مستجداتمقالات الرأي

المغرب في قلب طريق الحرير

..منعم وحتي

طريق الحرير.. كان مهدا لحضارة الشرق، ومُلْهِما للعمران والتجارة والفنون والتبادل الثقافي واللغوي..، كانت بداياته الأولى منذ القرن الثاني قبل الميلاد، حيث اعتُمِدَ خلال فترة حكم سلالة الهان للصين، فقد شقوا طريقا بريا لمرور تجارة الحرير، مع دول الشمال والجنوب. ومع تنامي الزخم التجاري والاقتصادي، تطور هذا الخط إلى تفرعات لوجستيكية ضخمة، تجاوزت القوافل الكلاسيكية، إلى مستوى أكثر تقدما ابتداء من القرن السادس عشر، تجاوز الطرق البرية للدول المحيطة بالصين، ليشمل خطوط السكك الحديدية والخطوط البحرية التي رفعت مكانة عدة موانئ عبر العالم، كممرات تجارية للحرير والتوابل والبخور والمعادن والورق،…

كان للصين منذ قرون، طموح لأن تشكل قطبا عالميا للتجارة البينية، برفع درجة التبادل الاقتصادي مع شعوب العالم، بغض النظر عن هوية وخصوصية هاته الشعوب وتوجهات حكوماتها، لهذا فقد توسع خط الحرير التجاري، ليصل إلى الموانئ الإيطالية عبر روسيا وأوروبا الشرقية، ليصبح ميناء البندقية محطة انفتاح صيني على البحر الأبيض المتوسط وكل موانئه، إحياءً للنموذج الفينيقي في التبادل الحضاري والتجاري. لم يكن هذا الخط الحريري الصينيُّ الوحيدَ، بل كانت قلاع وأسواق وموانئ سوريا والعراق والخليج، ممرات مركزية للتجارة الصينية عبر بلاد فارس والهند، ومن ثمة إلى مصر وشمال إفريقيا..

مع احتدام الصراع العالمي حول الأسواق والموارد المعدنية والطاقية، وتطورات الأزمة الاقتصادية العالمية التي كان أقطابها: أمريكا، أوربا، روسيا والصين، في محاولة كل طرف للتحكم في السيولة المالية للعملة الصعبة وموارد الطاقة والطرق التجارية، منذ نهاية التسعينات وبداية القرن 21، تنبهت الصين إلى ضرورة الارتكاز على نقط قوتها القديمة، بالسيطرة على قنوات اللوجستيك العالمية، بالاستناد على طريق الحرير القديم، وبعث الروح فيه تحت تسمية جديدة “الحزام والطريق”، وقد كانت الخطوات الأولى لتحيين هذا المشروع الضخم مع الرئيس الصيني شي جين بينغ سنة 2013، ولم تطلقه الحكومة الصينية رسمياً إلا في مارس 2015، وشمل 70 دولة، في اتجاه تصور تشاركي حديث مع كل الدول التي كان يمر بها طريق الحرير القديم. إلا أن الرؤية الصينية الجديدة ترمي لبناء حزام اقتصادي لطريق قوي ومتشابك ومتكافئ للقرن الحادي والعشرين، ويشمل كل الموارد والطرق الحيوية: أنابيب النفط والغاز الطبيعي، شبكات الطرق والسكك الحديدية، خطوط الأنترنت والطاقة الكهربائية، الموانئ التجارية والصناعية، المدن الذكية والاستثمار في التكنولوجيا العالية، التكوينات العلمية للطاقات البشرية وتأهيلها خدمة لهذا المشروع الضخم،..

إن التحولات الإقليمية والدولية التي تحيط بالمغرب، والتي زادت وتيرتها مع الأزمة الصحية العالمية لكورونا، تجعل المغرب في قلب هاته التحولات، من ناحية موقعه الجغرافي كممر متوسطي بحري وبري أساسي بين أوروبا وإفريقيا، وكذا مع التغيرات التي وقعت في علاقاته مع أوربا كشريك كلاسيكي مهيمن على التبادلات التجارية البينية. حيث أن استراتيجية تنويع المغرب لشراكاته، يفرض الانفلات التدريجي من رقابة السوق والتصدير الأوربي حاليا والأمريكي مستقبلا. وذلك حتى يتمكن المغرب من امتلاك هامش لاستقلال القرار في العلاقات مع القوى الدولية الراغبة في شراكة مع المغرب، لأن الهيمنة والتوازن بينهما شعرة معاوية دقيقة جدا، يمكن أن تتحول إلى انتكاسة إذا لم يحافظ المغرب على استقلاله الاقتصادي والسياسي، وهو يبرم الصفقات الجديدة يمينا وشمالا مع دول العالم، فبجانب جلب الاستثمارات، ورفع وتيرة التصنيع يجب أن تبقى عين المغرب على عدم وضع كل بيض اقتصادنا ومواردنا في سلة واحدة، مع مراعاة طابع التكافئ، والعقود القصيرة والمتوسطة الآجال، لاستعادة المبادرة في حالة اختلال الميزان الدولي ضد مصالح المغرب، لهذا فتوقيع المغرب رسميا على الانضمام لمشروع الحزام والطريق الصيني هذا الأسبوع، بجانب أهميته القصوى، لا بد أن يتم تدقيق عقوده كما بقية العقود التي تتساقط مؤخرا، وسط لهفة محمومة للرأسمال العالمي على مواردنا وموقعنا الاستراتيجي.

ملحوظة لها علاقة بما سبق:
إن محطة الغاز المسال، المقرر بناءها في ميناء المحمدية، وهي مزوّدة بوحدة عائمة للتخزين، يمكن أن تحل جزء من أزمة الغاز ظرفيا في المغرب. لكن فلننتبه أن معدل الاستهلاك سيرتفع في غضون 20 سنة لثلاثة أضعاف. لذا فالرؤية الاستراتيجية تقتضي التفكير في المحطة التي تقع على بعد أمتار من هذا المشروع، ألا وهي محطة تكرير لاسمير، هذا هو الاستثمار الحقيقي الذي يفرض عودة لاسمير لحضن الدولة وتحديث بنياتها وخزانتها لتلعب دور قاطرة الأمن الطاقي ببلادنا.. إنه الحزام والطريق المغربي.

.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube