تكنلوجيامستجدات

الإستخبارات البريطانية تحذر مواطنيها من الهجومات السيبرانية المحتملة من قبل دول عدوة.

بقلم المصطفى القادري اليملاحي، لندن

حذر كين ماكالوم، رئيس جهاز الإستخبارات البريطاني عموم المواطنين من حتمية محاولة دول عدوة على حد تعبيره، شن هجومات سيبرانية تهدف إلى الإضرار بالمؤسسات الإقتصادية و تهدد مناصب الشغل و حياة الأفراد. الهجمات التي تشنها عصابات إجرامية أو منظمات إرهابية، ينضاف إليها أجهزة وفرق تابعة لدول عدوة كما وصفها المسؤول البريطاني.
و تشمل هذه العمليات كل من الهجمات على المواقع والخوادم و التطبيقات أو حملات ممنهجة لتضليل الرأي العام عن طريق نشر معلومات مغالطة تؤثر على الرأي العام، أو من خلال التجسس على الساسة و موظفي القطاع العام أو الخاص على حد سواء.
كما أكد أن أنشطة من هذا القبيل تقوم بها دول مثل الصين وروسيا لم تعد محصورة بمحاولة مهاجمة الخدمات و المواقع المرتبطة بمؤسسات الدولة لكنها توسعت لتشمل فئات واسعةمن المنظمات بهدف التحكم.
فخلال العقدين الأخيرين، شكل الإرهاب الدولي الهاجس الأبرز و الاساس لإنشعالات أجهزة الإستخبارات البريطانية حيث تمت مراكمة كم هائل من التجربة، لكن بالرغم من ذلك، فإن خطر الإرهاب لازال قائما، بل إنه من المنتظر أن يزداد حدة بظهور جيل جديد من العمليات الإرهابية تستعمل التكنلوجيا الرقمية الأكثر تطورا بدلا من الديناميت و الرصاص لمهاجمة المصالح الحيوية للدول و الأفراد و إلحاق أكبر الأضرار من خلال ضغطة زر قصد لي ذراع المجتمعات و إرغامها على الرضوخ لإرادة الإرهاب.
أحد الأمثلة الراهنة التي توثق لمحاولات دول مثل الصين و روسيا، سرقة معلومات مرتبطة بالأبحاث الجارية بهدف إنتاج لقاحات خاصة بفايروس كورونا، و ذلك من خلال محاولة مهاجمة خوادم جامعات أو مراكز البحث العلمي و المختبرات بهدف الإستيلاء على قواعد البيانات و إستغلالها لتحقيق السبق العلمي وإدعاء التفوق ولو عن طريق السرقة وعدم احترام أخلاقيات الملكية الفكرية.
خطورة الهجمات السيبرانية تتمثل في إمكانية مهاجمة الدول العدوة للبنى التحتية كشبكات الكهرباء و الماء الصالح للشرب أو أنظمة المطارات و شبكات المرور بالإضافة إلى التهديدات التي تشمل خوادم مرتبطة بخدمات هامة كقطاع الصحة أو المؤسسات المالية…
وتبقى القطاعات الإنتاجية ليست بمنأى عن هجومات يمكن أن تضر بها مؤدية بالمحصلة إلى كوارث إقتصادية و إجتماعية خطيرة.
فعلى سبيل المثال، خلال سنة 2017 تعرض نظام الصحة العمومية البريطاني لهجوم سيبراني مصدره أفراد مجهولي الهوية من كوريا الشمالية، الهجوم أثر بشكل كارثي على نظام المواعيد الطبية و خلق فوضى عارمة مما استدعى تخصيص أزيد من شهر من العمل المتواصل لإعادة الأمور إلى مجاريها الطبيعية، و قد تم تلخيص السبب الكامن وراء الحادثة في محاولة السلطات الصحية انتهاج سياسة التقشف بغية تقليص الميزانية، هذه السياسة حالت دون تحديد ميزانيات مخصصة لتطوير نظم الحماية وتحيينها لمواكبة مستوى المخاطر الراهنة.

هجوم أخر قامت به مجموعة إجرامية محسوبة على روسيا، إستهدفت أنظمة ضخ الوقود و قنواتها، و إستطاعت المجموعة أن تعطل الإمدادات عبر أنابيت تغطي نصف إحتياجات الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية. هذا بالإضافة إلى الحملات المنظمة بشكل إحترافي و بمواد إشهارية عالية الجودة تهدف إلى زرع الشكوك حول التلقيحات المتوفرة حاليا أو تلك المرتبطة بمحاولات التأثير على نتائج الإنتخابات.
التهديدات لم تعد تشمل مؤسسات الدولة و موظفيها، لكنها اليوم تتجاوز محاولات الماضي المحدودة لتشمل كل الأطر العاملة في مختلف القطاعات، خصوصا في خضم مرحلة الوباء الأخير حيث اضطر العديد من الموظفين البقاء بمنازلهم وممارسة وظائفهم عن طريق الإتصال بمنصات الشركات عبر الإنترنيت مما يضاعف احتمالات الوقوع في حبال المجموعات المتربصة لأي هفوة تقنية أو خطأ بشري لإختراق الأنظمة. فبغض النظر عن مجال إشتغال هذه الأطر أو رتبهم الإدارية فهم يشكلون اليوم هدفا استراتيجيا لأنظمة التجسس و محاولات الإختراق المبرمجة من قبل دول تهدف للإستيلاء و تحصيل أكبر قدر من المعلومات و المعطيات و تحقيق التحكم في شبكات التواصل و انظمتها.
الدول اليوم كما المؤسسات الخاصة مطالبة بنشر الوعي بين أفرادها حول المخاطر التي تتهدد المجتمع برمته في مواجهة التهديدات الأرهابية و الإجرامية على حد سواء، أما على مستوى الفعل التشريعي، فإنه من الضروري سن قوانين نتظم الفضاء السيبراني بما يضمن إمكانية تتبع و محاسبة الأنشطة الإجرامية و ضمان حماية خصوصية الأفراد، بالرغم من صعوبة تحقيق المعادلة إلا أن التوصل إلى حلول وسطى و مرضية أمر ممكن، لكنه يحتاج بالضرورة إلى الكثير من الإجتهاد و القدرة على الإبداع.
العديد من شركات التكنولوجيا بما في ذلك وسائل التواصل الإجتماعي، أصبحت تستعمل خوارزميات تشفير جد محصنة و صعبة التفكيك و ذلك بهدف حماية خصوصية الزبائن أو الرواد و لضمان نجاج ترويج منتجاتها، لكن الخطورة تتمثل في استعمال الإرهابيين و المنظمات الإجرامية لنفس التقنيات أو الإعتماد على نفس الخدمات بهدف التواصل و التنسيق أو استقطاب العناصر الجدد. لذلك يبقى النقاش حول احترام الخصوصية الفردية إلى جانب ضرورة تمكين الأجهزة الأمنية من حماية المجتمع ضروريا لتحقيق التوازن على مستوى التشريعات بما يضمن حقوق الأفراد و حماية الفضاء العام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube