فيسبوكياتمجتمع

تقاعد البرلمانيين‮: ‬ثمن للديموقراطية أم تعويض عن فقدان الشغل ‬ ؟

الاعلامي عبد الحميد جماهري

النقاش حول تقاعد البرلمانيين والوزراء،‮ ‬والجمع بين التعويضات،‮ ‬يكون سليما عندما تكون الأفكار سليمة وواضحة‮.. ‬التقسيم المانوي‮ ‬إلى ديموقراطية شعبوية،‮ ‬تريد أن تنزع من البرلماني‮ ‬تقاعده المريح‮ ‬والوزير نفس الشيء،
وإلى ديموقراطية سليمة،‮ ‬تحافظ له على تقاعده،‮ ‬ولو بمدة خمس سنوات فقط من الأداء،‮… ‬وتسمح له بالجمع بين تعويضات البرلمان ورئاسة الجماعة والوزارة،‮.. ‬
فيه كثير من السريالية‮..‬
لنتفق على مسلمتين اثنتين‭:‬‮ ‬الأولى،‮ ‬هي‮ ‬‭:‬‮ ‬أن الانتداب لمهمة ديموقراطية‮ ‬يتم بتطوع كبير،‮ ‬ومن أجل الدفاع عن فكرة ومشروع‮.. ‬والثانية،‮ ‬هي‮ ‬أن الديموقراطية لها ثمن‮!‬
في‮ ‬المسلمة الأولى،‮ ‬يقتضي‮ ‬المنطق أن نسلم بأن الذين‮ ‬يختارون دخول التنافس السياسي،‮ ‬يختارون فيه‮ ‬التطوعية والتضحية بالزمن ومنح جزء من الصحة له‮.. ‬عندما تكون الأشياء سليمة وواضحة ويحذوها الصالح العام‮.‬
والحديث عن‮ ‬العمل المجاني،‮ ‬أو‮ «‬البيليكي‮ ‬الدارج‮»»‬،‮ ‬أو الحديث أنه لا عمل‮ ‬يكون‮ »‬في‮ ‬سبيل الله‮«‬،‮ ‬هو نسف لأسس العمل المدني‮ ‬والتطوعي،‮ ‬ولمقومات الدفاع عن مشروع فكري‮ ‬ومجتمعي،يقتضي‮ ‬إثبات الجدارة العملية،‮ ‬وقبل كل ذاك،‮ ‬الجدارة الأخلاقية والتطوعية‮..‬
وعليه،‮ ‬فإن التساؤل الاستنكاري،‮ ‬الذي‮ ‬سمعناه عند مناقشة السادة البرلمانيين للقضية،‮ ‬عن‮ »‬برلمان‮ ‬يعمل بلا مقابل،‮ ‬وحكومة بلا مقابل،‮ ‬وعمال ومدراء وولاة‮ ‬وغيرهم‮» ‬،‮ ‬فيه الكثير من الالتباس المقصود،‮ ‬وإن كان أصحابه‮ ‬يرون أن الخطابة والتفوه السياسي‮ ‬يستدعيانه‮!.. ‬والحال أن الفرق شاسع بين من‮ ‬يقوم بمهمة بالتعيين،‮ ‬في‮ ‬سياق الولاة والعمال والقياد والباشوات،‮ ‬ومدراء المؤسسات الخ،‮ ‬والذين‮ ‬يتولون المسؤوليات بناء على سلم قيم مهني،‮ ‬وتسبقه المباراة المهنية،‮ ‬ويخضع لحق النظر الجماعي‮ ‬من باب تكافؤ الفرص والمساواة وغيرها من قيم الاختيار‮… ‬وبين السادة البرلمانيين والوزراء السياسيين‮..‬لا مقارنة‮ ‬‭?‬بتاتا‭-‬‮ ‬بين وزير وبين والي‮ ‬مثلا،‮ ‬ولا بين برلماني‮ ‬وبين مدير مؤسسة‮..‬على الأقل في‮ ‬حدود القوانين التنظيمية للتعيينات المتفرعة عن الدستور الحالي‮.‬
وهنا لن نضيف شيئا مما‮ ‬يعلمه البرلمانيون،‮ ‬ويعلمه السادة المتتبعون‮.. ‬ولا شك‮ ‬أن الخلط في‮ ‬المرافعة دفاعا عن تقاعدات وتعويضات المعاشات إلخ،‮ ‬هوغير منتج أو تكون له نتائج عكسية مما‮ ‬يتوقعه السادة المرافعون‮..‬
بالنسبة للمسلمة الثانية عن ثمن الديموقراطية‮.. ‬
وقبل أن‮ ‬يستقر النقاش في‮ ‬الديموقراطية المغربية عن التعويضات وتعويضات المعاشات تحديدا،‮ ‬كان السؤال الحقيقي،‮ ‬هو‭:‬‮ ‬هل سأبقى حيا إن دافعت عن الديموقراطية أم سأستشهد؟
هل سأبقى حرا أم سأسجن.؟
وكان عمق الإشكالية هو‮ ‬‭:‬‮ ‬من‮ ‬يعلق الجرس في‮ ‬عنق القط،‮ ‬حتى‮ ‬يتسنى للفئران أن تحتاط‮..‬
‮ ‬كان ثمن الديموقراطية‮ ‬غاليا‮ ‬،‮ ‬وكان دفعه‮ ‬يتم من طرف المناضل السياسي،من لحمه ودمه وزمانه وقوته واستقراره،‮ ‬وأحيانا كثيرة من عقله وصوابه‮..‬فكم منا جُنّ،‮ ‬وكم منا فقَدَ‮ ‬علاقته بالواقع؟‮..‬
‮ ‬ومن حسن الحظ،‮ ‬أن الديموقراطية عندما تنضج،‮ ‬وتصبح قائمة،‮ ‬تصبح هي‮ ‬التي‮ ‬تدفع للسياسي‮ ‬عن أدواره لكي‮ ‬تبقى قائمة وحية‮..‬
تحول دراماتيكي‮ ‬؟
أبدا‮..‬
إنه تحول في‮ ‬التشبه بالعالم‮..‬
‮ ‬فاليوم،‮ ‬صارت الديموقراطية هي‮ ‬التي‮ ‬تدفع الثمن للذين‮ ‬يتبنونها أو‮ ‬يريدونها‭.‬
إنها ربة العمل الذي‮ ‬تدفع لمن‮ ‬يدافع عنها أجرا‮ ..‬
‮ ‬نؤمن‮ ‬‭?‬بالفعل‭-‬‮ ‬إن للديموقراطية ثمنا‮..‬يؤديه المناضل الديموقراطي‮ ‬قبل أن تستقر الديموقراطية،‮ ‬وتؤديه الديموقراطية عندما‮ ‬ينتصر الديموقراطيون‮..‬
‮ ‬لكن في‮ ‬كلتا المسلمتين،‮ ‬هناك عمق حقيقي،‮ ‬وهو أن مهمة المنتدب،‮ ‬تكون لمدة الانتداب،‮ ‬ولايمكن لأي‮ ‬أحد أن‮ ‬ينال‮ ‬من مستحقاتها بعد أن‮ ‬يبتعد عنها‮: ‬
إن تعويض التقاعد ليس تعويضا عن فقدان العمل‮..‬
‮ ‬ولا أعتقد بأن لذلك تأثيرا كبيرا،‮ ‬على الحالة الوطنية ماديا،‮ ‬لكن في‮ ‬الجو العام للجمهور،‮ ‬فإن السياق‮ ‬يخلق المعنى‮..‬وكون البرلمانيين الذين‮ ‬يهاجمون‮ «‬شعبوية‮« ‬التخلي‮ ‬عن تعويضات المعاش،‮ ‬يناقشون وضعهم بعد نهاية الخدمة،‮ ‬بمقارنة أوضاعهم مع أوضاع زملاء لهم،‮ ‬هو نوع‮ ‬من التحريفية الممجوجة‮.‬
فإذا كان ولا بد من مقارنة،‮ ‬فيجب‮ ‬‭ ‬أن‮ ‬يقارنوا أوضاعهم مع من أعطاهم الشرعية لكي‮ ‬يكونوا برلمانيين،أي‮ ‬عموم المواطنين،‮ ‬وهل هم كلهم من الناس الذين‮ ‬يتجاوزونهم دخلا؟
فلا معنى وحقيقة ومجازا،‮ ‬أن تكون الديموقراطية ضمانة للتأمين على الحياة بعدها؟
فلا معنى و حقيقة ومجازا أن تكون الديموقراطية‮ ‬ضمانة للتامين على الحياة بعدها؟
ما هو المعنى ببساطة؟
ان التعويض الذي‮ ‬يتلقاه النائب البرلماني‮ ‬مبرر‮ ‬،‮ ‬عندما‮ ‬يؤدي‮ ‬مهمته وطالما هو‮ ‬يؤديها،‮ ‬ولا مبرر له بعد ان‮ ‬ينتهي‮ ‬منها‮..‬
فالديموقراطية ليست منصبا إداريا،‮ ‬ولا وظيفة‮ ‬،‮ ‬بمعناها المهني‮ ‬بل هي‮ ‬مشروع واسلوب‮ ‬سوسيو‮- ‬فلسفي‮ ‬في‮ ‬حياة مجتمعما،‮ ‬ورؤيا للعالم المادي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬وطريقة في‮ ‬التعايش وليس العيش وحده‮!..‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube