فضاء الخبراء

قراءة نقدية: عيد الأضحى كمختبر رمزي لتنازع الشرعيات

قراءة نقدية: عيد الأضحى كمختبر رمزي لتنازع الشرعيات

رغم المناشدة العلنية من أعلى هرم السلطة — التي حملت نبرة أبوية ووجدانية تحث على الامتناع عن ذبح الأضاحي حفاظًا على القطيع الوطني واستدامة السلالة الحيوانية — إلا أن الواقع يشهد تفشيًا موازيا لحملات الشراء السري التي يُنتظر أن تتبعها موجات ذبح سري بعيدًا عن أعين السلطات، في تعبير رمزي عن عصيان شعبي مقنّع تحكمه تمثلات الهُوية والمكانة الاجتماعية، لا اعتبارات الأمن الغذائي أو الاستجابة العقلانية للخطاب الرسمي.وإن هذا السلوك يطرح تساؤلات جوهرية:

1. هل ما زال للإهابة الملكية وزنها الرمزي القادر على الضبط والتوجيه؟

2. هل تمثل الشعبوية الدينية والاجتماعية سلطة أقوى من الدولة في لحظات التعبئة الرمزية؟

3. ألا تكشف هذه الظاهرة عن حدود فعالية السردية المؤسساتية، حتى حين تصدر من قمة الهرم؟

4. كيف يتمثل المواطن المغربي مفهوم “المصلحة العامة” حين يصطدم بالواجب الديني أو التقاليد الاجتماعية؟مما يفرض تأويلا نقديا في هذا السياق ، فنحن إزاء سردية مزدوجة للفعل والامتناع: المؤسسة تدعو للفعل العقلاني والتضحية الآجلة (الحفاظ على السلالة)، فيما المجتمع يستجيب لسردية التضحية الفورية المتجذرة في مخياله (التضحية كبرهان للكرم والرجولة والوفاء لله).

وهكذا، يُنتج العيد انفصامًا بين الدولة والمجتمع، حيث يبدو كل نداء رسمي مهددًا بالفقدان التدريجي لقوته الإلزامية، ما لم يُرفق بتحول ثقافي وتربوي عميق

1. تجتهد شرعية الدولة ( الملكية – العقلانية ) في تأطير سلوك المجتمع عبر خطابات تمزج بين الدين والمصلحة العامة، كما في نداء هذا العام حول الامتناع عن الذبح حفاظًا على القطيع.

2. وتروج شرعية الإسلام السياسي – العاطفية – التمثلات المحافظة لمفاهيم تُضفي قداسة على العيد بوصفه فريضة لا تقبل التأجيل، وتُدين من يفرّط فيه، مما يعزز الشعور بالذنب والضغط الاجتماعي لدى الفئات الهشة.

3. اما شرعية العرف الشعبي ( النمطية الاجتماعية – التباهي الطبقي ) وهي الأشد رسوخًا، حيث تتحكم في سلوك الأفراد من خلال منطق “ماشي راجل لي ما يضحيش”، ما يجعل حتى دعوة الدولة تُفهم أحيانًا كتقييد للكرامة أو تهديد للهوية.والنتيجة أن الدولة لا تواجه فقط عصيانًا اقتصاديًا أو فرديًا، بل تواجه سرديات مضادة تستند إلى شرعيات عاطفية، دينية، رمزية تتجاوز الأدوات المؤسساتية. وبذلك فالإسلام السياسي، رغم التراجع التنظيمي، ما زال فاعلًا سرديًا، حاضرًا في وجدان فئات واسعة، يُنافس السلطة على تأويل الشرع والمصلحة.ولذلك فإن التحدي الحقيقي ، ليس مجرد ضبط سلوك المواطنين في عيد الأضحى، بل تحقيق توافق سردي بين الدولة والمجتمع، من خلال:* إعادة تأهيل الخطاب الديني الرسمي ليكون مقنعًا وجدانيًا لا إداريًا فقط؛* بلورة سردية مواطِنة تجعل من المصلحة العامة فعلاً إيمانيًا ومسؤولية جماعية؛* وتفكيك تمثلات الرجولة والتديّن المرتبطة بالاستهلاك والعنف الرمزي.بهتان صوت التنوير والمواطنة أو حين تصمت الجبهة العقلانية : وفي خضم تنازع هذه السرديات حول عيد الأضحى، يلفت الانتباه غياب أو خفوت صوت أنصار التنوير والمواطنة – أولئك الذين يُفترض أن يُعيدوا تأطير الطقوس من منطلق مدني، بيئي، اجتماعي، يربط بين الحق الفردي والمسؤولية الجماعية. لكنهم إما تواروا خلف خطاب نقدوي سلبي، أو اكتفوا بمواقف نخبوية لا تصل إلى عمق المجتمع، ما جعلهم في موقع هامشي في لحظة كانت تستدعي تدخلًا تأطيريًا ووسيطًا بين الدولة والمجتمع.وإن هذا الغياب فتح المجال لهيمنة السرديات الشعبوية، كما أضعف قدرة الدولة على ترجمة نداءاتها إلى ممارسات جماعية. والنتيجة أن الدين بقي في يد التقليد، والسلطة بقيت بلا جسر مدني، ما عمق التباعد بدل ردمه.وهنا يمكن توسيع مجال الإستفهام بإثارة عوامل أهرى منها :

* ضعف الإعلام العمومي في تأطير النقاش؛* غياب النقابات والجمعيات من النقاش العمومي حول عيد الأضحى؛

* الحاجة إلى “وسائط سردية” جديدة تُمكِّن من إعادة التوازن الرمزي.*

مصطفى المنوزي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID