مقالات الرأي

العلاقات المغربية الروسية.. نهاية مرحلة تعدد الشركاء وبداية الكماشة الأمريكية الإسرائيلية

تدمري عبد الوهاب

إن إلغاء زيارة وزير الخارجية الروسي للمغرب التي كانت منتظرة أواسط هذا الشهر، لأسباب غير مفهومة، للقاء مسؤولين مغاربة ولترأسو منتدى التعاون العربي الروسي، الذي كان مقررا  انعقاده في مراكش، رغم ما تم عرضه  من أسباب تنسب تارة  للجانب الروسي علاقة بالتوتر الذي تشهده الحدود الروسية الاوكرانية  وتهديدات الحلف الأطلسي، وهو وضع ليس بجديد ولا يمكن أن يكون سببا مقنعا لإلغاء الزيارة، أو بالحالة الوبائية والإجراءات التي اتخذها المغرب الذي علق الطيران منه واليه،  وهو ما لا يبدو منطقيا ولا ينطبق على مثل هذه الزيارات، وتارة لأسباب تتعلق بارتباط وزارة الخارجية المغربية  بلقاء عن بعد مع كل من وزيري خارجية الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الامريكية  بمناسبة الذكرى  السنوية الأولى لإعلان التطبيع  مع الكيان الاسرائيلي  المتزامن مع  اعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية.

والحال أن السبب الأخير، كما يبدو، يعد الأكثر ترجيحا وذلك بتوجيه من الجانب الأمريكي الذي لا ينظر بعين الرضى لأي تقارب مغربي روسي خاصة مع إصرار روسيا على توطيد علاقتها بالمغرب، وتفاديها السقوط  في المخطط الأمريكي الذي يسعى الى وضع المغرب في موضع الصدام مع روسيا كما فعلت عندما ربطت مناورات أسد الصحراء بالمشاركة المغربية في مناورات للحلف الاطلسي على حدود روسيا،  وقد أدركت الغاية الامريكية منه عندما وضعت هذا التصرف غير الودي من الجانب المغربي في إطار صراعها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى جاهدة لمنع  المغرب من  التوجه شرقا و دفع روسيا إلى اتخاذ موقف عدائي تجاهه.

إن ما يجعلني كمهتم بالشأن السياسي الدولي أطرح هذه الفرضية المتعلقة بإلغاء هذا اللقاء  الذي يفيض على اللقاءات الثنائية ليطال منتدى التعاون  العربي الروسي الذي يتم تنظيمه بالتناوب كل سنة  بين روسيا وإحدى الدول الأعضاء، بعد ان تم تأجيله سابقا دون مبرر مقنع، رغم أن التاريخ الجديد سبق أن تم الالتزام به خلال اللقاء الذي جمع كل من  السادة بوريطة و لافروف وأبو الغيط على هامش مؤتمر باريس حول ليبيا في 12 نونبر 2021 ، وتم الإعلان حينها أن الدعوات قد وجهت للدول الأعضاء. كما أن مندوب روسيا للشرق الأوسط وإفريقيا السيد ميخائيل بوغدانوف كان قد صرح أسبوعا قبل تاريخ انعقاد المنتدى عن نية  سفر وزير الخارجية الروسي لافروف في 12 من الشهر الجاري لنفس الغاية بعد زيارة كل من اسرائيل وفلسطين والجزائر ومن ثم المغرب، لترأس المنتدى المذكور سبقته لقاءات خاصة بالمسؤولين المغاربة، وهو ما كان يحيل على طبيعة القضايا التي كان من المفروض تناولها والتي تهم القضية الفلسطينية والعلاقات المغربية الجزائرية وملف الصحراء.

إن إلغاء هذه الزيارة وفعاليات المنتدى العربي الروسي لمرتين متتاليتين  تندرج إذن ضمن سلسلة الأحداث  السلبية في العلاقات المغربية الروسية مؤخرا، والتي لا يمكن اعتبارها  وليدة الصدفة، ولا تخفى عنها اليد الأمريكية التي تعمل على توجيه علاقات المغرب الخارجية، حيث تسعى جاهدة  لقطع الطريق على روسيا لولوج المنطقة المغاربية والمغرب خاصة، وذلك بما ينسجم و رؤيتها الاستراتيجية القاضية بالتموضع في هذه المنطقة الجيو- ستراتيجية  التي تطل على مضيق جبل طارق، وفي نفس الآن تشكل بوابة لأوروبا على إفريقيا، القارة التي ستشكل على المدى المنظور مجالا حيويا يكثف الصراع الدولي، نظرا لما تحتويه  هذه الاخيرة من احتياطات هائلة زاخرة بالطاقة والمواد الأولية الثمينة الضرورة لصناعة التكنولوجيا  الذكية والدقيقة.

إن الاستراتيجية الأمريكية القاضية بالتموضع في المغرب تعد خطوة تكتيكية في الوقت بدل الضائع  من ولاية دونالد ترامب، عبر اللعب على الوتر الحساس في السياسة الداخلية والخارجية للمغرب، وذلك بالاعتراف للمغرب بسيادته على أقاليمه الصحراوية  في دجنبر 2020. رغم ان هذا الموقف بقي حبيس الرفوف ولم يتم تفعيله من قبل أمريكا في المناسبات الأممية ذات الصلة بملف الصحراء الغربية كما يصفها  الخطاب الرسمي الأمريكي في المناسبات والنقاشات الأممية والدولية، وأن  الخطوة الأمريكية جاءت بعد أن استشعرت ضعف الدولة  الفرنسية الحامية التقليدية للمغرب وتراجع نفوذها في هذه المنطقة الحساسة،  وذلك حتى لا تترك المجال فارغا لمن تعتبرهم أعداءها  الاستراتيجيين المتمثلين في روسيا والصين، اللذين شهدت علاقاتهما بالمغرب خلال العقدين الأخيرين  تطورات مهمة نتجت عنها لقاءات على مستوى القمة جمعت الملك محمد السادس بالرئيس بوتين في ثلاث مناسبات؛ الأولى في موسكو سنة  2002  والثانية في الرباط سنة 2006 والثالثة في موسكو سنة  2016 ، وهي الجولة التي زار فيها الملك محمد السادس بكين أيضا، وهي الزيارات التي توجت بتوقيع إتفاقيات إقتصادية وتجارية تقدر بملايير الدولارات، والتي توجت  بزيارة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى المغرب في يناير 2019 ، حيث التقى خلالها المسؤولين المغاربة وملك المغرب أثمرت مشروعا رائدا للبتروكيماويات في ميناء الناظور بقيمة 2 مليار دولار.

إن توجه المغرب نحو الشرق  خلال العقدين الأخيرين  لا يمكن عزله عن حالة الإندفاع التي شهدتها بداية حكم الملك محمد السادس في القطع مع  الكثير من المسلمات السياسة التي طبعت حكم والده  الملك الراحل الحسن الثاني سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي انسجاما مع المفهوم الجديد للسلطة والعناوين البارزة العهد الجديد، وبالتالي فإن الزيارات  المتبادلة السالفة الذكر  وما صاحبها من اتفاقيات تجارية واقتصادية، كانت تنم فعلا عن أن المغرب قد اعتمد منهجية جديدة في علاقاته الدولية،   تعتمد التعدد في  الشراكات بما يخدم المصالح الاسترلتيجية للمغرب، ويبعد عن نفسه تلك الصفة النمطية التي جعلته في وضعية التابع المذعن للغرب في مرحلة الحرب الباردة، خاصة بعد أن انتفى الصراع  الإيديولوجي  بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي وأصبحت العلاقات الدولية تقاس بمنطق المصالح الاقتصادية المشتركة.

يمكن القول في نفس السياق أن هذه الاستراتيجية القائمة على تعدد الشركاء كانت تتم  تحت مراقبة الأعين الأمريكية، المشغولة في حروبها في كل من العراق وأفغانستان، بحيث أنها لم تكن راضية عن هذا التوجه المنفتح للمغرب على كل من روسيا والصين، خاصة بعد أن أصبح هذا التوجه يطال بعض القضايا السياسية بما فيها ملف الصحراء حين تصادم الموقف الأمريكي  مع الموقف الروسي الرافض لمشروع القرار الذي قدمته أمريكا سنة 2013 والقاضي بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ما يعد رسالة من روسيا عبرت من خلالها عن استعدادها للدخول على خط  هذا الملف، خاصة وأنها جنب الصين تتمتعان بعلاقات مميزة مع كل من الجزائر ومجموع الدول الإفريقية بالإضافة للمغرب، مما يؤهلهما للعب دور الوسيط  لإيجاد حل سلمي ونهائي للنزاع القائم.

من زاوية أخرى لا يجب أن ننسى أن هذه المنهجية  القائمة على تعدد الشراكات، هي ما شكل البديل الخلاق لتسويق المنتجات  الفلاحية المغربية، بعدما أصدرت محكمة الاتحاد الأوروبي حكمها القاضي بإلغاء الاتفاقية التجارية لاحتوائها منتجات من جهة الصحراء الغربية، وذلك قبل  أن يتم تعديل الحكم استئنافيا بتخصيص جزء من عائدات هذه الاتفاقية لتنمية ساكنة الصحراء سنة 2016.

إن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد إدراكها لفشل  سياساتها المكلفة في الشرق الأوسط، والتي لا تتناسب وأهميته الاستراتيجية في مجال الطاقة حاليا، وبعد تتبعها للأشواط  المهمة التي قطعتها كل من الصين وروسيا في علاقتهما بإفريقيا عامة والمغرب والجزائر خاصة، في مقابل تراجع الدور الفرنسي والأوروبي، كان لابد لها من التدخل لوقف هذا التوجه باعتماد استراتيجيتها القائمة على العصا والجزرة، مستغلة الحالة العامة التي يمر بها النظام السياسي المغربي الذي عاد إلى طبيعته المحافظة، سواء في سياساته الداخلية التي اتسمت بطغيان المقاربة الامنية وما شابها من تراجعات كبيرة في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتخلي عن مجمل الشعارات والمبادرات التي تم إطلاقها  في بداية عهد الملك الحالي محمد السادس، أو في علاقاته الخارجية التي طبعتها  العودة  الى المربع الاول برهن سياساته من جديد بالغرب مع استبدال فرنسا وأوربا بأمريكا وإسرائيل، خاصة  بعد الاعتراف التكتيكي والغير مجدي عمليا  لهذه الأخيرة لدعم القضية الوطنية وتطوير علاقاتهما معه على المستويين الأمني والعسكري  الذي أصبح يشكل الهاجس الأساسي للنظام السياسي المغربي في السنوات الاخيرة، خاصة  مع تصاعد الاحتقان الاجتماعي والسياسي داخليا، و تزايد حدة التوتر مع الجارة الجزائرية وإسبانيا وعموم أوربا خارجيا.

وقد عمدت أمريكا في مسعاها لتوسيع الهوة بين المغرب وروسيا والصين إلى إشراك المغرب في مناوراتها العسكرية في بداية هذه السنة على الحدود الروسية، ولاحقا عبر جر المغرب إلى صياغة بيان مشترك يندد بتواجد قوة فاغنر الروسية بدولة مالي ودول جنوب الصحراء الخ…

ان المغرب إذن بهذا التوجه المحافظ والتقليدي الذي يفسر إلى حد ما التأجيل الغير مبرر لمرتين متتاليتين  للمنتدى  الروسي العربي المفترض انعقاده بمراكش أواسط هذا الشهر، يكون قد انخرط في الاستراتيجية  الأمريكية – الإسرائيلية  بشكل علني، وذلك على حساب إستراتيجية نهجها لما يقارب عقدين من الزمن، قائمة على تعدد الشركاء خاصة مع روسيا والصين، وبالتالي يكون بذلك قد أعاد  ملف الصحراء إلى حسابات مرحلة الحرب الباردة، خاصة وأن روسيا التي كانت دائمة السعي للحفاظ على علاقات متوازنة بين االمغرب والجزائر،  ترى نفسها الخاسر الأكبر في هذا التوجه الجديد للمغرب الذي لم يعر اهتماما لما عبرت عنه من مواقف لصالحه  في هذا الملف، كان ٱخرها إدانتها  لاستيلاء جبهة البوليساريو على ممر الكركرات، مع دعوة جميع الأطراف للتهدئة  سنة 2019 ، دون أي إدانة للتدخل المغربي، بالإضافة إلى ما يمكن أن  تقوم به هذه الأخيرة بمعية الصين لإيجاد حل سلمي يرضي جميع الأطراف نظرا لعلاقتهما الوطيدة بالجزائر، وما كانتا  لتسمحا بحصول توترات بين بلدين شريكين لهما.

خلاصة

إن المغرب  بهذا التوجه المحافظ  الذي ميز السنوات الاخيرة القاضي بتغليب المقاربة الأمنية والعسكرية  من أجل تأمين استقرار نظامه السياسي داخليا بدل معالجة القضايا التي تهم الشعب المغربي، والمتمثلة في  التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تشكل الضمانة الأساسية لاستقرار الدولة والمجتمع، وخارجيا في تراجعه عن استراتيجية الانفتاح وتعدد الشراكات خاصة مع الصين وروسيا وبعض الشركاء الأوروبيين التقليديين، يكون قد أخلف  موعده مع التاريخ من جديد، وأدخل ملف الصحراء في متاهات الصراع الدولي، وجعل نفسه رهينة للابتزاز الأمريكي الإسرائيلي، وهو ما  تجلى مؤخرا في اعتراض الكونغرس الأمريكي على بيع المغرب طائرات  مسيرة وعتاد عسكري بدواعي عدم احترام حقوق الإنسان في  منطقة الصحراء الغربية، لكن في نفس الآن يجري مناورات عسكرية في المياه الإقليمية للمغرب على أبواب مضيق جبل طارق، لما تشكله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية في الصراع الدولي على ممرات الملاحة   البحرية في العالم.   .

طنجة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube