قراءة فلسفية في التحفة السينمائية.. الرجل العجوز والمسدس
عبدالحي كريط
فيلم الرجل العجوز والمسدس The old man and the gunمن الروائع السينمائية التي ختم بها الممثل الأمريكي المخضرم روبرت ريدفورد مسيرته الفنية، التي إمتدت على مدار 59 عاما،
وقام روبرت ريدفورد ببطولة هذا الفيلم في سن الثانية والثمانين، وتراجع بعد عرض الفيلم عن قراره الاعتزال وهو منتج مشارك لهذا الفيلم، إلا إعلانه بنيته الاعتزال كان هو الطاغي، بالرغم من أنه ظهر لفترة وجيزة في فيلم “Avengers: Endgame” ( 2019)
ولروبرت أفلام وانتاجات سينمائية تعتبر من جواهر الفن السابع التي لازالت محفورة في ذاكرة المشاهد من مختلف الأجيال والثقافات وهي أفلام لا يمكن نسيانها في الذاكرة السينمائية العالمية مثل The Scream (1973) و The Three Days of the Condor (1975) و The President’s Men (1976) و Butch Cassidy and the Kid (1969) ) و Captain America: The Winter Soldier (2014)، All Is Lost (2013) Lions and Lambs (2007
الرجل العجوز والمسدس هو فيلم ذو طابع إجتماعي تأملي، يسبر أغوار سيكولوجية اللص السارق، وأنتج عام 2018 وهي ضمن الافلام التي أعتبرها أفضل إنتاجات هذا العقد الذي إتسم بالافلاس السينمائي نصا وكتابة.
ويتميز هذا الفيلم بقوة الإخراج وسلاسة السيناريو للمخرج وكاتب السيناريو ديفيد لويري ومستوحى من مقال في صحفية نيويوركر كتبه ديفيد غران.والذي ظهر لاحقًا في مجموعة من 12 مقالة بعنوان “الشيطان وشيرلوك”.
كما يتميز الفيلم بالعرض الواقعي لتطورات أحداث القصة التي تتخللها بعض المواقف الكوميدية، ويتميز أيضا بتطوير الشخصيات وتسلسل الأحداث بصورة سلسلة ومتناغمة تأخذك إلى أغوار شخوص القصة، إضافة إلى سحر الموسيقى التصويرية للفيلم بنكهة الموسيقى الكلاسيكية وتشبه نوعا ما سيمفونيات بيتهوفن ممزوجة بايقاعات غجرية لاتينية وخلقت أجواء ناعمة وحزينة
وهي من تلحين الموسيقي دانيال هارد.
يتميز الفيلم أيضا بقوة أداء الممثلين، وفي مقدمتهم بطلا الفيلم الممثل القدير روبرت ريدفورد والممثلة كيسي أفليك فاللغة السينمائية كانت قوية، كل شيء مختلف تمامًا عما اعتدنا عليه في الوقت الحاضر، مما يعزز الجانب السحري في هذا الفيلم.
الرجل العجوز والمسدس شخصية فورس توكر (روبرت ريدفورد) “هي قصة لعبة القط والفأر، أحد أنجح لصوص البنوك في القرن العشرين واصل أنشطته الخارجة عن القانون، وكان هاربا من عدة سجون، محطمًا للأرقام القياسية ونجح في الهروب ما لا يقل عن ستة عشر مرة خلال حياته.
المجرم واللص المحترف فوريست تاكر الذي فر من سجن سان كوينتين الواقع شمالي مدينة سان فرانسسكو بولاية كاليفورنيا، بجرأة تكاد تكون غير مسبوقة، حين كان في سن السبعين.
ويرتكب تاكر بعد ذلك سلسلة متواصلة من جرائم سرقة البنوك الجريئة، التي شكّلت تحدّيا لسلطات الأمن، كما استولت على اهتمام الجمهور الذي افتتن بهذه القضية، حيث يرتكب فوريست تاكر سرقات البنوك دون أن يُعرض أحدًا للأذى.
اللص تاكر رجل ذو أسلوب وسلوك ساحر لا يقاوم ، والمحقق جون هانت (كيسي أفليك) عازم على مطاردة حقيقية للرجل وشركائه، وهو غير قادر على مقاومة سحر السارق الملتزم والهادئ تمامًا بتجارته ويضع لها قواعد أخلاقية كانطية.
الشخصية الثانية الرئيسية هي المرأة جويل (سيسي سبيسك) التي أعجبت بشخصية توكر وأضحت تحبه على الرغم من معرفتها أنه لص محترف فقد وقعت في غرامه بسببه شخصيته الجذابة والهادئة والصريحة جدا. وكانت علاقتهما فيها حنان ودفء وإلى جانبهم ، هناك توم ويتس وداني غلوفر وجون ديفيد واشنطن وتيكا سامتر وهم من شخوص الفيلم الذي يعطيك من خلالهم شعورا تناقضيا عن فجوات الأجيال الزمنية، وتنتقل بك كأثير زمني في حقبة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
تركز قصة وأحداث الفيلم على الضربات الأخيرة لهذا اللص المحترف النهم غير القادر على الابتعاد عن السيارات، والمدمن على أدرينالين السرقات ومطاردته من قبل محقق عنيد جون هانت (كيسي أفليك).ويقود المحقق السري التحقيقات المتعلقة بمطاردة السجين الفار، وذلك إلى درجة تشغله عن أي قضايا أخرى.
ويركز فورست تاكر في عملياته لعدم استخدام المسدس، فلم يستطع موظفو البنوك الذين سرقهم تاكر إلا التأكيد على كيفية تصرف تاكر كرجل نبيل ودائمًا ما يكون مهذبا ومغريا، و يقوم الفيلم بنفس الشيء حيث راهن المخرج كل على الكاريزما الهادئة لممثليه وفي مقدمتهم روبرت ريدفورد.
ومايميز شخصية فورست تاكر هو صراعه الفكري النفسي الواقع بين ميزان التفكير المتعقل والتفكير العواقبي الذي نستعرضه الآن في كيفية وصف الجدوى.
في التفكير المتعقل، يحدد الفرد صانع القرار الجدوى بناءً على مصلحته الشخصية. أما في نوع التفكير الأخلاقي الذي نعرضه هنا، فيحدد صانع القرار الجدوى بناءً على إجمالي مصلحة الجميع، بحيث لا تطغى مصلحة أي فرد على مصلحة الآخر.
من المهم أخذ هذه التعقيدات في الحسبان بينما نواصل مناقشتنا لتجربة اللص توكر على الرغم من أن موقف الاختيار الذي يواجه فريق العجزة اللصوص الذي يتزعمهم توكر ، لا يتطلب منهم تأمل احتمالية أو جدوى أفضل ثاني أو ثالث نتيجة. فليس بوسعهم فعل أي شيء لتضمين تلك النتائج فالسعي وراء أفضل النتائج المتاحة وتعظيم الجدوى المتوقعة يتضح أنهما الشيء نفسه في هذه الشخصيات.
ومن هنا ندخل نحو نظرية أخلاق الواجب وهي نظرية أخلاقية تركز على المبادئ بدلًا من العواقب. وغالبا ما يشار لكانط بوصفه المناصر النموذجي لهذه النظرية، على الرغم من أن بعض دارسي فلسفة كانط يعتبرون هذا الوصف تبسيطًا مفرطًا لرؤيته.
هنا شخصية توكر رغم انه لص الا انه لص أنيق يسرق فقط من أجل إشباع رغباته النفسية دون أن يؤذي أحدا فهو مبدأ أخلاقي معكوس نحو محاكمة نظام دولة بأكمله جراء قوانين النظام الاقتصادي الرأسمالي.
ومن المعتقد أنّه من الناحية الفلسفية يجب الحكم على جميع الأعمال من خلال تأثيراتها، ولكن بما أنّ هذا أمر صعب وغير مؤكد ويستغرق وقتًا، إذن فمن المستحسن في الممارسة العملية إدانة بعض أنواع الأفعال والثناء على أخرى دون انتظار التحقيق في العواقب..
وهكذا اعتقد الفيلسوف برانتد راسل أنّه من الصواب عمومًا اتباع القواعد المفيدة بشكل عام، على الرغم من أنّ هذه قواعد عامة وقد تكون هناك ظروف يكون فيها من الصواب أو إلزامي كسرها.
ومع ذلك حتى أفضل القواعد الأخلاقية سيكون لها بعض الاستثناءات، حيث لا توجد فئة من الأفعال لها دائمًا نتائج سيئة أو جيدة، فالأخلاق البدائية تحدد أنماطًا معينة من السلوك للاستهجان أو المديح لأسباب ضائعة في الغموض الأنثروبولوجي.
وبهذا، يتبين أنه من وجهة نظر الفلسفة العواقبية فإن التصرف الأخلاقي السليم سوف ينتُج عنه نتائج حميدة. باختصار، فكرة العواقبية تمثلها المقولة الإنجليزية ،”الغاية تبرر الوسيلة”وهذا إنطبق على بطل الفيلم فورست تاكر.
ختاما فإن السبب الرئيسي للتوصية بمشاهدة هذا الفيلم هو بالضبط الممثل روبرت ريدفورد فإن حضوره الجذاب والناضج والمهيب يؤكد من جديد قناعتنا الراسخة بأن العمر لا علاقة له بالقدرة على الإبداع والإنتاج وملء الشاشة الكبيرة بالكامل.