حيمري البشيرمأساة إنسانية

رحل العزيز وأخذ كل شيئ معه

كان يوم ولادته رحيما بأمه التي أخرجته للوجود .خرج إلى هذا العالم في أرقى مستشفى في العاصمة الدنماركية كوبنهاكن في الطابق الخامس .لازلت أتذكر يوم ولادته بعملية قيصرية .خرج للوجود وهو مبتسما لعالم جديد .ليبدأ رحلة الحياة،وسط حي هادئ بعيدا عن الأحياء التي تعرف صخبا وأحداثا تسيئ لصورة العرب والمسلمين.تربى في بيئة هادئة ،ودخل دور الحضانة مع أغلبية دنماركية كان الوحيد الطفل المغربي مع فتاة باكستانية أصبحت اليوم طبيبة مختصة في الأمراض الجلدية .كانت علاقة نضال والفتاة الباكستانية يطبعها الإحترام والتقدير منذ الصغر لأن عقيدتهما الإسلام .كانت أمه في الغالب تصحب معها الفتاة الباكستانية من الروض.ونفس الشيئ تقوم به أمها.فكانت علاقة الجيران وطيدة رغم بعد المغرب عن باكستان ولكن الدين قرب بينهما .لازلت أتذكر آخر مرة طلبت منا الفتاة الباكستانية الطبيبة مساعدتها على إنزال بعض الأثاث من السيارة فكان نضال بالبيت ولبينا معا رغبتها فلاحظ العزيز ثقل المهمة فأبى إلا أن يتحمل كل المشاق ،وينهي المهمة .كانت الطبيبة تقدر نضال تقديرا قد تكشف من وراء ذلك شيئ آخر ،بل إعجاب بشخصيته وثقافته ،وصدق احترامه للعائلة،هكذا لاحظته ،وهكذا عرفته ،كنت ألاحظ هذا على ملامح وجهها المشرق ،علامة التقدير والإحترام للعائلة،كانت دائما تسأل عن العائلة وتحفظ عن ظهر قلب أسماء الذكور الثلاثة لأولادي ونفس الشيئ تحفظ زوجتي أسماء أخوات فازلة الثلاثة وهي أسماء باكستانية ،عن ظهر قلب .كانت فيهن المهندسة والطبيبة والتي لم تسمح لها الظروف في متابعة دراستها ،فكانت مهمتها أن تبقى بجانب والدتها التي كانت تعاني من مضاعفات عديدة .علاقتنا بالأسرة تتجدد كل مناسبة دينية .فكانت زوجتي تفاجؤهم بحلويات مغربية ،ويفاجؤوننا بالمثل .لن أنسى آخر أيامك أيها العزيز الودود،الذي فقد طعم الحياة وكان شديد التأثر كلما رحل أحد يعرفه ،وكان متابع شغوف بقراءة الصحف وفي العديد من الأحيان يفتح معي نقاشا حول مواقف بعض الأحزاب السياسية الدنماركية حول المهاجرين ،ويشطاط غضبا عندما يستمع لبعض السياسيين الدنماركيين الذين يعتبرون الجيل الثاني والثالث والرابع مهاجرون مثل آبائهم ،كان يتلذذ بتوجيه انتقاداته اللاذعة للحزب الشعبي العنصري وزعيمته ،بيا كان مولعا بالاستماع للشاعر الفلسطيني يحي حسن الذي مات في ظروف غامضة في سن الرابعة والعشرين من عمره ،وتشاء الأقدار أن يغادر نضال الحياة في نفس السن .في الخامس والعشرون يونيو سنة 1996 خرج إلى الوجود وفي الواحد والثلاثون غادر الدنيا من دون وداع وكان ذلك يوم جمعة ويوم عيد.رحل العزيز وترك مواقفه المتميزة اتجاه الفقراء من أبناء الوطن.هي بداية مذكرات عن إنسان طموح وكان حلمه كبير .سأعود للحديث بتفصيل عن شخصية فقدتها الأسرة وتركت جرحا عميقا .لكنه ترك في نفس الوقت مواقف إنسانية ،ستبقى في سجله التاريخي القصير.

حيمري البشير كوبنهاكن الدنمارك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube