إقتصادمستجدات

النظام المالي ,صرف العملة ,الادخار و نقائص النموذج التنموي الجديد

بقلم: عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء



في تقييمي للنظام المالي الحالي المغربي لا يمكنني القول إلا أنه يساير مجملا ركب الإقتصاد. لكن لا يزال في حاجة إلى رسم طريق معالمها تطعيم النموذج التنموي الجديد برؤى استراتيجية وحركات جريئة للمضي قدماً في تنزيل مشروع التنمية الإجتماعية.

إن صعوبات المداخيل المالية العمومية تقف كعقبات رئيسية في طريق الدولة للقيام بدور المستثمر الرئيسي. والقطاع الخاص تولى مهامه ولكنه يواجه مشكلة كبيرة مع انخفاض مستويات الادخار إلى 4% مقارنة بنحو 12 % شهدها عام 2010، وأن النظام المالي غير قادر مباشرة على تلبية احتياجات الشركات إلا بتدخل بنك المغرب في ظل عدم وجود استراتيجية وطنية للاستجابة لاحتياجات الشركات الصغرى جدا والصغرى والمتوسطة التي تشكل الجزء الأكبر بنسبة 90% من النسيج الاقتصادي الوطني و بنسبة 65 % من فرص العمل و 55 % من الدخل الإجمالي العام للمملكة وبحصة 35% من حجم الصادرات.
فالنظام المالي المغربي يشكو من ثغرات كثيرة مردها البطء الشديد في تنفيذ الإصلاحات، وهو ما جعل السوق الموازية لتداول العملة تزدهر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وتتحدى كل إجراءات بنك المغرب.
و يجمع معظم الاقتصاديين على أهمية الحدّ من توسّع السوق السوداء للعملات نظرا لتداعياتها الوخيمة على مستوى تقليص حجم العملة المتداولة وزيادة معدل التضخم.
ونظرا لغياب بيانات رسمية حول حجم هذه السوق، فمن الطبيعي أن تتضارب الأرقام حولها، قبل أن يحسم والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري الضبابية المخيمة على الملف حيث قال في وقت سابق: إنّ حجم الأموال المتداولة يبلغ 8 مليارات درهم، نصفها يتم تداولها بالمناطق الحدودية مع سبتة ومليلية.
حسب تحليلي للحالة الراهنة، أقول أن الأفراد والشركات بحاجة للتعامل في سوق مالية متطورة وأكثر مرونة
و أنّ حجم هذه الأموال في السوق السوداء من شأنه أن يخلق شحّا في السيولة لدى الابناك مما سيساهم في تزايد لجوء القطاع البنكي إلى إعادة التمويل من بنك المغرب و أن أول تأثير للسوق السوداء على الاقتصاد الوطني هو التضخم باعتبار أن زيادة السيولة ستساهم في زيادة الطلب وهو ما سيزيد تكاليف الاقتراض للعائلات والمؤسسات، خاصة وأن هذه السوق تتعامل نقدا ليتهرب المتعاملون فيها من الضرائب والمراقبة.
وللتصدي للسوق السوداء، خصوصا في المجال النقدي، أود أن تنزل رؤية تمكننا من الكشف عن حجم الثروات الموازية وإخضاعها بالتالي للضرائب.
و السوق السوداء غالبا ما تدفع دائما في اتجاه تدهور قيمة الدرهم مع ما لذلك من تداعيات على الميزان التجاري.وهذه السوق الموازية موجودة أساسا بمناطق الشمال ما يعكس غيابا لبدائل تنموية في تلك المناطق حيث توجد مكاتب الصرافة في جل عمالاتها.
وتقع أغلب هذه المكاتب في مدينة الناظور التابعة لجهة الشرق حيث ينتشر بها قرابة 137 مكتب صرافة على الطريق المؤدي إلى معبر بني أنصار وفرخانة الحدوديين مع مليلية. وكذلك، لمكاتب صرافة في الحسيمة وخصوصا تطوان وطنجة الحدوديتين مع سبتة.
ومن السهل تمييز هذه المكاتب عن غيرها، فهي عادة ما يضع صاحب المحل يافطة على باب مكتبه، ويكتب عليه بالخط العريض “مكتب الصرف”.
ووسط مدينة الناظور، يوجد شارع كامل لتداول الصرافة، ويسمى هناك بـ”شارع الصرف، إيصارافين”، وعادة ما يشهد هذا المكان اكتظاظا كبيرا. وفي هذا الشارع بالذات، تتجاور مكاتب الصرافة مع فروع لستة بنوك مغربية.
وبالقرب من هذا الشارع تقع نقطة يقصدها “الصَرّافَة” يوميا لشراء وبيع العملة بالجملة، ولهذا المكان تأثير كبير على أسعار الصرف المتداولة في بقية الأماكن خلال ذلك اليوم.
وتوفر مكاتب الصرافة مورد رزق لأكثر من 300 عائلة في الناظور، فعادة ما يتداول العمل في المكتب الواحد شخصان أو أكثر. فهذا العمل لا يخضع حتى الآن لأي قانون منظم من قبل السلطة. في وقت أن تجار العملة كانوا قد طالبوا مرارا بالدخول إلى الاقتصاد الرسمي عبر تنظيم القطاع لكن دون جدوى لأن الشروط التي اقترحتها الدولة في شخص مكتب الصرف تعجيزية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الأزمة الاقتصادية للبلاد منذ 2009 وتراجع قيمة الدرهم نسبيا مع تزايد المضاربات على العملة، عوامل أخرى تساهم في تفاقم ظاهرة السوق السوداء للعملات واظن ان جميع المتعاملين من أفراد وشركات في حاجة إلى التعامل في سوق مالية متطورة بنسبة كبيرة من الحرية والمرونة.



وفي ما يتعلّق بمشروع قانون إلغاء التعامل نقدا، لا أعتقد أن الإجراء مجد لأن نسبة التغطية البنكية ضعيفة، إذ أنّ 26 مليون مغربي ليست لديهم حسابات بنكية ولا بريدية وأن ضُعف مستوى الادخار من قبل الأسر المغربية و الاكتناز والتخزين خارج القنوات المالية الرسمية عوامل تؤثر على قدرة الاقتصاد الوطني في تمويل الحاجيات.
و الادخار قضية مركزية لبلد مثل المغرب والذي يسعى جاهداً لتسريع تطوره ونموه وهما أمران يحتاجان لتمويلات مهمة و أؤكد أنه أمر حاسم على المستوى الميكروالاقتصادي حيث يُمكن الأسر من الحصول على السكن وضمان مستقبل أطفالهم بشكل أفضل، لكن أيضاً يضمن لهم حماية لأنفسهم من تقلبات الوضع الإقتصادي وتجنب السقوط في الفقر بالنسبة للفئات الهشة ونحن نمر حالياً من وضعية تتزايد فيها المخاطر بشكل مثير للقلق في وقت لم تتبدد بعد الآثار المترتبة عن الأزمة المالية العالمية لسنة 2009.
فمنذ تلك الأزمة، عرفت نسب الفائدة في العالم تراجعاً لافتاً وصلت حد نسب قريبة من الصفر وأخرى سلبية في بعض الدول، وهو ما يجعل أكثر المتشائمين يعتقدون بأن النسب لن تعود إلى مستواها ما قبل الأزمة حتى على المدى الطويل.
و نظرياً، إذا كانت نسب الفائدة المنخفضة ستساعد على إنعاش الاستثمار والنمو بعد دورة منخفضة، ففي سياق التباطؤ المستمر وعدم اليقين الشديد يمكن أن يكون لذلك آثار سلبية على النظام المالي والاقتصاد ككل. إننا نواجه تحدياً كبيراً بخصوص الادخار، بحيث نجد أن الأسر تدخر فقط 4% من إجمالي دخلها المتاح، أي أقل بكثير مقارنة بالمستوى الدولي دون احتساب تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج. وأود إخبار الرأي العام بأن تقرير فيندكس للبنك الدولي كان قد أشار سابقا إلى أن نسبة السكان في المغرب في سن العمل يدخرون أقل بمرتين مقارنة بالمتوسط المسجل في البلدان المتوسطة والضعيفة الدخل.
والوضع موازاة بالأزمة الحالية، أزمة كورونا، لا يبدو أنه سائر في التحسن. فودائع الأسر تعرف تباطؤاً مقلقاً نسبيا خلال السنوات الأخيرة، فوفق الإحصائيات الرسمية العمومية فإن تطور الودائع تحت الطلب dépôts à vue في تباطؤ، أما الودائع لأجل dépôts à terme فقد فقدت حوالي 10% من حجمها منذ نهاية سنة 2015. و أسباب هذه النتائج تستحق تحليلاً أكثر، فالأمر يتعلق بالخصوص بالحجم الهام للأنشطة غير الرسمية في القطاع غير المهيكل التي تؤدي إلى انتشار كبير لاستعمال النقد على مستوى أداء المعاملات أو الاكتناز (أي تخزين المال تقليدياً خارج البنوك)، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف الادخار في القنوات المالية الرسمية. ولمعالجة هذا الوضع الذي يمكن أن يؤثر على قدرة اقتصادنا في تمويل حاجياته فيما يخص الاستثمار، يتوجب النظر في نوعين من الإجراءات:
– زيادة إمكانات الادخار على المديين المتوسط والطويل من خلال تسريع النمو وتحسين العمل وخصوصاً إنتاجيته، وهذا يمر عبر النمو المُدر للدخل وبالتالي الادخار الضروري لدعم هذا النمو، وهذا من أكبر التحديات التي يواجهها اقتصادنا اليوم”.
أما الإجراء الثاني، فيتمثل في:
– استغلال أفضل على المدى القصير للإمكانيات المعبئة، وهذا التحدي يهم بالدرجة الأولى المجتمع المالي ككل من سلطات عمومية وهيئات تنظيمية ونظام بنكي ومؤسسات مالية التي يتوجب عليها مواصلة تنمية النظام المالي من خلال توسيع وتنويع الفرص ومنتجات الادخار بالتوازي مع توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية لعدد أكبر من الأسر.
و المغرب يتوفر على نظام مالي جيد مقارنة بالبلدان التي لديها مستويات تنمية مماثلة، بما في ذلك نظام بنكي قوي ومرن، لكن لا تزال هناك تحديات عديدة أبرزها أن هذا الأداء الجيد للبنوك غير معمم على الجميع.
فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتشجيع العديد من المنتجات مثل الادخار الخاص بالسكن أو التعليم أو التقاعد، لا تزال هناك حاجة لبذل مزيد من الجهود لتحسين الإطار القانوني للادخار وجعله أكثر ملاءمة وتحفيزاً.
ويمكننا ان نربط ضعف الادخار أيضاً بالأمية، فحوالي 32 % من السكان البالغين أكثر من عشر سنوات لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، لذلك فإن تطوير الادخار يجب أن يمر أيضاً عبر محو الأمية والتربية المالية. زد على ذلك أنه يجب مساعدة الأسر والوحدات الإقتصادية الصغيرة على تحسين معرفتهم بالمنتجات المالية واكتساب المهارات والثقة اللازمة لفهم مخاطر وفرص التمويل والقيام باختيارات معقولة وواضحة.
ومواكبة للابتكارات التكنولوجية في القطاع المالي والتي أحدث ثورة في القطاع بتوسيع المنتجات والخدمات وتحسين جودتها وخفض تكلفتها، طور بنك المغرب رفقة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات منذ سنتين حلاً للأداء عبر الهاتف يعمل بشكل آني وبيني. و الهدف من هذه الوسائل ليس فقط تنويع العرض فيما يخص وسائل الأداء بل أيضاً لتوسيع الوصول إلى الخدمات المالية لأكبر قدر ممكن من السكان علما أن عدد المحافظ الإلكترونية المصرحة بها للأداء عبر الهاتف وصل إلى ما يقرب 500 ألف، و الاستخدام الفعلي لهذا الحل يتوقف على انخراط واسع لأكبر شبكة ممكنة من التجار.
و في ظرفية صعبة مثل التي نشهدها اليوم، لا ينبغي أن يكون تطوير الادخار في المقام الثاني ضمن أجندات السياسات العمومية والمؤسسات المالية، بل إنها شرط لا غنى عنه لتعبئة الموارد اللازمة لتمويل الاقتصاد ككل ومكوناتها المستعبدة في كثير من الأحيان، خصوصاً المقاولين الشباب والمقاولات الصغيرة، كما أنه ورش يمثل أحد الأبعاد الأساسية لصالح نموذج تنموي جديد أكثر فعالية وشمولية كما يريده الملك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube