ديانات وعقائدمقالات الرأي

قراءة فى كتاب “سيرة الله” جاك مايلز ج3

الرب الإله  محارب دون سابق إنذار 

حرة بريس : جيهان خليفة 

وصلنا إلى سفر الخروج فى هذا السفر يدخل الصراع بين الإنسان والله على القدرة التكاثرية طورا جديد وكما رآينا فى سفر التكوين وحتى قصة يوسف على الأقل نجد السرد يتميز بأحادية الجانب على نحو شديد مفرط ، كما أن السرد مستغرق فى التكاثر والمخاطر المحيقة به إلى درجة يكاد يستبعد فيها أى شىءآخر فى التجربة الإنسانية ، وإستكمالا لهذا الإستغراق التكاثرى يولد عهد جديد للتكاثر بين الرب وإبراهيم فى بداية سفر الخروج ،هذا العهد كان سببا لترويض الصراع بين الخالق والمدمر فى شخصية الرب الإله ، ولكنه سيكشف عن صراع من نوع جديد وتحريض جديد ، وسنرى أن ذلك سيحدث من جراء النجاح الذى يحرزه العهد الإبراهيمى ذاته ، فإبراهيم وابنه يصبحان اسحاق وابنيه ثم يعقوب وأبناءه الإثنى عشر ثم هؤلاء الإثنى عشر وأبناءهم السبعين ، وأخيرا ومع بداية سفر الخروج أمة كبيرة قادرة بما يكفى لمنافسة مصر العظيمة ، “ونمى بنوا إسرائيل وتوالدواوكثرواوعظمواجداجدا،وامتلأت الأرض منهم ” . [خروج 2:7]

يرى مايلز أن وعدالإله لإبراهيم كان بمثابة إلغاء واضح وإن كان ضمنيا لوعده بقية البشرمايلفت الإنتباه أن الرب لم يستشرف عاقبة هذا الإلغاء على الرغم من إمكانية ذلك الواضحة ولكن وبلغة السرد فإن كل هذه الأشياء تحدث للمرة الأولى وليس ثمة ماضى تستمد منه الدروس للمستقبل وليس هناك أيضا أى زعم أوادعاء بكلية المعرفة للرب الإله ، وهو يؤخذعلى غفلة فلايرد مباشرة حين يدافع المصريين عن أنفسهم ويستعبدون الإسرائيليين الذين بدأوابالتحول إلى أمة كبيرة على أرض مصر لكن دفاع المصريين بلا طائل وأعداد بنى إسرائيل تتزايد بعون من الرب والنساء الإسرائيليات يلدن بلا ألم .

حاكم مصر يتحدى رغبات الرب الإله 

وأخيرا تأتى اللحظة التي يصدر فيها حاكم مصرأمريتعارض مباشرة مع رغبات الإله :”كل ذكر يولد لهم فاطرحوه فى النهر “. [خروج 22:1] 

هاهو حاكم مصر يتحدى رغبات الرب ورد الرب على ذلك سيحوله لأول مرة إلى  محارب ، لكننا قبل أن ننظر فى هذا التحول الجديد ينبغى أن ننظر فى الصراع الذى كشفه فرعون داخل شخصية الرب ذلك أن هذا الصراع الخارجى المصرى الإسرائيلى ينبع من هذا الصراع الداخلى ، فالرب الذى وعد بالخصوبة الناس جميعا وعلى السواء حين خلقهم وكرروعده هذا لهم جميعا بعد الطوفان ، هو أيضا من وعد ابراهيم ونسله بخصوبة أكبر ووفى لوعده ، وهاهو الآن يواجه عواقب فعلته المتناقضة حيث يقاتل خاسر الخصوبة مع رابح الخصوبة الذى اختاره الله ، فكيف يمكن حل هذا الصراع ؟ خاصة وأننا نعلم أن الله كان بعد الطوفان قد قال للمصريين أيضا ولو بصورة ضمنية أن ينموا ويكثروا . يجيب مايلز على تساؤله متهكما أن تعدد الآلهه واحد من السبل الكفيلة بحل هذا الصراع أو يمثل بالأحرى شرطا ما كان لهذا الصراع أن ينشب فى ظله ، أما إله السموات المتربع فوق جميع البشر وجميع الآلهه الأخرى الذى يحجم عن إصدارمثل هذه الوعودالضيقة كان بمقدوره حين ينزل المتنافسون الى الميدان أن يظل محافظا على سلطانه الكونى بإمتناعه عن إقامة الأحلاف مع  أى من القوتين المتحاربتين . 

الإله الشخصى “الخاص ” بفرد يتحول إلى إله لأمة كبيرة 

يشير مايلز إلى انه وفق التكوين [24] كنا قد رآينا مرحلة أولى من مراحل إندماج الإله العلى أوإله السموات مع الإله الشخصى أو الخاص ، ومع بداية سفر الخروج فإن ما كان من قبل مجرد إندماج متردد وضمنى ، يصبح اندماج صريح ، فالخصوصية تتسع ويتحول الرب الإله من إله خاص بفرد أو بيت ، إلى إله تشتمل خصوصيته كل إسرائيل التى أصبحت أمة كبيرة ويوثق ذلك بعهد ويدعم بأفعال،  يهوه الذى أصبح الآن إلها يحب الحرب حبا مفرطا . 

وكما يرى مايلز فإن كل فعل يؤدى إلى آخركما يحدث فى أى حبكة درامية متقنة فالخلق الذى يقوم به الرب الإله يؤدى إلى تكاثرالبشر وتكاثر البشر يؤدى إلى الحرب والحرب تؤدى إلى اضطلاع الرب بدور فيها كما يحدث فى أى عمل أدبى فخصوبة إسرائيل فى مصر تدفع يهوه الرب إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلى ساحة المعركة لأول مرة فى حياته فالحرب تجعل منه محاربا إلهيا على نحو واضح . 

 نلاحظ إذن أن العلاقة بين حبكة الكتاب المقدس وشخصية إله التوحيد،  هذا الإله الذى كان تاريخيا ثمرة لتعددية الآلهه السامية هى علاقة معقدة لكنها متكاملة ومتينة فالتناقض بين الخالق والمدمرضمن هذاالإله ، تم حله عن طريق عهد الخصوبة بين الله وإنسان واحد والتركيز على شؤون هذا الإنسان الواحد الخاص أدى إلى مزيد من الإندماج بين الخالق والمدمر الذى لا يزال كونيا وبه الإله الشخصى الأكثر تواضعا والأكثر دنيوية ،ومن ثم ومع قيام إسرائيل التى أصبحت أكثر خصوبة تبعا للعهد بتهديد مصر، فإن التوتر الموروث عن اندماج الإله العلى مع الإله الشخصى ، يقتضى لتهدئته أن يصبح الرب محاربا ، ويبقى كذلك جنبا إلى جنب مع كل ما هو عليه .  

هل خلقت حكاية القصص الله أم أن الله هو الذى حرض على حكاية القصص ؟ 

 فى ضوء هذا الطرح المايلزى فإن المعادلة تكون كما يلى

 الله =خالق “يهوه+إيلوهيم “+مدمر “تعامة ” +إله شخصى “إله خاص ب”+محارب بعل وهو الشخصية الرئيسية المركبة فى التتخ . يرى مايلز أن شخصية الرب الإله شخصية جامعة تحتوى على شخصيات عديدة ، هنا لا بد أن نتساءل هل خلقت حكاية القصص الله ؟ أم أن الله تم تخيله أولا أى هو الذى حرض على حكاية القصص ؟ يجيب مايلز قائلا : ” لقدأشرت من قبل إلى الجواب الذى أراه أقرب إلى المنطق وذلك من خلال إلحاحى على حجم المقاومة التى يبديها كائن بلا تاريخ أو رغبة جعله موضوعا لحكاية القصص وعلى مقدار ابتعاده عن الإمتاع من كل النواحى الإنسانية والأدبية المعهودة فلابد إذا أن تكون فكرة مشتركة عن الله قد أتت أولا ومجرد كونها مشتركة يمكن أن يفسر كيف استطاع عدد كبير جدا من الكتاب الذين عملوا بصورة منفصلة وعلى مدى مراحل طويلة من الزمن أن يقدمواعملا يتمتع بوحدة داخلية عميقة على الرغم من كل التنوع الذى ينطوى عليه . 

الكتاب المقدس عمل كلاسيكى مترجم 

من وجهة نظر أدبية توجد فرادة يتميز بها الكتاب االمقدس منها أنه عملا كلاسيكى مترجم فهو لم يقرأ باللغات التى كتب بها إلا من قبل أقليه من أولئك الذين انحصرت لديهم وظيفته على مدى قرون بكونه واحدا من الأعمال الكلاسيكية . وتتمثل فرادته أيضا فى أنه عمل كلاسيكى يتوقف ترتيب قراءته ونهايته على القارىءشأنه فى ذلك شأن  الأعمال الحداثية التى تعطى للقارىء دورا ومبادرة كبيرين فعلى القارىء أن يختار قراءته بوصفه التتخ أى الكتاب المقدس العبرانى أوبوصفه الكتاب المقدس المسيحى حيث يرد العهد القديم بترتيب مميزويأتى العهد الجديد كخاتمة أخرى بديلة . 

أما التميز الثالث من وجهة نظر مايلز فهو طابع السرد الأساسى فالسرد الطويل الذى يملأالأحد عشر سفر الأولى ويمتد من خلق العالم حتى سقوط أورشليم يدعى “ساغا ” لكنه ليس كذلك من وجهة نظر مايلز لأن كلمة “ساغا ” تشير فى الأصل إلى عدد من الأعمال المكتوبة بالأيسلندية القديمة ومع أن الساغا تحكى عن أصول أمة وتحتوى العديد من المواقف الإعجازية والخارقة شأنها شأن الكتاب المقدس ولكننا لا نجد فيها كائنا واحد يقوم بدور الشخصية الرئيسية على النحو الذى يضطلع به الرب بهذا الدور فى الكتاب المقدس , فالكتاب المقدس يختلف عن الملاحم التاريخية الكلاسيكية فى تصوره للزمن كما أنه يستمد تميزه من كون الله شخصيته الرئيسية المحددة لكل شىء فهو شخصية بلا ماضى والشخصية الرئيسية التى بلا ماضى تنتج سردا بلا ذاكرة سردا يتطلع إلى الأمام على نحو جذرى حاد وينتهى بنهاية مفتوحة فلا بديل آخر لديه بوجود هذه الشخصية الرئيسية فثمة سلسلة من الأحداث التى تحول يهوه إلى محارب وتفذف الرب الإله قدما إلى الأمام هى سلسلة تبدأعندما تنهد بنوإسرائيل من خدمتهم وصرخوا وصعد صراخهم إلى الرب الإله الذى تذكر عهده لإبراهيم واسحاق ويعقوب فنظر إلى بنى إسرائيل وعرفهم  !! هنا سنأتى إلى بقية القصة ولكن فى قراءاتنا القادمة لنرى كيف تجلى ملاك الرب فى لهب نار وسط العليقة لموسى . 

*كاتبة مصرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube