فضاء القراءمقالات الرأي

عظماؤنا وعظماؤهم

عبد المجيد بن شاوية

مبروك اللقاء،
ردا على صديق لي بألمانيا، ساقه القدر للقاء بأحد الأعلام الفكرية الألمانية، على سبيل الرمزي لا غير، وقوفا على قبره متأملا ومسترجعا .. باحثا عن أمكنة وجود روادهم وعلمائهم ومفكريهم، وزائرا لفضاءات كانوا يرتادونها ولا زالت تحتفظ بأرواحهم بالرغم من غيابهم المادي المحسوس، هم في بروج سماواتهم الذهبية، حوذيو عربات التقدم والرقي الفكري والعلمي والثقافي والفلسفي والحضاري ببلدانهم، فليكن اللقاء بعظمائهم لسبر معالمهم وآثارهم.
تلك شعوب التقت بأعلامها في محطات كثيرة في الزمن الماضي حينما كانوا أحياء، وبقيت وفية للقاء بهم على الدوام، حتى من كان منهم مضطهدا أو ضحية فكرة ما أعادت له اعتباره الخاص في سماء الفكر والعلم وأقرت بأخطاء أجدادها.
أما نحن، فماذا عنا؟ هل التقينا بأحد عظمائنا أو بجلهم سواء في الماضي أو الحاضر؟ وماذا عن برامجنا مستقبلا في استحضار أرواحهم، قراءة، نقدا، إعادة بناء، استقراء، استنتاجا …. ؟ .
إننا حقا افتقدنا ونفتقد اللقاء بعظمائنا، سواء منهم الأوائل أو المتأخرين أو الحاضرين بين ظهرانينا، أمة بلا لقاء بصوفيي الفكر والعلم والمعرفة والعقل، أمة فارغة في كل مراحلها التاريخية، فلولا بعض المحطات التي تشفع لنا نحن لكنا في خبر كان، حين أراد عظماؤنا أن ينقشوا وينحتوا على الحجر أسماءهم بالرغم من الداء ( داء الجهل، الاستبداد، الطغيان، الاستعباد…) والأعداء ( أعداء العقل والفكر والفلسفة والرقي والتقدم … )، حتى الحجر يتشقق ليخرج منه الماء، ألم نصبح حجرا أصما، لما غيبنا عظماءنا وفلاسفتنا وعلماءنا ومثقفينا، شرايين وجودنا الرمزي والمادي على مر التاريخ، وبقي الأوباش، الذين يقبرون تاريخ شعوبنا ويمحون معالم حضارتها، ويقتلون الروح المقدسة لأعلامنا الجهابذة المترجمين للوجود الفعلي لها، يصولون ويجولون في ساحة معركة الطواحين الهوائية؟ ألم نعايش الآن العبث في كل وجهة، لا بوصلة تحدد اتجاهاتنا؟ كثير من الأسئلة تفاجئنا في علاقاتنا بعظمائنا، بأعلامنا، والفرق شاسع بيننا وبين من هم يتربعون على عروش عظمائهم.
لقد سرق منا العابثون بوجودنا كل الأحلام، أحلام عظمائنا، أحلام جهابذتنا، أحلام من أعتكف في محارب الفكر والعقل والفلسفة، لم يعد لنا إلا أحلام الكوابيس، ليل نهار، في كل حركاتنا وسكناتنا، نلهث وراء سراب كل موجات التقدم بأضغاث أحلامنا، أكثرنا من الاستمناء الحضاري بما يدعيه المارقون على جادة الصواب، وبشطحات أيديولوجيي الأيديولوجية المغرضة، وبنغمات المحدثين البائرة، الداعين إلى حداثة العهر الثقافي والفكري والسياسي، وأيديولوجية العولمة الفارغة من كل محتوى ضامن لتقدم ملموس، مهددة لمقومات الأوطان وروحانيات ما تبقى لنا من رمق الحضارة.
نحن أمة بلا أرواح مفكريها، ولا بسواعد عقلائها وحكمائها، يكفينا التسكع في مقابر من افتقدناهم وهم لا زالوا أحياء رغم كيد الكائدين، من دون صلوات على أرواحهم ولا قراءة السبع المثاني بإقدامنا على أمهات أفكارهم ومشاريعهم الفكرية، ولا أقدمنا على فتح نوافذ عقولنا لتتنفس الصعداء من جراء التكلس والصدأ اللذين أصابها بفعل التجاهل والنسيان من قبلنا، ومن جراء فحمات الليالي التي أطالها القائمون على طمس معالم الفكر والعلم والعقل، لتغتال العقول غدرا، ويجهز على أنفاسها وأرواحها، من دون رحمة ولا شفقة، لم يسلم عقلاؤنا السابقون من كيد وغدر وخيانة العابثين بكل أرواح الرمز والدلالة، سواء من جانب الشعوب أو من طرف الحاكمين والقيمين على الشأن العام العربي والإسلامي ولا المعاصرين حتى .
إنها المفارقة التي تؤرق وتتعس أرواح عظماءنا في السابق والآن معا، فطوبى لهم، وطوبى لمن يصلي عليهم ويدخل محاربهم ليعتنق ابتهالاتهم وعشقهم الصوفي وشغفهم7 الروحي النوراني العقلي والفكري والعلمي والفلسفي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube