القضية الفلسطينيةمستجدات

*النزعة التفوقية اليهودية الجديدة* ( *LE NOUVEAU SUPRÉMACISME JUIF* )✦ يعقوب كوهين – 15 ماي 2015✦

نقله من الفرنسية وقدمها : أحمد ويحمان✦

*مقدمة*

النص الذي ننشره هنا كتبه الصديق والمفكر المغربي، التقدمي من أصل يهودي، يعقوب كوهين، قبل عقد من الزمن، بمناسبة ذكرى قيام كيان الاحتلال والإجرام الصهيونيين، 15 ماي 2015 تحت عنوانه الأصلي بالفرنسية:LE NOUVEAU SUPRÉMACISME JUIF. وإذا كان هذا النص، الذي فكك *” عبقرية الشر “* قد أثار حينها الكثير من الجدل لما تضمّنه من تحليل صادم حول “النزعة التفوقية اليهودية الجديدة” وهيمنة المشروع الصهيوني، فإنّ أهميته اليوم مضاعفة في ضوء ما يجري أمام أعين العالم من إبادة جماعية وتطهير عرقي في غزة، واعتداءات متواصلة على لبنان وسوريا، بالتزامن مع تصريح رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو قبل أيام عن ملامح “إسرائيل الكبرى”، التي ستضم – حسب زعمه – كل فلسطين، وكل لبنان، وكل الأردن، وجزءًا كبيرًا من مصر وسوريا والسعودية والعراق والكويت ! هكذا، يظهر لنا أن ما كتبه يعقوب كوهين قبل عقد من الزمن لم يكن مجرد “تحليل سياسي”، بل استشراف واقعي لمسار استعماري دموي يتكشف اليوم بكل وضوح.

✦ *نص المقال* إنّ التاريخ يعرف أحيانًا من الانقلابات ما يمكن أن يُعتبر هزليًا، لولا ما يحمله في طيّاته من مآسٍ، خاصة تلك التي تلوح في الأفق ويُعمي البعض بصره عن مواجهتها. لكن أليس هذا هو دأب البشرية عبر العصور؟ منذ متى كانت المجتمعات البشرية تحلّ مشاكلها بطريقة عقلانية وبحدّ أدنى من العدالة؟ تكتسي هذه العناصر طابعًا دراميًا بالغًا حين يتعلق الأمر بالشعب اليهودي، إذا ما أردنا إدماج كل أولئك الذين، كلٌّ بطريقته وعلى مستواه، ينتسبون إليه. لقد عرف اليهود نهوضًا خياليًا، لم يكن في الحسبان. فبعد عشرة قرون من الخضوع، والمضايقات، والنفي، والحرمان، والطرد، والاغتيالات، ها هم فجأة في قمة قوتهم. وبرغم أنهم لا يمثلون سوى 0,2% من سكان العالم، فإنّ تأثيرهم كبير على سياسات الدول الكبرى. لا يكاد يحدث شيء يتعارض مع مصالحهم. السياسيون على اختلاف مشاربهم، باستثناء بعض الأطراف المتطرفة قليلة الشأن، يفرشون لهم السجاد الأحمر، يمالئونهم، يضعونهم على القمم، يسابقون رغباتهم، حتى ولو كان ذلك على حساب مبادئهم الأساسية أو مصالحهم الوطنية. إنّ حلم جاك أتالي أصبح على وشك التحقق: حكومة عالمية عاصمتها القدس. وبفضل عشرات الآلاف من “الصّٓيَانيم” المزروعين في أعلى المستويات والقطاعات الحيوية لمعظم الدول، تستطيع إسرائيل أن تتحكم إلى حدّ بعيد في سياسات البلدان الغربية. لم يحدث في تاريخ البشرية أن دولة صغيرة الحجم بلغت هذا المدى من النفوذ. لقد تمّ التحول مع حرب يونيو 1967. الدول العربية الخارجة لتوّها من الاستعمار سُحقت بقوة عسكرية مذهلة. إسرائيل احتلت أراضي شاسعة. إمبراطورية جديدة وُلدت، ومعها تلاعب عالمي لا مثيل له جعل إسرائيل تُقدَّم كضحية، الأمر الذي عزّز الروابط مع الشتات. لقد نجحت الصهيونية في امتصاص الطاقات اليهودية عبر العالم. قبل ذلك، لم تكن الإيديولوجية الصهيونية تجذب الجماهير اليهودية. ومنذ تلك اللحظة، صار هناك “سلاح ضارب يهودي-صهيوني” عبر العالم فعّال بشكل مرعب. صارت إسرائيل عصيّة على المساءلة. فهي الدولة الوحيدة في العالم التي، منذ أكثر من ستين عامًا، تنتهك القانون الدولي بلا عقاب، تحتل وتضم الأراضي بالقوة، وتدوس القرارات الدولية. حتى الولايات المتحدة توقف عدوانها بعد بضع سنوات. ومنذ ذلك الحين، فرض العالم اليهودي “ديانة المحرقة”. يوم عالمي. زيارات إلزامية للمواقع. بناء نُصُب تذكارية. تدريس المحرقة حتى في إفريقيا والصين. قوانين للذاكرة. ملاحقات وتشويه وإدانة كل “المشككين”. لقد شهدت النخب اليهودية تحوّلًا جذريًا. فقد عُرفت على مر العصور بحملها قيم التقدم والإنسانية، ومشاركتها في كل الثورات السياسية والاجتماعية والثقافية والفلسفية. أمّا اليوم فهي في صف السلطة، السلطة الأكثر رجعية وإمبريالية، كما في الولايات المتحدة (11 سبتمبر، العراق، إيران…). وفرنسا ليست استثناء. سيجد المؤرخون متعة في دراسة هذا التحول المثير: من “شعب الكتاب” إلى قوة هائلة، ماكرة، لا ترحم، جشعة، جهنمية، شيطانية، متسلطة، قاسية. عبقرية إلى حدّ أنها تكشف عن قدرات استثنائية في التلاعب. أو قل: عبقرية الشر. ويوم يتحرر الإعلام من القبضة اليهودية، سيُكتشف بكم من القسوة والمهارة دمّر هؤلاء القادمون من الغيتوات، بشكل منهجي، مجتمعًا وشعبًا وثقافة واقتصادًا وتقاليد وأبنية ومزارع وقرى وأماكن عبادة ومقابر ومتاجر، أي كل كيان شعب مسالم تعسف به القدر ليتواجد على “أرضهم الموعودة”. وما زال الفلسطينيون يدفعون الثمن بأجسادهم، وبحياتهم اليومية، من إذلال وتجريد وسجن وهيمنة استعمارية، على أيدي يهود يظنون أن كل شيء مباح لهم لأنهم على “اتصال مباشر بالله”، ولأنهم “يمسكون بخناق العالم”. سيُكتب يومًا “الكتاب الأسود للصهيونية والهيمنة اليهودية”. وأعتقد أنّ المحرقة ذاتها لن تصمد أمامه. مخمورين بقوة لا مثيل لها، يريد اليهود المزيد، لا يتركون شيئًا، بل يطالبون حتى بإعادة تأهيل إسرائيل (على طريقة برنار-هنري ليفي) وتقديسها كما في الماضي. في الأثناء، يتصاعد شعور الرفض في كل مكان في العالم ويخترق حتى الطبقات المثقفة في الغرب. إسرائيل تسير في طريق نزع الشرعية الحتمي. لكن بدل مراجعة الذات، يصرخ اليهود بالعداء للسامية. أي نقد يُرفض باعتباره “معاداة للسامية”. يسألني البعض: كيف لشعب بهذا الذكاء ألا يرى هذا الانحراف الخطير؟ من جهة، فإن السلطة والقوة تعمي عن العقل. ومن جهة أخرى، يبدو أن هناك شعورًا بالثأر من التاريخ. وفكرة أن الشقاء جزء لا يتجزأ من وجودهم. ومع ذلك، ترتفع هنا وهناك أصوات كبرى للتحذير، لكنها تُخنق من طرف هذه العصابة التي تريد المضيّ قدمًا مهما كلف الأمر. حتى النهاية. حتى “قلعة مسعدة”.. فرنسا هي بلا شك البلد الذي خضع أكثر من غيره للهيمنة اليهودية والصهيونية. إنها فرنسا “متهوّدة ومصهينة”. صناعة السينما يسيطر عليها اليهود. وكذلك قطاع الإشهار الذي يريد أن يفرض علينا عبدًا مثاليًا لـ CRIF: مانويل فالس. وكذلك صناعة العروض الفنية. و”العدالة” (كذا) تطال كل من يجرؤ على معارضتهم. أمّا الإعلام؟ فمخترق وموجَّه ومسيطر عليه ومُستَعبَد لليهود في خدمة الصهيونية. والسياسيون مجرد سجاد تحت أقدامهم. يمسح القادة الصهاينة أحذيتهم الملطخة بدماء ضحاياهم على ظهورهم.

العالم لا يحب اليهود اليوم أكثر مما كان قبل الحرب الثانية وإنشاء إسرائيل. وسيحبهم أقل فأقل. لكن يتم فرض الصمت عبر “الردع النووي” المسمى “معاداة السامية”. فعوض أن يُحَبّوا، صاروا يُخشى جانبهم.

🔹 يعقوب كوهين15 ماي 2015

الكاتب والمناضل كوهين مع ويحمان في الملتقى الدولي العدالة لفلسطين .. بيروت قبل سنوات .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID