شخصياتمقالات الرأي

وداعا سي بوزوبع طبيب الفقراء

البشير حيمري كوبنهاجن

‎رحيل اليساري “بوزوبع” .. “طبيب الفقراء” ومعارض “تجربة التّناوب”

‎ظلّ يلهثٌ وراء “وحدة اليسارِ”، ذلك الحلم المفعم بعزيمة واندفاعِ جيل السّتينات، وفي طريقهِ إلى تحقيق “مبتغى” الرّفاق اصطدمَ بعدوٍّ عصيّ لا يمهلُ أحداً، عدوٌّ أحذَ كثيرين قبله ولم تتحقّق الوحدة “الموعودة”، رحلَ طبيبُ “الفقراء” السّياسي اليساريّ السّابق، وفي طريقِ الموتِ، يستحضرُ “غدرَ” الأصدقاء وتقاتُل “الرّفاق” وظلم “العدوّ”.
‎الشّاب الثّائر
‎من ضيقِ أزقّة حيّ “بوشنتوف”، أحد أهمّ الأحياء الشّعبية بالدّار البيضاء، خرج السّياسي الاتّحادي السّابق عبد المجيد بوزوبع، الذي توفّي يوم الاثنين المنصرم، ليكتشفَ عالماً خرج لتوّه من نيران الاستعمار، كان الرّهانُ كبيراً آنذاك، وهو تحقيقُ الذّات والانتصار على ملذّات لحظة عابرة مسكونة بالأمل بمعانقة “مغربٍ جديد”، وسطَ جيلٍ من الوطنيين مهووسٍ بفكرة “التّقدمية” والحداثة.
‎بعد سنواتٍ من الكفاح الدّراسي، نال بوزوبع شهادة الباكالوريا عام 1965، وتزامنَ هذا التّاريخ مع اندلاع شرارة انتفاضة شعبية في الدار البيضاء قادها تلاميذ متشبّعون بالأفكار اليسارية، وقد كان هو واحداً من الذّين قادوا الصّفوف الأمامية على مستوى حيّ بوشنتوف. بعد ذلك، سينخرط الرّجل في العمل التّنظيمي عبر بوابة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشّعبية.
‎تزامناً مع ذلك، سيتابعُ بوزوبع، الذي كان من المقرّبين للقيادي اليساري السّابق عبد الرحيم بوعبيد، دراسته العليا في كلية الطّب والصّيدلة، حيث سيمكّنه مساره الدّراسي من ترؤس منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغربية وتمثيلها على مستوى كليات الطّب، وهكذا زاوجَ بوزوبع بين التزامهُ الطّلابي وتفوّقه الدّراسي، ليقرّر عام 1974 التّخصص في دراسة جراحة القلب.
‎تجربة الاعتقال
‎ظلّ بوزوبع يتعاطى “البساطة” والتّواضع دون أن ينسى جذوره الممتدّة تاريخياً باعتباره سليل عائلة قاومت الاستعمار بضراوة. كما كان زملاؤه ينادونه دوماً بـ”طبيب الفقراء”، حيث كان يمنحُ كامل وقته للفقراء والمحتاجين مقدّماً لهم خدمة عمومية بالمجّان، وقد تخرّج على يدهِ مئات الأفواج من الأطباء طوال الثلاثين سنة التي أمضاها أستاذاً بكلية الطب والصيدلة بالرباط.
‎شكّلت سنة 1981 منعطفاً في مسار الرّجل؛ إذ سيقوده نشاطه السّياسي إلى السّجن، بعد الإضراب العام ليوم 20 يونيو 1981 وأحداث الدار البيضاء الدّموية. وقد أمضى سنة كاملة في المعتقل، بينما عملَ رفاقه من الاتّحاديين على نشرِ أفكارهِ وتصوّراته بشأن الوضع السّياسي والاجتماعي في البلاد.
‎الخروج من الاتّحاد
‎نقطة التّحول الفاصلة في المسار السّياسي لعبد المجيد بوزوبع كانت خلال المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 2001 وانسحاب الجناح النقابي والشبابي من المؤتمر، حيث سيغادر عبد المجيد مع المغادرين سفينة الاتحاد لينخرط ضمن تجربة حزبية وليدة هي المؤتمر الوطني الاتحادي.
‎وقد ظلّ بوزوبع ينتقد تجربة الاتّحاديين في الحكم خلال حكومة التّناوب، داعياً إلى ضرورة مواصلة المعارضة الوطنية، كما وجّه اللوم إلى رفيقه عبد الرحمان اليوسفي الذي حمّله مسؤولية فشل “تجربة التّناوب”، واصفاً إياه بأنّه أوصل المغرب إلى السّكتة القلبية بتفاحش الفوارق الاجتماعية، ليقرّر بعد خصومة طويلة العودة إلى الاتحاد الاشتراكي ضمن فريقه السّياسي إلى جانب عبد الكريم بنعتيق والدكتور مولاي أحمد العراقي والمقاوم بنحمو سنة 2013.
‎ويمثّل عبد المجيد بوزوبع، الطبيب الجراح، أوّل من أدخل عملية قسطرة القلب إلى المغرب، وقد كان أستاذاً مبرّزاً بكلية الطب ضمن تخصص دقيق مثل أمراض القلب والشرايين.
‎ونعى إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بوزوبع، عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قائلا: “رحم الله القيادي الاشتراكي الدكتور عبد المجيد بوزوبع، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
‎من جانبه، قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في تعزية، إن المغرب “فقد بوفاته رجلاً وطنياً مخلصاً ومناضلاً نقابياً وسياسياً صادقاً وإنساناً خدوماً، باذلاً للخير”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube