مقالات الرأي

“فاتح ماي ذاك الزمن”

يوسف سعدون

كنت أنتظر فاتح ماي بشغف،كانت فرصة لنا لنجتمع كمأجورين من كل اﻻصناف في كنف النضال الصادق والوفاء للشغيلة..وكانت فرصتنا أيضا ﻹثبات الذات وإسماع مواقفنا والتشدبد على تشبتنا بالمطالب المشروعة وإدانة اﻹستبداد واﻹختيارات الﻻشعبية التي كانت تنسج للمرحلة آنذاك…كان عيدنا بكل المواصفات..
استعدادنا لتخليد هذا اليوم كان يبدأ باكرا.اجتماعات يومية بالمقر..استنفار كل اﻷجهزة المسؤولة على القطاعات المنظمة تحت لواء منظمتنا،صياغة بيانات محلية جامعة لكل المطالب والمواقف إزاء ما هو سائد على مستوى المدينة واﻹقليم والوطن،عقد تجمعات قطاعية وعامة.انتظار المناشير الوافدة من المركزية التي غالبا ما كانت تتأخر بسبب ظروف التوزيع.الخروج بمجموعات حسب خريطة المدينة لتثبيت الملصقات وتوزيع النداءات والبيانات والدعوات للتجمهر العام بإحدى ساحات المدينة والمسيرة العمالية.كنا نقوم بكل هذه المهام بتطوع وشغف وفخر..
ومن أجل ضمان مشاركة فعالة للعمال كنا ننظم لهم لقاءات من أجل التكوين النقابي وحفظ النشيد الرسمي للمنظمة وكذا الشعارات التي سنرددها يوم المسيرة..


وكنت أحرص على إظهار مهارتي في رسم بعض اللوحات المعبرة عن الوضع العمالي وكذا كتابة اللافتات من أجل المسيرة..
كان الحماس والإنغماس الجماعي في التعبئة ﻹنجاح عيدنا العمالي جليا عند الجميع..وكنا نتابع استعدادات المنظمات النقابية اﻻخرى لكي نحافظ على مستوانا..وأسجل ان تلك المرحلة كنا فيها في مقدمة التنظيمات النقابية محليا ووطنيا قبل أن تفرق المطامح بيننا..وكنا نحافظ على اﻹيقاع المتصاعد لحركيتنا دون كلل أو تعب. ونهجر كل اهتماماتنا ونتفرغ للإستعداد لفاتح ماي..
وياتي هذا الفاتح..ونهرع للمقر عند الساعات اﻷولى لهذا اليوم..مكبر الصوت مثبت في شرفة المقر يصدح بأغاني مرسيل خليفة وقعبور والشيخ إمام ..وبين الفينة واﻷخرى يبادر احد المناضلين بتلاوة بيان أو يرتجل نداء للمشاركة الفعالة في المسيرة..وعند ما نضمن الحضور العمالي والجماهيري الذي غالبا ما كان في حجم انتظاراتنا،نبدأ حفلتنا بكلمات خطابية للمسؤولين المحليين والوطنيين..وغالبا ما كان يكلفني اﻹخوة بالتنسيق بين فقرات المهرجان الخطابي وكنت أغتنمها فرصة ﻹظهار مهاراتي الخطابية من أجل التحميس والتعبئة..وكنت أحظى بشرف الوقوف بجانب مناضلين صادقين كانوا يتعاقبون على المنصة…
وحين ننهي مهرجاننا الخطابي،كنت أنضم للجنة التنظيمية للمسيرةلكي ننظم الصفوف واللافتات حسب القطاعات..ونحرص ان لا يتسرب للمسيرة بعض الدخلاء كي لا يعكروا صفو شعاراتنا..وكان أصحاب الحال ينسلون من بيننا يراقبون ويسجلون ويشمون روائح احتجاجاتنا..واﻷمن بكل أصنافه حرص على حضوره المعتاد بعتاده فكان يحيط بنا في كل الجهات ويرافق مسيرتنا.وحضوره هذا طالما استفزنا فنرد عليه بشعاراتنا الخالدة:
باراكا من البوليس..زيدونا في المدارس..
كان الجميع يصدح بقوه من أجل التعبير عن رفضه وسخطه..وكأننا وجدناها فرصة للتنفيس عن ما تراكم بداخلنا من معانات..لم تكن الشمس ولا الحرارة تتعبنا..كنا نتحدى الطبيعة بكل تقلباتها لكي نسجل حضورنا الفعال في هذا اليوم..تجوب مسيرتنا أهم شوارع المدينة فنمر بالمقاهي حيث كان المرتادون يقفون احتراما لنا كعمال..وكنا نرد عليهم رافعين شارات النصر.
“كلكم معنيون…”
وعند نهاية المسيرة..نشكر العمال على حضورهم الفعال..ونعدهم بالوفاء لهم..وندعوهم لتفريق المسيرة بانتظام..
وفي المساء.نلتقي بالمقهى،ونحن مزهوين بنجاح عبدنا الأممي وبحفاظنا على الريادة العمالية التي سجلها الحشد الكبير.
ونعود لديارنا.لعاداتنا اليومية التي تتوزع بين العمل والمقهى والمقر ..ومع مرور الأيام والزمن..بدأ عيدنا يفقد بريقه بالتدريج بعدما فرقت الكراسي والمطامح والزعامات الكرطونية بيننا..وصرنا مشتتين ضعفاء نستجدي مطلبا بعد استقواء الحاكمين والباطرونا علينا كشغيلة..وصرنا نحارب بعضنا البعض ..ونطرد بعضنا البعض..وصارت الشرعية ممزقة بيننا كل واحد يجذبها بقوة طمعه وشرهه الانتفاعي نحو مصافه.وصار فاتح ماي يوما عاديا نقف عنده ونحن أشباحا….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube