ضد التيار

هيبة والي بنك المغرب من أمن السياسة المالية

بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

دائما ما كانت سُمعة بنك المغرب في احترام ووقار ولسنوات عديدة من طرف كل المؤسسات الوطنية عمومية، خاصة، أحزاب سياسية و مؤسسات المجتمع المدني. لكن التصرف الغير محسوب والصادر من والي بنك المغرب والمتعلق برأيه حول السياسة والاحزاب جعله محط التأويل…والهرج والمرج!…
غالبا ما بلغت سُمعة السي عبد اللطيف الجواهري أوجها قبل و بعد تنصيبه واليا لبنك المغرب بحكم كفاءته المهنية و عصاميته وتفانيه في خدمة الركائز المالية التي تقود المملكة إلى بر الأمان المالي. ولعل تشريفه؛ ولعدة مرات كأفضل والي لبنك مركزي مغاربيا، عربيا، إفريقيا ودوليا يشفع للرجل ولا تحط من سمو فكره السياسي حتى وإن أخطأ؛ فهذا لا يمس من مكانته ونزاهته و حسن تدبيره للتحديات والصعاب التي عاشها و يعيشها المغرب في سياسة ماليته.
ولا يمكننا أن ننكر ان نهجه لسياسة التضخم المنخفض والمستقر والنمو المستدام، جعلنا ننظر إلى بنكنا المركزي باعتباره من سادة الكون المالي الدولي لأنه قادر على إدارة الإقتصاد لصالح الجميع.
فبفضل تحركه الحازم عبر قرارات هامة واملاءه على الصندوق المركزي للضمان بسن تسهيلات في القروض للشركات خلال فترة كورونا منع حصول كساد اقتصادي. ومرة أخرى، كان محل إشادة باعتباره منقذ الإقتصاد الوطني ونجاحاته غذت توقعات مرتفعة للغاية مما شجع أغلب صناع السياسات على ترك المسؤولية عن إدارة الاقتصاد الكلي للسلطات النقدية إلى حد كبير. وكانت هذه الأعباء المفرطة المتمثلة في “التوقعات”، سببا في الكشف عن أوجه القصور التي تعيب السياسة النقدية. بعبارة أخرى، يبدو الأمر وكأن سمعة الرجل الطيبة تُفضي الآن إلى نتائج عكسية.
ويعني الإفراط في تعليق الآمال على شخصه بعينها ــ عندما تركزت الثقة حوله في نجاح السياسة النقدية على رأس بنك المغرب ــ أن  تعاني من لسعات السياسيين.
بيد أن مهمته كوالي بنك المغرب لا يهمه سوى الاستقرار المالي، والذي لا يمكن الحفاظ عليه من خلال استقرار الأسعار فقط، بل على العكس من ذلك، ربما تُفضي أسعار الفائدة المنخفضة والمستقرة إلى تعزيز الهشاشة المالية، فتؤدي إلى ما يشبه “لحظة مينسكي”.
ان ما يتعين على بنك المغرب  هو العمل على التوفيق بين الاحتياج إلى الحفاظ على استقرار الأسعار والمسؤولية عن الحد من الضعف المالي ــ بصرف النظر عما إذا كان مفوض بالقيام بهذا من الناحية القانونية-. ولن تكون هذه المهمة سهلة و يسيرة، وخاصة بسبب عبء جديد من المحتمل أن يفرض عليه: الإشراف على الإدارة التحوطية للاقتصاد الجزئي.
ويعني إشراف بنك المغرب على الإدارة التحوطية للاقتصاد الجزئي الوطني بشكل خاص هو خطر نشوء الضغوط السياسية، والتدخل في استقلاليته والصراع على السياسات. وكل هذا من الممكن أن يؤثر على سلوك الوسطاء الماليين، من خلال تشجيعهم على خوض قدر أعظم من المخاطر. فهم يعلمون أن المشرف عليهم لديه أدوات قوية تحت تصرفه ــ فهو قادر على سبيل المثال على خفض تكاليف الاقتراض، وبالتالي حماية البنوك (لبعض الوقت على الأقل) ــ ومصلحة قوية في حماية سمعته. ولكن نظرا لفرط الأعباء التي يمكن أن يتحملها، فإن الدفاع عن سمعته ربما سيصبح أكبر من قدراته.
فعندما يتجاوز تفويض بنك المغرب استقرار الأسعار، فقد يبدو استقلاله على نحو متزايد في غير محله في مجتمع ديمقراطي. و فشل الساسة المنتخبين في التصرف على النحو اللائق سيكون سببا في النيل من هيبة الوالي بقدر ما يمثل تهديدا لصورة بنكنا المركزي.
ففي نهاية المطاف، أطلب من السي عبد اللطيف الجواهري أن يكون قويا للغاية لكي ينجح، أقوى من أي وقت مضى و أي مستوى قد يتقبلهما نظام ديمقراطي.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube