أخبار دولية

صحيفة التاتس الألمانية درجات تحت الصفر في “المغرب”

برلين : محمد نبيل حرة بريس

كشفت صحيفة “تاتس” الألمانية أن المنطقة القطبية الشمالية تشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، مما يؤثر على المناخ العالمي بشكل كبير. وقد ظهرت هذه التأثيرات جليًّا هذا الأسبوع في أمريكا الشمالية وبحر بارنتس.وأضاف كاتب المقالة الصحفية، الصحافي نيك غايمر ، أنه رغم وجود قرابة أربعة أسابيع قبل أن يبلغ الشتاء القطبي ذروته، فإن البيانات تشير إلى أن الغطاء الجليدي في المحيط المتجمد الشمالي يقترب من تسجيل رقم قياسي جديد في الانخفاض. وتضيف الصحيفة أنه وفقًا لبيانات معهد ألفريد فيجنر لأبحاث القطبين والمحيطات، بلغت المساحة المتجمدة في المحيط المتجمد الشمالي نحو 14 مليون كيلومتر مربع فقط بنهاية هذا الأسبوع. حتى في عام 2012، الذي شهد أدنى مستوى قياسي للجليد، كانت المساحة المتجمدة أكبر بمئات الآلاف من الكيلومترات المربعة في نفس الفترة.ورغم أن الشتاء القطبي لم يبلغ ذروته بعد، فإن تسجيل رقم قياسي جديد في انخفاض الجليد هذا العام لن يكون مفاجئًا. ففي الأسبوع الماضي فقط، شهدت القطب الشمالي موجة حر غير مسبوقة، حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى 30 درجة فوق المتوسط. وأوضح ينس هوفمان، عالم الأرصاد الجوية في الخدمة الأرصادية الألمانية (DWD)، أن “السبب يعود إلى منخفض جوي ثابت عالق فوق بحر بارنتس”.وفي الوقت نفسه، شهدت الولايات المتحدة موجات برد قاسية، خاصة في الولايات الشمالية مثل مونتانا وداكوتا الشمالية، حيث انخفضت درجات الحرارة ليلًا في بعض المناطق إلى 45 درجة تحت الصفر. حتى في المناطق الجنوبية بالقرب من مدينة دالاس الكبرى في تكساس، انخفضت درجة الحرارة إلى 8 درجات تحت الصفر. وتجدر الإشارة إلى أن دالاس تقع تقريبًا على نفس خط عرض تونس في شمال إفريقيا. وقال هوفمان: “نشهد حاليًا ما يُعرف بالدوران المضطرب، حيث انهار التيار النفاث تمامًا”.التيار النفاث: بين القطب البارد والاستوائيات الحارةالتيار النفاث (Jetstream) هو رياح علوية تهب على ارتفاع 10 كيلومترات فوق سطح الأرض بسرعة تصل أحيانًا إلى أكثر من 500 كيلومتر في الساعة. وبسبب دوران الأرض، يكون اتجاهه دائمًا من الغرب إلى الشرق، وتأتي موجاته بحركة متناوبة بين مناطق الضغط المنخفض والمرتفع.يُدفع التيار النفاث، مثل أي رياح، عن طريق فرق في درجات الحرارة: محركه هو الفرق بين القطب الشمالي والمناطق الاستوائية. ولكن مع ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي، ينخفض هذا الفرق، مما يقلل من قوة دفع التيار النفاث. نتيجة لذلك، تبقى الأنظمة الجوية ثابتة لفترة أطول، مما يؤدي إلى المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة.على سبيل المثال، في عام 2010، بقي مرتفع جوي فوق روسيا لمعظم شهري يوليو وأغسطس، مما تسبب في موجة حر شديدة وحرائق غابات واسعة النطاق. وفي الوقت نفسه، تسبب توقف التيار النفاث في استقرار الرياح الموسمية الممطرة فوق شمال باكستان، مما أدى إلى فيضانات أودت بحياة ما يقرب من 2000 شخص.ضعف التيار النفاث والظواهر المتطرفةيربط العلماء بين ضعف التيار النفاث والعديد من الكوارث المناخية الأخيرة، مثل فيضان وادي آهر في ألمانيا عام 2021، وموجة الجفاف في صيف 2018، وموجة الحر القياسية في 2019 التي سجلت درجات حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية لأول مرة في ألمانيا، وموسم حرائق الغابات في 2022، حيث احترق ما يقرب من 3000 هكتار، أي ثلاثة أضعاف المساحة التي تحترق في السنوات “العادية”.التيار النفاث قبل أزمة المناخقبل ارتفاع درجة حرارة الأرض، كان التيار النفاث مستقرًا إلى حد كبير، وكان أحد العوامل التي ساهمت في تطور أوروبا. أما اليوم، فإنه يجلب المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة والفوضى. ويتوقع أن تتفاقم هذه الظواهر. يقول ستيفان رامستورف، عالم المحيطات والباحث في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ: “القطب الشمالي يسخن بسرعة تتراوح بين ضعفين وثلاثة أضعاف سرعة سخونة المناطق الأخرى على الأرض”. نتيجة لذلك، تتناقص قوة دفع التيار النفاث بشكل متزايد. على سبيل المثال، قام علماء دنماركيون بقياس درجة حرارة المياه في القطب الشمالي على مدى سنوات. في شمال بحر بارنتس، ارتفعت درجة حرارة المياه بمقدار 10 درجات مئوية منذ عام 1982.المزيد من الظواهر المتطرفة في الولايات المتحدةليس التيار النفاث وحده هو الذي يجعل الطقس متطرفًا. في الولايات المتحدة، جاءت هذه الموجة الباردة مصحوبة بعواصف شديدة، مما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص على الأقل. ويشرح ثور هانسن، عالم الأرصاد الجوية في الخدمة الأرصادية الألمانية: “على عكس أوروبا، لا توجد سلاسل جبلية في الولايات المتحدة تعترض تدفق الهواء البارد نحو الجنوب. بالإضافة إلى ذلك، فإن البحر الأبيض المتوسط في أوروبا يسخن الكتل الهوائية أثناء تحركها جنوبًا”.ويمكن القول إن أوروبا تتمتع ببعض المزايا الجغرافية مقارنة بالولايات المتحدة في مواجهة تغير المناخ. يقول هانسن: “على الرغم من أن الكتل الهوائية تفقد جزءًا من خصائصها القطبية أثناء تحركها جنوبًا في الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم يمنع حدوث الصقيع حتى على ساحل الخليج. تقع نيو أورلينز على خط عرض 30 درجة شمالًا، وهو ما يعادل موقع جنوب المغرب على جانبنا من المحيط الأطلسي”.تأثير البياض ودوره في تغير المناخأحد العوامل الرئيسية التي ستزيد من اضطرابات الطقس المستقبلية هو تأثير البياض (Albedo Effect)، وهو انعكاس أشعة الشمس عن سطح الجليد. يتمتع الجليد بمعامل بياض مرتفع يصل إلى 0.8، مما يعني أن 80 في المائة من الطاقة الشمسية التي تصل إلى القطب الشمالي تنعكس مرة أخرى إلى الفضاء. ولكن عندما يذوب الجليد، يصبح معامل البياض للماء 0.1 فقط، مما يعني أن 90 المائة من الطاقة الشمسية تمتصها مياه المحيط، مما يؤدي إلى مزيد من الاحترار.ويشرح كريستيان هاس، الأستاذ في معهد الفيزياء البيئية بجامعة بريمن: “تعمل الأسطح الجليدية كمرايا تعكس أشعة الشمس بشكل أكبر من سطح الماء الداكن”. كلما قل الغطاء الجليدي في القطب الشمالي، قل تأثير هذه المرآة، وزادت كمية الطاقة الشمسية التي تمتصها مياه المحيط، مما يؤدي إلى مزيد من الاحترار وذوبان الجليد. إنها حلقة مفرغة: قوة التيار النفاث تتناقص أكثر فأكثر، والظواهر المتطرفة تزداد حدتها.التيار النفاث يعود إلى طبيعتهبحلول نهاية الأسبوع، من المتوقع أن يعود التيار النفاث إلى نشاطه. بعد أن وصلت درجات الحرارة في بعض مناطق ألمانيا إلى 15 درجة تحت الصفر، تشير توقعات الخدمة الأرصادية الألمانية إلى ارتفاعها إلى 15 درجة فوق الصفر. فرق 30 درجة في غضون أيام قليلة – أصبحت الظواهر المتطرفة هي “الوضع الطبيعي الجديد”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID