بقلم د ادريس الفينة
بعد التصريح المثير لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، الذي وصف فيه بلدي بالعلماني. والذي خلق جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. فهل بلدي فعلاً علماني؟ للإجابة على هذا السؤال، حاورت صديقي سقراط:إدريس: يا سقراط الأبدي ، جئت إليك بسؤال يشغلني بشدة هذه الأيام : هل يمكن اعتبار بلدي علمانياً؟سقراط: قبل أن أجيبك، دعنا نتفق على أمر: ما الذي تعنيه بالعلمانية؟إدريس: العلمانية، كما أفهمها، هي فصل الدين عن الدولة، بحيث تكون القوانين والسياسات مستقلة عن التعاليم الدينية، مع ضمان حرية الأديان للجميع.سقراط: مفهوم جميل. إذن، دعنا نسأل: هل قوانين المغرب وسياساته تخضع للدين أم أنها مستقلة عنه؟إدريس: المغرب دستورياً يُعرّف نفسه كدولة إسلامية. الملك يحمل لقب “أمير المؤمنين”، وهو ليس فقط قائداً سياسياً بل أيضاً قائداً دينياً. هذا يجعل الدين في قلب النظام السياسي.سقراط: إذن، يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين الدين والدولة في المغرب. ولكن، هل يعني هذا بالضرورة أن الدولة تفرض الإسلام على كل جوانب الحياة؟ أم أنها تسمح ببعض الاستقلالية؟إدريس: هذا سؤال مثير. في الحقيقة، القوانين المغربية تنقسم بين قوانين مستمدة من الشريعة، مثل قوانين الأحوال الشخصية، وأخرى مدنية مستوحاة من الأنظمة القانونية الغربية، خاصة في الجوانب التجارية والإدارية.سقراط: يبدو إذن أن هناك نوعاً من الازدواجية. ولكن هل هذه الازدواجية تعني أن المغرب يتبنى العلمانية جزئياً؟ أم أنها مجرد استجابة للحداثة دون التخلي عن جذوره الدينية؟إدريس: أظن أنها استجابة لضرورات العصر. المغرب يسعى للحفاظ على هويته الإسلامية وفي الوقت نفسه يسعى للاندماج في العالم الحديث. لكن الدين يبقى حاضراً بقوة في التعليم، الحياة العامة، وحتى في الخطاب السياسي.سقراط: وهل يُسمح بحرية الفكر والمعتقد بشكل كامل؟ أم أن هناك قيوداً؟إدريس: حرية المعتقد مكفولة دستورياً، ولكنها محدودة. اليهود والمسيحيون يمارسون شعائرهم بحرية، لكن التحول من الإسلام إلى ديانة أخرى أو الترويج للإلحاد يظل أمراً حساساً.سقراط: إذاً، المغرب ليس علمانياً بالمعنى الكامل. ومع ذلك، يبدو أنه يحاول تحقيق توازن بين التقاليد والحداثة. ولكن أخبرني: كيف يرى المجتمع المغربي هذه القضايا؟إدريس: المجتمع المغربي متعدد الطبقات، وهناك تفاوت بين المدن الكبرى ذات الطابع الحديث والمناطق الريفية الأكثر تقليدية. النقاش حول العلمانية يظل محدوداً، وغالباً ما يرتبط بقضايا مثل المساواة بين الجنسين، الحريات الفردية، وحرية التعبير.سقراط: إذن، دعني أسألك: ما هي العوائق التي تمنع المغرب من أن يصبح دولة علمانية بالكامل؟إدريس: أعتقد أن العائق الأكبر هو أن الدين في المغرب ليس مجرد معتقد، بل هو جزء أساسي من الهوية الوطنية والثقافية. التخلي عن هذا الدور يعني إعادة تعريف جوهر الدولة، وهو أمر معقد وشائك.سقراط: ومن وجهة نظرك، هل هناك فوائد أو مخاطر لتحول المغرب إلى العلمانية؟إدريس: العلمانية قد توفر حيادية أكبر للدولة وتوسع الحريات الفردية، لكنها قد تواجه مقاومة قوية من المجتمع وتثير مخاوف من فقدان الهوية. الحفاظ على التوازن الحالي ربما يكون الخيار الأكثر واقعية في الوقت الراهن.سقراط: إذن، يبدو أن المغرب يعيش تجربة فريدة، حيث يحاول الجمع بين الأصالة والمعاصرة. لا هو علماني بالكامل ولا هو دولة دينية تقليدية.إدريس: نعم، وهذا ما يجعل النموذج المغربي مثيراً للاهتمام، ولكنه أيضاً يثير تساؤلات حول مستقبله.سقراط: في النهاية، يا إدريس، العلمانية ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق العدالة والحرية. ما يهم حقاً هو أن يجد المجتمع المغربي طريقه الخاص لتحقيق التوازن بين دينه وهويته وتطلعاته المستقبلية.إدريس: شكراً لك، سقراط. لقد منحتني الكثير لأفكر فيه.