حيمري البشير

حياة السجناء في ألمانيا تحت المجهر

تعدُّ هذه الحكاية شهادةً على مقاومة فكرية وأدبية داخل جدران السجون. إنها حكاية كتيب صغير، لكن تأثيره كان كبيرًا، فقد تم حظره في العديد من السجون الألمانية. هذا الكتيب، الذي أصدرته مجموعة من الكتاب، يحمل عنوان “طرق تعبر السجن”. إنه ليس مجرد دليل تقليدي، بل هو مصدر إرشادي قيم للسجناء وعائلاتهم، يهدف إلى مساعدة السجناء في التغلب على مصاعب حياتهم اليومية داخل السجون، ويعرفهم بحقوقهم ويوضح لهم كيفية الدفاع عنها.

الكاتب والناشط الألماني جانكو إغيلينغ معروف بمواقفه الجريئة ضد النظام السجني، حيث يعبر عن رفضه التام للسجون باعتبارها أداة قمع اجتماعي. إغيلينغ، الذي شارك في تأليف هذا الكتيب، يُعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات في الساحة الألمانية التي تُدافع عن حقوق السجناء، وتُسلط الضوء على الظروف القاسية التي يمرون بها داخل السجون. بفضل عمله هذا، أصبح الكتيب مرجعًا مهمًا في توثيق الحياة في السجون، والتأكيد على حقوق السجناء التي غالبًا ما يتم تجاهلها.

“طرق تعبر السجن” هو أكثر من مجرد كتاب، إنه خريطة طريق للسجناء لتجاوز الصعاب التي يواجهونها في نظام السجون. يتناول الكتاب بشكل شامل كل ما يتعلق بالحياة داخل السجن، من حقوق السجناء إلى الخدمات الصحية التي يتلقونها، وصولًا إلى كيفية الحصول على المساعدة القانونية. لكن ما يثير الجدل في هذا الكتاب هو أنه تعرض للحظر في العديد من السجون الألمانية، مما يطرح تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الحظر.

في حديثه مع صحيفة “التاتس”، أوضح جانكو إغيلينغ أن الكتاب لم يُحظر بشكل كامل، بل تم منعه في العديد من السجون. السبب، كما يراه إغيلينغ، هو أن الكتاب يزود السجناء بأدوات تمكين تساعدهم على الدفاع عن حقوقهم. كما يطرح الكتاب قضايا مثيرة للجدل، مثل حقوق المسلمات في الحصول على طعام حلال داخل السجون، وهو ما يعتبره البعض تهديدًا للنظام السجني. إغيلينغ يفسر أن الهدف من الكتاب هو تعليم السجناء حقوقهم، وحثهم على الاعتراض على القوانين التي تحد منها. هذا يُعتبر من قبل بعض المسؤولين بمثابة تحدٍ لسلطة السجون، ما يجعل الكتاب يُنظر إليه كأداة تهديد للنظام القائم.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: الجزء الأول ويناقش هيكل النظام السجني الألماني ويقدم نصائح تفصيلية حول الحياة اليومية داخل السجن، بدءًا من اللحظة التي يتم فيها الاعتقال، وصولًا إلى الاختلافات بين الحبس الاحتياطي والحبس الجزائي. كما يشرح الفرص المتاحة للتدريب والتعليم داخل السجن.

ويعرض الجزء الثاني الجوانب الصحية والطبية في السجون، مع التركيز على كيفية التعامل مع الأمراض الشائعة، وخصوصًا تلك التي تواجه النساء داخل السجون. كما يوضح الكتاب كيفية التعامل مع حالات الطوارئ الصحية.

أما الجزء الثالث فهو مخصص فصلاً كاملاً للمساعدة القانونية المتاحة للسجناء، بدءًا من التعامل مع القضاء، وصولًا إلى كيفية تقديم الطعون القانونية والنزاع حول الحقوق.

بدأ العمل على الكتاب في عام 2011 بعد أن اكتشف فريق التحرير كتابًا قديمًا يعود إلى الثمانينات بعنوان “دليل السجناء”. كان الهدف هو تحديثه وإضافة معلومات أكثر حداثة. على الرغم من أن الكتاب استلهم من تجارب السجناء السابقين، إلا أن الإصدار الحديث يتعامل مع العديد من القضايا التي لم يكن الكتاب القديم يتطرق إليها، مثل حقوق المتحولين جنسيًا وظروف النساء داخل السجون.

ومع تطور الأوضاع داخل السجون، كان لا بد من تحديث الكتاب بشكل دوري، خاصة فيما يتعلق بالتغيرات في حقوق السجناء غير الحاملين للجوازات الألمانية. كما أُضيف فصل خاص حول النساء في السجون، رغم أن قضايا السجناء من الجنسين تتشابه إلى حد كبير في العديد من النقاط.

من أجل تمويل الكتاب، اعتمد جانكو وفريق التحرير في البداية على تنظيم حفلات تضامنية وحملات دعم. اليوم، يتم تمويل الكتاب بشكل رئيسي من خلال مبيعاته، بالإضافة إلى مساهمات التضامن الخاصة التي تغطي تكاليف الشحن. الكتاب يُقدم مجانًا للسجناء، وقد شهد زيادة في الطلب عليه، رغم الحظر المفروض في بعض السجون.

في الطبعة الأولى من الكتاب، استقبل الفريق حوالي 50 إلى 60 طلبًا أسبوعيًا من السجناء. أما في الطبعة الجديدة، فقد انخفض الرقم إلى حوالي 10 إلى 15 طلبًا في الشهر، لكن الطلب ما زال مستمرًا بشكل متزايد.

إغيلينغ يرى أن السجون هي جزء من بنية اجتماعية غير عادلة، وأنها لا تساهم في بناء مجتمع أفضل. في نظره، العديد من الجرائم التي يرتكبها الأفراد هي جرائم فقر، وينتمي معظم السجناء إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة. لذا، يُعتقد أن الحل يكمن في بناء مجتمع لا يعتمد على العقوبات السجنية، بل على معالجة الأسباب الجذرية للجريمة.

رغم الانتشار المحدود للكتاب في الوقت الحالي، فإن جانكو وفريقه يطمحون لترجمته إلى عدة لغات لتوسيع دائرة الاستفادة منه. على الرغم من التحديات المتمثلة في تكاليف الترجمة، فإن هناك خططًا لترجمة الكتاب إلى الروسية، التركية، البولندية، والعربية، بهدف الوصول إلى أكبر عدد من السجناء الذين قد يحتاجون لهذه المعلومات القيمة.

من خلال “طرق تعبر السجن”، لا يقتصر دور جانكو إغيلينغ على كونه كاتبًا فقط، بل هو ناشط اجتماعي ينادي بضرورة التغيير الجذري في نظام السجون. الكتاب ليس مجرد دليل تقني للسجناء، بل هو دعوة عميقة للتفكير في كيفية معاملة السجناء وفي نظام سجني يُعتبر جزءًا من بنية اجتماعية عفا عليها الزمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID