احمد رباصتربية وعلوممستجدات

الممارسة السوسيولوجية بالمغرب: تطور مؤسسي وتحديات جديدة (5/1)

أحمد رباص – حرة بريس

تميزت مأسسة اليوسيولوجيا في المغرب بفترة طويلة من القطيعة أو حتى الاستبعاد من المجال الأكاديمي. في حين أن ظهور هذا العلم في المغرب ارتبط ارتباطا وثيقا بالفترة الاستعمارية، إلا أن جيلا جديدا جاء بعد الاستقلال ليتبنى هذا التخصص. وفي هذا الإطار، يعكس إنشاء معهد السوسيولوجيا طموح الجيل الأول من علماء الاجتماع المغاربة لبناء أسس سوسيولوجيا وطنية. ومع ذلك، فإن إغلاق المعهد عام 1970 أبطأ تنفيذ هذا المشروع وفي نهاية التسعينيات وجدت السوسيولوجيا مكانها في الجامعات المغربية.
وعند الحديث عن نشأة الممارسة السوسيولوجية في المغرب لا يد من الإشارة إلى أنه على غرار بلدي المغرب العربي الآخرين (الجزائر وتونس)، بدأت الممارسات السوسيولوجية الأولى في المغرب بمبادرة من “المكاتب العربية” (بيرك، 1956).
باعتبارها عمل ضباط عسكريين، تركزت المعرفة الغربية حول دراسة القبيلة، وقائع حركات التمرد، والأسرة الأبوية. ينتمي مؤلفو هذه الفترة الأولى، وفقا لجاك بيرك، إلى الجيل الرومانسي. ويقول جاك بيرك شارحا: “الرومانسية هي معنى إحساسهم بالغرابة، وتحيزهم لصالح الحضارة التي نالوا منها عن جدارة ميزة إظهار نبل المشية وقوة النداء” (بيرك، 1956: 299).
كان إنشاء “البعثة العلمية” في طنجة عام 1904 بمثابة بداية لمأسسة ومراكمة المعرفة الاستعمارية حول البنيات الاجتماعية المغربية. وبهدف إعداد دراسات منهجية للبيئة المغربية، تولت “البعثة العلمية” إصدار “الأرشيفات المغربية و”مجلة العالم الإسلامي” والمجموعة الخاصة بمدن وقبائل المغرب.
شهدت هذه الفترة ظهور العديد من الأعمال الأنثروبولوجية والإثنولوجية والسوسيولوجية التي قام بها نفس الأشخاص، ومن هنا جاءت صعوبة رسم حدود واضحة بين هذه التخصصات.
ولأنها كانت موجهة نحو هدف استيعاب الديناميات الداخلية للمجتمع المغربي، تناولت المعرفة العلمية الاستعمارية مواضيع مختلفة. وهدفت إلى إعادة تشكيل كتالوج المغرب، ودراسة نظامه السياسي “المخزن”، ونظامه القبلي، وزواياه، ومدنه، وعاداته.
تلك فترة ازدهرت فيها السوسيولوجيا النفعية “حيث يختلط الفضول العلمي بالنكهة الأيديولوجية المميزة لسوسيولوجيا في خدمة “السياسة” (بن الطاهر وبووصلة، 1980: 27).
طبع العديد من الباحثين والضباط والإداريين والمراقبين المدنيين والأكاديميين، الممارسة السوسيولوجية “الرسمية” بميسمهم. ومن بين هؤلاء يبرز إدوار ميشو بيلير وروبرت مونتاني (لمزيد من التفاصيل انظر عبد الكبير الخطيبي، 1967).
قبل نهاية عهد الحماية مباشرة، انطلق توجه جديد ينتقد الإنتاج السوسيولوجي الاستعماري بعمل جاك بيرك. بهذا السؤال الذي وجهه بشكل خاص إلى روبرت مونتاني “ما هي قبيلة شمال إفريقيا؟” (بيرك، 1953)، اعلن بيرك عن بداية التشكيك في المعرفة الاستعمارية وإصلاح عميق لأهداف البحث وأساليب العمل.
هذه هي المهمة الموكولة للجيل الأول من علماء الاجتماع المغاربة من أجل بناء معرفة سوسيولوجية “موضوعية” جديدة بمجتمعهم.
وفي سياق مأسسة السوسيولوجيا بالمغرب المستقل، عرف هذا العلم الاجتماعي، بعد اعتماده للمشاركة في بناء الدولة المستقلة الجديدة، مصيرا خاصا في المغرب. وهكذا نجد أن ثلاث لحظات حاسمة ميزت تطور مأسسة علم الاجتماع في المغرب.
ولغاية بناء سوسيولوجيا نقدية وموضوعية، بدأت أول مأسسة اكاديمية لعلم الاجتماع في المغرب مع إنشاء فريق البحث متعدد التخصصات في العلوم الإنسانية في عام 195، مع تدشين معهد السوسيولوجيا بالرباط عام 1960 ومع تأسيس جمعية الباحثين في العلوم الاجتماعية سنة 1965.
(يتبع)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube