مستجدات

الجنرال الجزائري “توفيق محمد مدين” يسعى إلى إعادة بناء إمبراطوريته الأمنية الإرهابية

محمد بوبكري


يقوم الثلاثي الحاكم لجزائر اليوم المتكون من “خالد نزار” وتوفيق مدين” و”سعيد شنقريحة”، بتعزيز هيمنته على الدولة عبر تفكيك دولة “القايد صالح”، انتقاما منه وتصفية لتركته. هكذا قام هذا الثلاثي الذي يتحكم في “عبد المجيد تبون”، بتعيين الجنرال “عبد العزيز مجاهد” مستشارا لـ “تبون ” في الشؤون العسكرية والأمنية، لأنه كان ضالعا معهم في ارتكاب جرائم “العشرية السوداء”، كما عينوا الجنرال ” محمد صالح بن بيشة” أمينًا عاما لوزارة الدفاع الوطني، وعينوا “فريد زين الدين بن الشيخ” مديرا عاما للمديرية العامة للأمن الوطني. ويعود سبب قيامهم بهذه التعديلات وما سيليها من تعيينات وإعفاءات أخرى إلى رغبتهم في إعادة هيكلة نظام الحكم وأدواته التنفيذية، ليتسنى لهم التحكم في كل مؤسسات الدولة والمجتمع الجزائريين وموارد البلاد وخيراتها…
فمن هو هذا المدير الجديد للإدارة العامة للأمن الوطني الجزائرية؟ يقول المتتبعون الجزائريون للشأن الجزائري إن هذا الشخص حامل لجنسية فرنسية، لأنه درس في معهد فرنسي تابع لوزارة الداخلية الفرنسية، الذي لا يلجه إلا حاملو الجنسية الفرنسية، كما كان يعمل محللا نفسيا بالسجون الفرنسية، وهي مهمة لا يقوم بها إلا حاملو الجنسية الفرنسية. إنني لست ضد حاملي الجنسية المزدوجة، لأن الأمر يدخل في إطار الحريات الشخصية، بل إن هذه الجنسية المزدوجة قد أصبحت ضرورية بعد هجمات 11 ستمبر الإرهابية، لأنها كانت حاجة ماسة لحماية حامليها من التعسف وضمان حقوقهم…، لكن تحمل مسؤولية منصب سام يقتضي جنسية واحدة، لأن ذلك يدخل ضمن مقتضيات السيادة الوطنية التي لا يقبل بتاتا أن يتحملها شخص مزدوج الولاء لوطنين، حيث يمكن أن يكون أساسا في خدمة وطن على حساب المصالح الأمنية للوطن الآخر…
لهذا يفرض السؤال التالي نفسه على المتتبعين: من جاء بهذا المدير الجديد؟ وكيف رضي عنه الثلاثي الحاكم؟ يؤكد العارفون بالشأن الداخلي للجنرالات أن “شفيق مصباح” هو من أتى به إلى الجنرالات، لأنه سبق أن جاء به من فرنسا لكي يشتغل مع الجنرال ” توفيق محمد مدين” في تسعينيات القرن الماضي، وقد ورطوه في الاختطافات والتعذيب والتقتيل خلال “العشرية السوداء”، حيث عرفوه جيدا، ووقفوا على عنفه الوحشي وانضباطه لهم وتنفيذه الحرفي لأوامرهم….
كما أن “شفيق مصباح” هو عقيد سابق كان بمثابة العقل المفكر للجنرال توفيق الذي لا يتقن إلا الخبث والمكر والتآمر والتقتيل، حيث كان الثاني يكلف الأول بكتابة ما يرغب في كتابته ونشره. ويشهد المتتبعون والدارسون أن “شفيق مصباح” كان مثقفا يكتب جيدا باللغة الفرنسية، حيث كان خادما لدى “الجنرال توفيق”، الذي كان عاجزا عن التفكير والكتابة.. وذات يوم طلب “توفيق” من “شفيق مصباح” أن يقدم استقالته ليتفرغ للتفكير والكتابة والنشر. وهذا ما دفع المتتبعين إلى استنتاج أن شفيق قد عاد إلى العمل مع توفيق، الذي لا يستطيع الاستغناء عن خدماته، لأن توفيق لا يمتلك أي ملكات فكرية، ولا تحليلية، ولا تحريرية… لذلك، يبدو أن توفيق قد كلفه بتجميع بنية إمبراطوريته الأمنية الإرهابية التي تفتت سنة 2013، وتعرضت للتدمير كليا سنة 2015.
وقد تم تكليف “شفيق مصباح” بـ مديرية “التعاون الخارجي”، التي هي عبارة عن مصلحة للمخابرات مكلفة بالمهاجرين الجزائريين، تربط اتصالات بالأطر العليا من أفراد هذه الجالية لجلبها للعمل لصالح الجنرالات بالداخل الجزائري. وللتدليل على المكانة المهمة “شفيق مصباح” عند الجنرالات، فقد استفاد من امتيازات كثيرة، كما تمت مكافأته بعطايا عديدة من بينها ضيعة فلاحية باهظة الثمن تبلغ مساحتها 20 هكتارا توجد بمنطقة بوشاوي في ضواحي العاصمة، التي توجد فيها ضيعات خاصة للجنرالات الكبار…
هكذا، فإن “شفيق مصباح” هو الذي جاء بالمدير الجديد للإدارة العامة للأمن الوطني الجزائرية، لأنه يعرف شخصيته ومؤهلاته وقدراته. وقد جاء به تلبية لطلب “الجنرال توفيق”، حيث أصبح مؤكدا أن توفيق الذي يؤمن بذكاء “شفيق” قد كلفه بإعادة بناء إمبراطورية المخابرات التي كان يشرف عليها سابقا قبل الإطاحة به وإبعاده، ثم اعتقاله. ويفيد كل هذا أن الجنرال توفيق يريد العودة إلى سابق عهده، حيث كان يعين الرؤساء والمسؤولين الجزائريين الكبار، لأنه كان يتحكم في كل شيء في الجزائر، ما أصابه بجنون الغرور، فقال ذات يوم عن نفسه: ” أنا رب الدزاير”…
ويفسر المتتبعون تعيين هذا المدير الجديد للأمن الجزائري بأنه من المحتمل أن الجنرالات يخططون لاستعمال العقلية الدموية لهذا الشخص لمواجهة الحراك الشعبي. وترجع ثقة الثلاثي الحاكم فيه إلى أنه برهن لهم خلال “العشرية السوداء” عن قدراته الفائقة على ممارسة العنف والتقتيل بأبشع الطرق، لأنه يشبهم في عدم امتلاكهم أي حس إنساني، فالطيور على أشكالها تقع.
ونظرا لما أبان عنه الحراك الشعبي من قوة وانتشار وإرادة ونضج سياسي وحضاري، فقد أصبح صعبا على الجنرالات أن يشتتوا صفوفه أو يهزموه، لأنه صار أقوى منهم. كما أنه يحظى بدعم شعبي داخلي وأممي، حيث إن الأمم المتحدة قد أدانت العنف، وحذرت من ممارسته، لأن هذا الحراك سلمي يروم التغيير الديمقراطي.
إنني لا أستطيع إخفاء إعجابي بهذا الحراك السلمي الحضاري لأنه يشكل معجزة تقدم درسا في الديمقراطية للعالم بأسره؛ فقد دام حاولي 52 أسبوعا دون كسر زجاجة واحدة، أو إراقة قطرة دم واحدة… كما أن شعاراته العميقة تبرهن عن الوعي الرفيع للشعب الجزائري، وإرادته في الاستمرار حتى تحقيق التغيير الذي سيفضي إلى استقلال الجزائر عن نظام الاستعمار العسكري الذي يمارسه الجنرالات. هكذا، فإن الحراك يواجه نظام العسكر الذي يتصرف بكونه مالكا للدولة والوطن والشعب، الأمر الذي يرفضه الشعب الجزائري الذي يريد أن يمتلك دولته، لا أن تمتلكه دولة العسكر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube