكوارث المسجلة، فإن درجات الحرارة المتطرفة مسؤولة عن أكبر عدد من الوفيات 93في المائة أي ما يمثل 148 109حالات وفاة على مدى السنوات الخمسين الماضية وتبقى موجتي الحر الشديدتين في عامي 2003و2010مسؤولتان عن أكبر عدد من الوفيات 80في المائة أي ما يمثل 127 946حالة وفاة، وتمثل هاتان الظاهرتان انحرافا عن الإحصاءات المتعلقة بعدد الوفيات في أوروبا، فقد كانت موجة الحر في عام 2003مسؤولة عن نصف الوفيات في أوروبا ، والتي بلغ مجموعها 72 210حالات وفاة داخل البلدان الخمس عشرة المتضررة، بينما يبقى يبين توزيع الكوارث في أوروبا حسب المخاطر أن الفيضانات النهرية شكلت22في المائة في حين أن العواصف العامة شكلت فقط 14في المائة بينما تبقى الفيضانات العامة لا تمثل سوى 10في المائة من مجموع الكوارث الطبيعية التي أصابت أوروبا،وفي انتظارصدور تقرير هيئة خبراء المناخ التابعة للأمم المتحدة اليوم الاثنين9 غشت 2021و الذي من المنتظر أن يكون أشد تحذيرا على الإطلاق بشأن دور السلوك البشري في ظاهرة الاحتباس الحراري بينما سيكون بمثابة جرس إنذار لجميع أولئك الذين لم يفهموا بعد لماذا يجب أن يكون العقد المقبل حاسما تماما فيما يتعلق بالعمل المناخي فإن عواقب الاحتباس الحراري تبدو واضحة بالفعل من خلال الفيضانات التي عرفتها أوروبا والصين وحرائق الغابات في تركيا واليونان ودرجات الحرارة القياسية التي شهدناها في أمريكا الشمالية حيث من المرتقب أن نرى رقما قياسيا جديدا كل يوم يسجل بطريقة أو بأخرى في العالم كان أخرها سجل باليونان،ختاما هل ستنجح دورة فرنسا 2024 للألعاب الأولمبية في تحقيق طموح تنزيل أهداف اتفاق باريس بشأن المناخ؟ وهل ستنجح في وضع تصور مناخي ناجح للألعاب الأولمبية في أفق 2050؟ وهل ستجيب قمة غلاسكو للمناخ على كل الأسئلة التي تقلق بال الخبراء؟ وهل ستتعطل مسيرة المفاوضات المناخية بسبب عودة الأرقام المقلقة لحالات الإصابة وحالة الوفاة بسبب جائحة كورونا على الصعيد العالمي وفي الصين أيضا مهد الفيروس الخطير؟ وهل ستتضطر الدول المنظمة للمؤتمرات العالمية المقبلة الى تأجيل جميع المحطات المقبلة مؤتمر كونمينغ نموذجا؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube