سياسة

بنكيران‮: ‬منطق الدولة و‮….‬فقهُ‮ ‬المُضطرِّ‮!‬

الاعلامي القدير حميد جماهري


لا أحد‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يعيب على عبد الإله بن كيران‭ ‬أنه‮ ‬أفتى في‮ ‬شأن سياسي،‮ ‬بما‮ ‬يضمن وحدة التنظيم الحزبي‮ ‬والقيادة السياسية.هذا حق،‮ ‬ولعله‮ ‬يكون واجبا‮..‬
‮ ‬الأمر عندما‮ ‬يتعلق بأمر وطني،‮ ‬يتخذ نطاقا أوسعَ‮ ‬يمكن لغيره أن‮ ‬يدلي‮ ‬فيه بدلوه‮.‬
والحال‭ ‬أن‭ ‬القضية موضوع هذه المقاربة‭:‬‮ ‬حضورُ‮ ‬سعد الدين العثماني‮ ‬مراسِم التوقيع على الاتفاق الثلاثي،‮ ‬الأمريكي‮ ‬‭-‬المغربي‮ ‬‭-‬الإسرائيلي‮..‬الشيئ الذي‮ ‬أدى إلى ردود فعل،‮ ‬بعضها كان عنيفا،‮ ‬من داخل الحزب ومن خارجه على رئيس الحكومة‮.‬
الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة‭ ‬السابق الأستاذ عبد الإله بنكيران،‮ ‬نبه إلى أن الأمر‮ ‬يتعلق بالدولة المغربية‭.‬‮ ‬وعندما‮ ‬يكون الأمر أمر الدولة،‮ ‬فإن الذي‮ ‬يقرر فيه،‮ ‬هو ملك البلاد‮.‬
وعندما‮ ‬يقرر رئيس الدولة‮ ‬،فما على رئيس الحكومة،‮ ‬في‮ ‬النظام الدستوري‮ ‬المغربي،‮ ‬سوى التنفيذ،‮ ‬ولابد من التنفيذ‮.‬
‮ ‬شخصيا،‮ ‬أصفق لعبد الإله بنكيران عندما‮ ‬يتكلم من داخل منطق الدولة‮..‬فنحن لا‮ ‬يمكن إلا أن نكون مع من‮ ‬يتجاوز معضلة الانتماء الفرعي‮ ‬إلى الانتماء الأصلي،‮ ‬أي‮ ‬الدولة،‮ ‬كياناً‮ ‬وجهازاً‮.‬
بل إن عبد الإله بنكيران نفسه مر،‮ ‬في‮ ‬أقلَّ‮ ‬من أسبوع،‮ ‬من منطق الاحتجاج على قراراستئناف العلاقات مع دولة إسرائيل،‮ ‬إلى منطق الموافقة على اختيارات الدولة في‮ ‬هذا الباب‮..‬وهو السياسيُّ‮ ‬الذي‮ ‬لا منصبَ‮ ‬سياسيَ‮ ‬وقياديَ‮ ‬لًهُ‮ ‬في‮ ‬الحِزْبِ‮ ‬وفي‮ ‬الدَّوْلَة،‮ ‬يَتَصَرّف بمثابةِ‮ «‬المُرْشِدِ‮» ‬في‮ ‬السِّياسة‮ ‬‭!‬
وقد قال إنه مع الذين خرجوا ضد التطبيع‭.‬
وفي‮ ‬هذا اللايف الأولي،‮ ‬دعا المغاربة إلى الخروج‮ ‬‭-‬عن‮ «‬بَكرة أبيهم‭-‬‮ ‬ضد التطبيع‮».‬
انتشى بالوقفة المناهضة،‮ ‬التي‮ ‬ظهر فيها الأستاذ الكبيرعبد الرحمان بنعمرو والمناضل الصوفي‮ ‬سيون أسيدون‮ ‬،‮ ‬وعاب عليها عددها القليل،‮ ‬ونصح بالخروج الجماعي‮.. ‬ضد التطبيع‮.‬
‮ ‬وكانت بلاغة وقاموس الدعوة حاضرين‮ ‬‭-‬دوما‭-‬‮ ‬في‮ ‬خطاباته ومبادراته‮.‬
‮ ‬وكانت ذريعته في‮ ‬هذا الموقف‮: ‬تصريحٌ‮ ‬أدلى به وزير الخارجية ناصر بوريطة‮ ‬،‮ ‬الذي‮ ‬قال‮ ‬‭-‬عن حق‭-‬‮ ‬‭”‬إن‮ ‬قضية المغاربة الأولى،‮ ‬هي‭:‬‮ ‬الصحراء،كما هي‮ ‬قضية فلسطين‭”.‬
‮ ‬ورأى الرئيس السابق للحكومة‭-‬عن حق،‮ ‬أيضا‮ ‬‭-‬‮ ‬أن ذلك،‮ ‬لا‭ ‬يجب‮ ‬‭ ‬أن‭ ‬يدحرج قضية فلسطين إلى المرتبة الثانية‮. ‬وحقيقة الأمر،‮ ‬أن لا‭ ‬أحد كان‮ ‬يريد تراتُبية‮ ‬مُعينة في‮ ‬القضيتين،‮ ‬وهذا نقاش آخر‮.‬
وفي‮ ‬اللايف الثاني،‮ ‬لما حضر العثماني‮ ‬توقيع استئناف العلاقات،‮ ‬في‮ ‬المؤتمر الثلاثي،‮ ‬انقلبت المقاربة‮.. ‬ودعا إلى قبول الأمر والتسليم‮ ‬به من زاويتين اثنتين على الأقل‮:‬
أولا،‮ «‬نحن جزء من الدولة،‮» ‬ولا‮ ‬يمكن أن نكون معها في‮ ‬الحكم وضدها في‮ ‬الديبلوماسية‮ ‬‭(!‬؟‭)‬
وثاني‮ ‬الزاويتين،‮ ‬هي‭:‬‮ ‬أن العثماني،‮ ‬يوقع تبعا لما قرره الملك،‮.. ‬باعتبارأنه الثاني‮ ‬في‮ ‬هرمية الدولة‮.‬
لنا الظاهر،‮ ‬ولله السرائر‭.‬‮ ‬غير أن التدقيق قد‮ ‬يفيد وجود منطقين‭:‬
1‭-‬المنطق الذي‮ ‬نراه ظاهرا،‮ ‬وهو موجود،‮ ‬أي‮ ‬منطق الدولة المتحكم في‮ ‬مداخلته اللايف،‮ ‬والبارز في‮ ‬قوله‭:‬‮ ‬نحن جزء من الدولة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬جزء من قراراتها‭. ‬وهو رد على نفسه في‮ ‬ذلك،‮ ‬إذ لم‮ ‬يعد‮ ‬يدعو إلى التظاهر والاحتجاج،‮ ‬بل إلى قبول منطق الدولة وتواجد العثماني‮ ‬فيه‮.. ‬وداخله‮.‬
قد‮ ‬يجد في‮ ‬البلاغة القرآنية الكريمة سندا له،‮ ‬ويقول ما‭ ‬قاله عبد الرحيم بوعبيد‮: ‬نحن لا نقول للملك،‮ ‬في‮ ‬قضية الصحراء‭:‬‮ » ‬‭(‬اذهب أنت وربك فقاتلا،‮ ‬إنا هاهنا قاعدون‭)‬‮.. ‬
‮ ‬2‭-‬المنطق الثاني،‮ ‬الذي‮ ‬يتراء ى لنا من خلال القول بأن العثماني‮ ‬تابع،‮ ‬وهو‮ ‬ينفذ أمر رئيس الدولة‮ ‬،‮ ‬فيه‮ ‬نوع من شرعنة ما تم،‮ ‬بالحفاظ على جوهر الخطاب الدعوي،‮ ‬أي‮ ‬أن العثماني‮ – ‬في‮ ‬هذا المنطق‮ – ‬في‮ ‬حكم المضطرّ‮ ‬إلى‮ ….‬الحرام‮. ‬فهو‮ ‬يقبل ما لا‮ ‬يفتى بتحليله،‮ ‬ولكن فقه المضطر‮..!‬
الوهو الفعل الذي‮ ‬يمكن تبريره،‮ ‬أوتسويغه،‮ ‬أوتعليله بمنطوق الآية الكريمة‮ ‬‭(‬‮»‬إِلَّا مَنْ‮ ‬أُكْرِهَ‮ ‬وَقَلْبُهُ‮ ‬مُطْمَئِنٌّ‮ ‬بِالْإِيمَانِ‭).‬النحل‮: ‬106‮].‬
و الحال،‮ ‬أن التبني‮ ‬في‮ ‬قضية ديبلوماسية في‮ ‬صلب المعركة،‮ ‬للتواجد الإقليمي‮ ‬والتواجد‮ ‬المتماسك‮ ‬وطنيا،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون بتبرير تنفيذ حكم،‮ ‬بل الإعلان بقبول منطقه الأهم،‮ ‬أي‭ ‬أنه منطق الدولة الذي‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى ربح معركة وطنية كبرى،‮…‬أو منطق الدولة التي‮ ‬تخدم السلام بقبول مقدماته كلها،‮ ‬قَبُولَ‮ ‬المؤمن والمنخرط‮.‬
وفي‮ ‬حال‭ ‬ما ظل التبريربمنطقين،‮ ‬فإن منطق الدعوة،‮ ‬سيظل في‮ ‬نفس مرتبة منطق الدولة،‮ ‬إن لم‮ ‬يكن هو من‮ ‬يبرره بفتوى حكم المضطر،‮ ‬وفي‮ ‬الحالة الراهنة لا‮ ‬يتجاوزأحدهما الآخر،‮ ‬في‮ ‬موقف بن كيران،‮ ‬الذي‮ ‬عبرعنه بلباقة سياسية ونجاعة تنظيمية،‮ ‬جمعت بين بلاغ‮ ‬الأمانة العامة للحزب والمكتب التنفيذي‮ ‬لحركة التوحيد والإصلاح‮..‬في‮ ‬ضربة واحدة‮.‬
وبدون أي‮ ‬تلصصية‭ ‬إعلامية،‮ ‬ولا قراءة في‮ ‬النوايا،‮ ‬فإن عبد الإله قد وجدته اللحظة في‮ ‬تلاقي‮ ‬رافديْ‮ ‬التيار‭:‬‮ ‬التنظيمي‮ ‬السياسي‮ ‬والدعوي‮ ‬الحركي‮.‬
إن تيارا سياسيا ومجتمعيا ملحوظا في‮ ‬البلاد،كما هو حال العدالة والتنمية المغربي،‮ ‬لا‮ ‬يمكن ألا‮ ‬يهتم الرأي‮ ‬العام بمواقفه.وعليه،‮ ‬سيكون من المجدي‮ ‬أن‮ ‬يتقدم عبد الإله بنكيران خطوة أخرى إلى الأمام،‮ ‬مادام له صداه في‮ ‬الخريطة الداخلية،‮ ‬لوعي‮ ‬وممارسة الحزب الأول في‮ ‬البلاد،‮ ‬من أجل إنهاء ازدواجية،‮ ‬ذلك أن الشراكة في‮ ‬الحكم،‮ ‬ليست‮ ‬‭?‬وحدها‭-‬‮ ‬مبررا كافيا وعمليا لاتخاذ نفس المواقف مع الدولة‮. ‬ففي‮ ‬الوطنية،‮ ‬لم تكن مواقع المعارضة،‮ ‬داخل السجون أوخارج الحكم،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تتحكم في‮ ‬الموقف‮ ‬الموحد من القضايا الرئيسية في‮ ‬البلاد،‮ ‬لاسيما منها تلك التي‮ ‬تكون لها انعكاسات على الوحدة الترابية‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube