كلمات* .. في صهينة الشرعية

*من اختلاق التاريخ إلى صهينة العقيدة*
أحمد ويحمان
لم يعد التطبيع في المغرب مجرد اختراق سياسي أو اقتصادي أو أمني، كما كان يُروَّج له في بداياته، بل انتقل – في صيغته الأحدث والأخطر – إلى استهداف جوهر الهوية، وقلب الشرعية، والأسس العقدية والرمزية التي يقوم عليها الكيان التاريخي للدولة المغربية. فنحن اليوم لسنا فقط أمام محاولات لإعادة كتابة التاريخ، بل أمام مشروع متكامل لإعادة تعريف الدين، وإعادة تأويل الرموز، وإعادة هندسة الشرعية من خارج مرجعيتها الإسلامية والوطنية، في أفق تهويدها وصهينتها . فمنذ سنة 2013، حين خرج غلاف مجلة “زمان” بعنوان : *“المغرب… أرض يهودية”* ، قُدِّم الأمر باعتباره “جرأة تاريخية” أو “قراءة مغايرة للذاكرة”. لكن بعد عشر سنوات من اشتغال الأجندة، وفي أكتوبر 2023، صدر غلاف أخطر لمجلة “حقائق مغربية” بعنوان : *“المغرب… المملكة المقدسة لبني إسرائيل”.* . نحن هنا أمام انتقال نوعي بالغ الدلالة : من توصيف تاريخي مزعوم، إلى توصيف ديني–سيادي مباشر، يؤسس لشرعية توراتية بديلة تُدرج المغرب داخل مخيال “الأرض الموعودة” و“القداسة النبوية الصهيونية”. إن هذا الانزلاق الإعلامي لم يأتِ معزولًا عن مسار التطبيع الرسمي، ولا عن تمدد الشبكات التطبيعية داخل الحقل الثقافي والإعلامي، بل يُمثّل إحدى أدوات الهندسة الرمزية الجديدة للوعي الجمعي . ولم يتوقف الأمر عند “تهويد الأرض”، بل بلغ ذروة غير مسبوقة حين جرى – في سياق زيارة إلى ما يسمى “متحف أصدقاء صهيون” خلال ذروة الإبادة في غزة – تداول تصريح يُنسب فيه المشروع الصهيوني إلى سيدنا محمد ﷺ. !!! وهنا لا نتحدث عن “زلة لسان”، بل عن وظيفة خطيرة داخل النسق : إدماج الإسلام نفسه داخل السردية الصهيونية الكبرى، وتقديم الرسالات باعتبارها امتدادًا عضويا لمشروع “إسرائيل الكبرى”. وهو أخطر أشكال التزييف : تزييف النبوة لتخدم الاستعمار . وفي السياق نفسه، جرى الترويج لادعاءات تطعن في النسب النبوي للمؤسسة الملكية، وتزعم أن ملك المغرب وأسرته “يهود” !!! وهنا لا يكون الاستهداف شخصيًا، بل رمزيًا–سياديًا مباشرًا، يضرب أحد أعمدة الشرعية التاريخية للمغرب : إمارة المؤمنين، والبيعة، والوظيفة الدينية التحكيمية للدولة، كما تقدم في الخطاب السياسي وفي الدستور المغربي . غير أن الأخطر من التصريحات المعزولة، هو حين ينتقل هذا المسار إلى مستوى المبادرات والمؤسسات، كما في محاولة تهويد وصهينة مفهوم “إمارة المؤمنين” تحت عناوين مؤسساتية ملتبسة، لها ارتباطات معلنة أو متداولة مع دوائر ماسونية وتطبيعية وصهيونية، في ما يؤكد انتقال الأجندة من الاختراق الرمزي إلى الاختراق السيادي المؤسساتي . ثم تأتي الطامة الكبرى حين يُروَّج – في بعض المنابر – أن كل ذلك يتم “بعلم ومباركة الملك”. ( تصريحي المدعوين أزهري وكادوش )وهذه ليست فقط مغالطة، بل استراتيجية تشويش سيادي خطيرة، تهدف إلى تحصين الاختراق من المحاسبة الشعبية، وزج المؤسسة الملكية قسرًا في معركة عقدية ورمزية لا تخدم استقرار الدولة ولا وحدتها. وهكذا، في الحصيلة النهائية، إذا جمعنا خيوط المشهد، فإننا أمام مسار متكامل:2013 : “المغرب أرض يهودية” .2023 : “المغرب مملكة لبني إسرائيل” .2024–2025 : صهينة الرسول ﷺ نزع النسب النبوي وتهويد وصهينة إمارة المؤمنين .. وتسويق كل ذلك تحت عناوين ” التعايش والشراكة ” و “التسامح والانفتاح” . فنحن إذن أمام مشروع إحلال هوياتي شامل، ليس آخره ما يسمى “قرآن بورغواطة ” و” نبينا نحن الأمازيغ” على حد تعبير البورغواطيين الجدد ؟! مشروع إحلال هوياتي لا يكتفي بتطبيع العلاقات، بل يسعى إلى : تفريغ الإسلام من معناه المقاوم، وتفريغ مفهوم “إمارة المؤمنين” من جذورها السنية التاريخية – بعض النظر عن كل النقاشات بشأنها – وإدخال المغرب في خريطة “القداسة التوراتية” بدل السيادة الوطنية الإسلامية.
*آخر الكلام*
ما يجري اليوم ليس تطبيعًا عاديا، بل نقلٌ للصراع إلى قلب العقيدة والشرعية. وهذا أخطر مراحل الاختراق على الإطلاق. فحين تُستهدف الأرض يمكن تحريرها، وحين يُزوَّر التاريخ يمكن تفكيكه، لكن حين تُستهدف النبوة، و”إمارة المؤمنين”، والشرعية الرمزية للدولة، فنحن أمام معركة وجود وهوية… لا تقبل الحياد .
———————-
× باحث في علم الاجتماع ، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع





