واشنطن ترسم مسار تسوية أميركية مرتقبة للصحراء المغربية: بين رهانات الاستقرار و لم لا عودة النقاش حول الصحراء الشرقية!

بقلم: عمر بنشقرون، محلل سياسي-اقتصادي
لقد شكل القرار 2797 لمجلس الأمن الدولي نقطة تحوّل مهمة في مسار قضية اقاليمنا الجنوبية، إذ يضع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية إطارا رسميا للتفاوض ويُفعل مسارا دبلوماسيا بمبادرة أمريكية تلزم الأطراف المعنية بالدخول في مفاوضات بنية جدّية وتفتح باب حلّ سياسي دائم ومستدام و اتفاق سلام قبل مطلع سنة 2026 يبرز الأثر الاجتماعي والسياسي المحتمل لتسوية تاريخية قد تُنهي واحداً من أطول النزاعات الإفريقية.هذه التسوية، والتي نتمناها كمغاربة، لا تتعلق فقط بالصحراء المغربية، بل يمكن أن تُعيد أيضاً إلى الواجهة النقاش حول العمق التاريخي للمناطق الصحراوية الشرقية التي كانت عبر قرون جزءاً من المجال المغربي قبل التقسيم الاستعماري. فوفق هذا الإطار المرجعي، تفتح نافذة أمل لآلاف العائلات الصحراوية التي تضررت من النزاع. و تعني بذلك استقراراً اجتماعياً وأمنياً لسكان الأقاليم الجنوبية الذين يترقبون مرحلة جديدة من التنمية المكثفة، وتوسيع الاستثمارات الأميركية والأوروبية، خصوصاً في مجالات الطاقة المتجددة والموانئ والتصنيع البحري.كما ان تلك التسوية قد تتيح لأول مرة منذ عقود إعادة التواصل الطبيعي بين العائلات الموزعة بين المغرب وتندوف وموريتانيا.نعم، ان السلام بين المغرب والجزائر سيعيد الروح لفكرة “إنعاش اتحاد المغرب العربي”، ويسمح بتدفق البضائع ويفتح سوقاً تضم أكثر من 100 مليون نسمة. والولايات المتحدة الامريكية تراهن عبر هندستها لسلام جديد في منطقة المغرب العربي إلى إطلاق مشاريع اقتصادية مشتركة بين مغربنا الحبيب والجزائر و تمنع بذلك العودة إلى التوتر و تجعل الحل السياسي مرتبطاً بالرفاه الاجتماعي والأمن الاقتصادي. كما أن الأحاديث المتزايدة عن “الصحراء الشرقية” ليست دعوة لصدام حدودي، بل انعكاس لمطالب اجتماعية وتاريخية ترتبط بروابط قبَلية وثقافية تعود لقرون بين مناطق مثل تندوف وبشار وتيدكلت ومملكتنا الشريفة.و بما أنه من المنظور الاجتماعي، توجد قبائل ذات امتداد مغربي تاريخي في تلك المناطق، فإن العلاقات التجارية القديمة بين فاس وتمبكتو كانت تمر عبر هذه النقطة الجغرافية و سكان المنطقة أنفسهم يتقاسمون ثقافة ولهجة وتاريخاً مشتركاً مع الشرق المغربي. و من جانب منظور سياسي واقعي، فإن المغرب يتعامل مع الملف بمنظور تدريجي و تأكيد صريح على حقوقه التاريخية و المطالبة بتوثيق الإرث المشترك عبر تعزيز التعاون الحدودي والمشاريع الاقتصادية دون اللجوء لأي طرح صدامي أو تغييري للحدود على الأقل في الوقت الراهن.إن التسوية المرتقبة للصحراء المغربية يمكن أن تكون اللبنة الأولى لبناء مرحلة جديدة في المغرب العربي تقوم على:- حرية الحركة والتجارة- مشاريع طاقة مشتركة- أمن حدودي متكامل- إعادة إدماج القبائل والمكونات الاجتماعية التي فرّقتها السياسة. وبذلك يصبح ملف الصحراء الشرقية امتداداً طبيعياً لإعادة الروابط التاريخية، لا مشروعاً صدامياً.و الحاقا بهذا الموضوع، أود القول على إثر نشري لمقال تحليلي، تعرض حسابي منذ أكثر من شهرين لهجمات من حسابات أغلبها مزيفة، و أظنها محسوبة على الجارة الشرقية التي حشرها الله أمامنا جغرافيا: حسابات هاجمتني وبشدة بدل أن تناقش وتصفني بالمروكي الحاقد. ولهذا، ارتايت أن أوضح سبب غضبي الذي يبقى رد فعل طبيعي على سياسات النظام الجزائري وليس حقداً مني على أحد. لقد استعملت في كتاباتي مصطلح الدزايرية كما يصفنا الرئيس الجزائري ب” المراركة” و يصف مغربنا الحبيب بـ“بلد المروك”. اقول جازما وطبقا لمعطيات تاريخيةً أن مملكتنا الشريفة دعمت استقلال الجزائر و آوت جيش تحريرها ولم يعترض قادتها حينها على استرجاعنا للأراضي الشرقية. لكن بعد الاستقلال، رفضت الاعتراف بحقوق مغربنا الترابية مما أدى إلى اندلاع حرب الرمال سنة 1963.و منذ ذلك الوقت، لم تتوقف المناورات ضد المغرب: دعم جبهة انفصالية، طرد 350 ألف مغربي يوم عيد الأضحى، محاولات زعزعة النظام المغربي، وتمويل حملات معادية في الخارج. ومع وصول تبون وشنقريحة، ازدادت العداوة، وأغلقت الجزائر الأجواء و منعت سريان الغاز عبر تراب مملكتنا، وتشنّ إعلامياً حرباً مستمرة بلا هوادة على المغرب و علينا كمححللين مغاربة.كل هذه السياسات تهدف إلى إضعاف المغرب ومنعه من تأكيد وحدته الترابية، رغم أن الصحراء الشرقية تاريخياً مغربية قبل الاستعمار. وعليه، فمن الطبيعي أن يرد المغاربة على الإهانات والحملات المعادية لسياستنا ورموز دولتنا. أما تحالف المغرب مع دول تدعمه، فسببه الدفاع عن مصالحه أمام جارٍ يستعمل كل قواه لعرقلته.وكما نقول: “السن بالسن والعين بالعين، والبادئ أظلم.”وختاما، أقول، إن التسوية الأميركية-الأممية للصحراء المغربية ليست مجرد مسار تفاوضي، بل تحول اجتماعي واسع قد يُعيد تشكيل المغرب العربي سياسياً واقتصادياً. وبينما يتطلّع المغرب لتعزيز استقراره واستكمال وحدته الترابية، فإن النقاش المتجدد حول الصحراء الشرقية يعكس رغبة مجتمعية في استعادة الروابط التاريخية، ضمن رؤية سلمية ومتدرجة تحترم التوازنات الإقليمية و تكون بداية مغرب عربي جديد يقوده الاستقرار الاقتصادي بدل الصراع، والتكامل الاجتماعي بدل الحدود المغلقة



