فضاء القراء

المجتمع المدني : طموح ومعيقات …

نجيم عبد اللطيف فؤاد

يعتبر المجتمع المدني من أهم روافد الدولة المدنية الحديثة . ولايمكن الوقوف على تعريف جامع له .لكن الكل يجمع على أهميته في المجتمعات المعاصرة .خصوصا بعد تطور وعي المجتمع الذي مكن الأفراد من المطالبة بإشراكهم في خدمة بعض مصالحهم القريبة التي هم أدرى بها من السياسيين والإداريين …لكن يمكن الوقوف عند تعريف شامل لمفهوم المجتمع المدني .فهو لن يخرج عن الإطار العام لكونه ” عبارة عن شبكة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملئ المجال العام بين الأسرة والمجتمع والدولة وتعمل على تحقيق المصالح المادية والمعنوية لأفرادها والدفاع عن هذه المصالح في إطار الالتزام بقيم ومعايير الاحترام والتسامح الفكري والسياسي . والقبول بالتعددية والاختلاف و الإدارة السليمة للصراعات والأزمات والاختلافات والخلافات .

وفي حقيقة الأمر فإن الجمعيات المدنية تعد شريكا هاما لا يمكن إغفاله في تحريك دواليب التنمية والاقتصاد والتقدم . لذا أفسحت الدولة ومنذ الاستقلال مجالا كبيرا لظهور العديد من الجمعيات الطامحة إلى خدمة الفرد والمجتمع .كما قدمت لها كل سبل الدعم المادي والحماية القانونية المتاحة لتباشر عملها بكل حرية وتستقطب المنخرطين تحث لوائها وتخلق أجواء تنافسية مع بعضها البعض من أجل التميز والانطباع الجيد لما تقدمه من خدمات حميدة للفرد وللمجتمع على حد سواء.

وتأسيسا على ما سبق ذكره يظهر أن النهوض و المساهمة في المشاريع التنموية.لا يمكن أن تتم دون مشاركة المجتمع المدني ولا سبيل للمضي في ذلك وخلق جو من التعبئة القوية لجميع الأفراد والمكونات المجتمعية. إلا بترسيخ قيم المواطنة وترسيخ السلوك الديمقراطي داخل المجتمع كما هو داخل هياكل الخلية الجمعوية .والعمل على توفير الخدمات التي تقابل احتياجات المواطنين خارج الربح المادي أو التنافسية الربحية .

وإذا عدنا إلى تعدد الجمعيات المدنية فهي تختلف بحسب المقاييس التي يتم الاعتماد والاستناد عليها لتصنيف الجمعيات كما أورده التشريع المنظم لها من خلال تقسيمها إلى أبواب .لكل نوع منها فصوله المنظمة له .بالإضافة إلى المقتضيات العامة الأخرى . وهكذا نجد في ظهير 1958 وقانون الجمعيات المعدل في 2002 الأنواع الآتية من الجمعيات : الجمعيات الاعتيادية والجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة وجامعات واتحادات الجمعيات والأحزاب السياسية والجمعيات ذات الصبغة السياسية و الجمعيات الأجنبية . بالإضافة إلى وجود تقسيم شاسع للجمعيات ينطلق من الاعتماد على هويتها وأهدافها فيتم الحديث عن جمعيات ثقافية أو سياسية أو حقوقية أو رياضية أو تنموية أو نسائية …

فلا يكاد يخلو تجمع للمواطنين سواء في البادية أو المدينة إلا ونجد اسم جمعية هنا وهناك تقوم بالسهر على عدة قضايا سواء الدفاع عن حقوق الإنسان أو جمعيات مهتمة بالشأن النسوي أو جمعيات سكنية أو ذات طبيعة سكنية إحسانية أو مهتمة بأطفال الشوارع .بل إن بعض المناطق النائية والتي توجد في أعماق الجبال أصبحنا نجد بها عملا جمعويا . إما مهتما بنشاط فلاحي أو سياحي أو بيع لمنتجات محلية…فلنقول إنها تتدخل في ك الحقول المجتمعية من أكثرها إلى أقلها أهمية. غير أن ما يثير اهتمامنا في هذا الجانب الآخر لتلك الجمعيات المطاطية التي تتمدد وتتقلص بحسب درجة حرارة محيطها . وهي جمعيات مرتزقة لا تقدم الخدمات التي تنص عليها أوراقها الرسمية وتجدها تتوارى وراء شعارات فضفاضة ومزيفة تجني من وراءها الريع والولاء للسلطات والتشهير لحملات انتخابية سابقة لأوانها. بل تتجاوز ذلك  ليتم التعامل مع أغلبها حسب الإنتماء السياسي أو ما يسمى بالتبعية المطلقة لرؤساء المجالس أو السلطات المحلية أو الإقليمية مما يخرجها عن الأهداف التي أسست لأجلها. و يحيد بأغلب الجمعيات عن إطارها الصحيح. فأصبحت لا تؤسس انطلاقا من قناعات و أهداف نبيلة. بل أصبح ميلادها أو تسييرها تتحكم فيه اعتبارات عديدة تضرب في العمق جوهر العمل الجمعوي كالسعي لتصفية حسابات شخصية وذاتية ضيقة مع رؤساء أو أعضاء جمعيات أخرى لهم نفس الاهتمام أو التضييق على إطارات جادة في الميدان و إفشال كل محاولات الخلق و الإبداع وقطع الطريق أمام كل المبادرات الفردية الطموحة التي تبدع في اكتر من مجال.

ولعل أهم المعيقات كذلك هي ما يعرف أو يصطلح عليه من بالنخبة أو الزمرة وهو ما يقابله اصطلاحا باللغة الفرنسية  les cliques هذه الزمرة التي تجعل من نفسها أم أو لب أو جوهر الجمعية بكاملها. وهي مجموعة من الأشخاص ذوي العلاقات التواطئية و الارتباطات و المصالح المشتركة و تكون مشكلة ضد الآخرين بشكل عام. يجمعها ماضي مشترك في إحدى المجالات أو مصلحة مشتركة أو عدو مشترك و يتحدون للدسيسة أو الأذى بشخص ما أو شئ ما بشتى الوسائل. 

وغالبا ما تكون هذه المجموعة أو الزمرة ” لكليكا ” تدين لشخص ما سياسيا أو ثقافيا أو رياضيا و تجعل منه أسطورة عصره بالغلو و التبجيل والنفخ في قراراته و مخرجاته. 

بهذه المبالغة في المعاملة يلتحف رئيس الجمعية المدلل بجلباب الأنانية و المفخرة مما يزيده حبا في المنصب عفوا في الكرسي الذي يظل متشبثا و متمسكا بأركانه حتى و إن انصرمت و انقضت مدة أو فترة ولايته وذلك بشتى السبل و الطرق ولو على حساب الخداع و التحايل على القانون أو على مرتزقته . ومن ثمة يبدأ الانشقاق و الانقسام وتتبعه الخطابات والتحليلات والتبريرات المضادة من كلا الجانبين مما يؤدي إلى تفكك الجمعية وشتاتها .

 فلا يمكن لجمعية مدنية يتخبط منسوبيها  في مشاكل تأطيرية أو إجراءات داخلية وسلوك غير حضاري وتنافس على مناصب داخل الجمعية أن يفضي ذلك إلى خدمة المواطنين بشكل إيجابي .وإذا أردنا أيضا أن نلمس نتائج حميدة .فلابد من نشر الوعي بالمسؤولية والشفافية بين رؤساء الجمعيات و منخرطيها وتوحيد الأهداف .وعليه فلابد من الاقتناع بأن لجمعيات المجتمع المدني بمختلف مهامها أطوارا تكاملية قد تظل مختلفة بين هذا الاتجاه وداك .إلا أـنها ستساهم في الانفتاح على المجتمع وتجلب رضى واهتمام الجميع طالما الغاية الكبرى هي الرفع من مستوى الوعي لخدمة المواطن والوطن .                                       

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube