مراد العمراني الزكاري

من هم المالتوسيون الجدد (توماس مالتوس) الجزء الأول

بقلم : مراد العمراني الزكاري برشلونة

يمكن وصف أفكار هذه العائلات من بارونات المال والصناعة من أصحاب العقيدة البيوريتانية أو الديانة اليهودية بـ المالتوسيين الجدد، ويُعد هؤلاء أمتدادًا طبيعيًا لأفكار الجيولوجي البريطاني وأشهر مشاهير علماء علم الأحياء (تشارلز داروين:1809-1882)، صاحب نظرية الانتقاء الطبيعي الذي تبنى نظرية وأفكار توماس مالتوس الخاصة بنمو السكان في روايته الأشهرعن أصل الأنواع. نظرية أصبحت تعرف فيما بعد باسم “الداروينية الاجتماعية”، والتي بررت تراكم الثروات في يد هذه العائلات على أنها بمثابة دليل إلآهي على سمات بقاء الأنواع المتفوقة على البشر الأقل حظًا.
ولأن هذه العائلات التي تحكم وتتحكم في العالم  يحملون نفس العقيدة التي تميزهم عن الأخرين من منطلق (نحن وهم)، على أساس انهم يحملون شارة التميز لأن الثروة في أيديهم والباقي من العامة هم مجرد قطيع، الأمر الذي منحهم المبرر الأخلاقي للقتل بدم بارد عبر إجراء تجارب السرطان، أو التعقيم القسري، أو تحديد النسل على العامة من الناس باعتبارهم مجموعة من الحثالة لايستحقون العيش على حد وصف أحدهم.
ومثلما أدعى مالتوس أن الرب جعل النمو السكاني يتجاوز الموارد وحث البشر على تنظيم النسل. خرجت هذه النخب البيوريتانية أي المالتوسيين الجدد، بفكرة شيطانية اطلقوا عليها “تحسين السلالة” تحولت إلى حركة سنة 1904 حين أسس معهد كارنيجي مكتب تسجيل تحسين النسل في كولد سبرينج هاربور بنيويورك على قطعة أرض تبرع بها قطب السكك الحديدية هاريمان.
شهد هذا المكتب انطلاق أكبر مؤامرة كونية على شعوب الأرض في تاريخ البشرية من أجل إزالة سلالات الدم الكاملة التي تعتبر أقل شأنا.
بدأ المكتب بتجميع ملايين من القوائم المفهرسة حول سلالات المواطنين الأمريكيين العاديين، بحيث يتم فرز السلالات العليا (النخب) من المتدنية (عامة الناس)؛ وفقا لمعايير ومواصفات خاصة، كالعيون الزرقاء، أو من هم أصحاب البشرة الآسيوية الداكنة كالهنود، ومن ذوات البشرة السوداء كالاتينيين، وهكذا على نطاق واسع بما في ذلك المرضى والمتخلفين عقليا وخلافه.
كان الهدف من مشروع بطاقة الفهرسة لمكتب تسجيل تحسين النسل، تحديد الفئات المتدنية بعناية فائقة، ومن ثمه، إخضاعها للفصل والتعقيم مدى الحياة من أجل القضاء على سلالاتها. وعلى هذا اعتمدت دراسة تحسين النسل على دراسة جودة الجنس البشري مع تقليل كمية الكائنات الدنيئة، وارتكزت على حماية الدم النقي من تهديد الدم المتدني.
تم إقرار قانون تحسين النسل رسميًا في الولايات المتحدة الأمريكية سنة  1909. اعتمدت ولاية كاليفورنيا كنموذج لتحسين النسل. تم تعقيم جميع مرضى العاهات أو غيرهم من المرضى العقليين قبل إخلاء سبيلهم ، كما تم تعقيم أي مجرم مذنب بارتكاب أي جريمة ثلاث مرات حسب تقدير الطبيب الاستشاري. في النهاية كانت كاليفورنيا عقمت حوالي (9782) شخص، معظمهم من النساء المصنفات على أنهن فتيات ليل.
بمرور  الوقت تحولت الحركة إلى جمعية تم تأسيسها في الولايات المتحدة الأمريكية ونظيرتها في بريطانيا. ضمت حفنة النخب البيوريتانية واليهودية من بارونات المال والصناعة. جون د. روكفلر – هاريمان – جي بي مورغان جونيور – ماري ديوك من عائلة التبغ – كلارنس جامبل من شركة بروكتور أند جامبل، كلهم كانوا أعضاء مؤسسين وممولين رئيسيين للفرع الأمريكي، انضم لهم فيما بعد مؤسسة فورد ومؤسسة بيل غيتس وغيرها.
أما شخصيات مثل ونستون تشرشل أمير البحرية البريطانية الذي اصبح وزير الخزانة بعد الحرب العالمية الأولى ثم وزيرا للخارجية فرئيسا لوزراء بريطانيا، والاقتصادي العالمي جون ماينارد كينز مؤسس الاقتصاد الكلي الكنزي، وآرثر جيمس بلفور رئيس وزراء بريطانيا صاحب وعد بلفور للورد جيمس روتشيلد ، وعالم البيولوجيا التطوري جوليان هكسلي الذي اصبح أول رئيس لليونسكو بعد الحرب العالمية الأولى والحاصل على ميدالية داروين من الجمعيَّة الملكيَّة البريطانيَّة كأبرز داعمي الانتقاء الطبيعي، وأخرين، كانوا جميعًا أعضاء مؤسسين ومموليين رئيسيين للفرع البريطاني.
بمرور الزمن أنضم لهذه الجمعية أُناس من أشهر مشاهير الساسة والصحافة والإعلام جنبا إلى جنب مع علماء وباحثين وأطباء، سواء بعضوية الجمعية، أو نتيجة الاعتنقاء والإيمان بأفكار الجمعية، وفي أحيان كثيرة كان يتم التجنيد بالأجرة أو عبر التمويلات السخية.
وعلى هذا الأساس ومنذ تأسيسها سنة 1913، لعبت مؤسسة روكفلر الخيرية دور البطولة في رواية تحسين النسل، من أجل إعدام هؤلاء القطيع، أو الحد بشكل منهجي من السلالات السفلية.
للحديث بقية..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube