بعد الانتخابات التشريعية في ألمانيا: ماذا ينتظر حزب اليسار؟

برلين – محمد نبيل
أكدت صحيفة “التاتس” الألمانية في مقال للكاتب كيرستن أوغستان أن حزب اليسار استفاد من مجموعة من الظروف المواتية، لكن ذلك لم يكن العامل الوحيد وراء نجاحه في الحملة الانتخابية. فما الذي ينتظر الحزب الآن بعد هذه المفاجأة؟
العودة القوية
قبل أسابيع قليلة فقط، كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن حزب اليسار سيعجز عن تجاوز حاجز الخمسة بالمئة. لكن النتيجة كانت مفاجئة، حيث استطاع الحزب مضاعفة قوته، محققًا تقدمًا ملحوظًا في عدد الأصوات، خاصة مع ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات. إضافة إلى ذلك، فاز الحزب بعدد من المقاعد في الانتخابات المباشرة، بما في ذلك مقعد في مقاطعة برلين، ليحقق أول فوز له في الغرب.
الديناميكية الجديدة والتحولات الداخلية
المقال يشير إلى أن الحزب لم يحقق هذا النجاح نتيجة للظروف فقط، بل بفضل استراتيجيات محددة. فقد شهد الحزب تحولًا مهمًا بعد انشقاق الزعيمة سارة فاغنكنشت وأتباعها من “اليساريين المحافظين”، وهو ما دفع الحزب إلى إعادة صياغة صورته في الأوساط السياسية.
التحديات المقبلة
لكن، في الوقت الذي يحتفل فيه الحزب بهذا الإنجاز، لا بد له من مواجهة تحديات جديدة. فحتى إذا لم يكن جزءًا من الائتلاف الحاكم، يظل أمامه العديد من المهام الكبيرة. أبرزها هو كيفية تحويل الزخم الذي اكتسبه في الانتخابات إلى عمل يومي في النظام الديمقراطي التمثيلي. السؤال الأساسي الآن هو: كيف سيستفيد الحزب من هذا النجاح ليتمكن من دمج الأعضاء الجدد الذين انضموا إليه مؤخرًا؟ ما هي السياسات الحديثة التي سيتبناها، خاصة في فترات عدم وجود حملات انتخابية؟
إعادة البناء الداخلي
في هذا السياق، نجحت القيادة الحالية للحزب، وبالأخص يان فان آكن، في تهدئة الأوضاع الداخلية بعد سلسلة من الصراعات. رغم ذلك، يواجه الحزب الآن تحديات على المستوى الدولي. فقد أشار المقال إلى العقوبات الغربية ضد روسيا، التي وصفها الحزب بأنها غير كافية، وخاصة تلك المتعلقة بالأسطول الروسي الظل. ومع اقتراب الفترة التالية للانتخابات، لا يستطيع الحزب تجنب الأسئلة المعقدة حول السياسة العسكرية والدور الذي يجب أن تلعبه الديمقراطيات في دعم الدول ضد الدكتاتوريات.
السياسة الخارجية والتوجهات الجديدة
في الأسابيع الأخيرة، أصبح من الواضح أن هناك تحولات كبيرة في سياسة حزب اليسار. في الوقت الذي كان يعارض فيه توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، بدأت بعض الأحزاب اليسارية في دول أخرى، مثل فنلندا، في إعادة النظر في هذه المواقف. فهل يمكن أن يتبنى الحزب اليساري الألماني نفس النهج البراغماتي، خاصة مع تزايد الدعم في صفوف الأعضاء الشباب؟
حزب اليسار في البوندستاغ: دور المعارضة.
ومع مرور الوقت، بات من الواضح أن حزب اليسار سيكون في حاجة إلى أن يشغل دور المعارضة القوية في البرلمان الألماني (البوندستاغ). ففي السنوات الأخيرة، تبيّن أنه لا يكفي أن تُنتقد الحكومة من جهة اليمين فقط. الحزب سيكون مطالبًا بتقديم بدائل واضحة، خاصة فيما يتعلق بإصلاحات مثل “سقف الدين” و”الأموال الخاصة”، وهي قضايا أساسية تضمن أغلبية ديمقراطية من ثلثي الأصوات في البرلمان.
ثقة الشباب: تحدي الالتزام
ما يثير الاهتمام في نتائج الانتخابات هو الدعم الكبير الذي حظي به الحزب من قبل الناخبين الشباب، الذين غالبًا ما يفتقرون إلى ارتباط قوي بالأحزاب التقليدية. فقد أصبح الحزب اليساري الأقوى بين الناخبين الجدد، حيث اختارته واحدة من كل ثلاث نساء شابات. وهذه الثقة الكبيرة تمثل تحديًا كبيرًا للحزب الذي كان يُعتبر في الماضي حزبًا ميتًا.
المسؤولية الكبرى
النجاح الانتخابي لا يعني نهاية الطريق. بل هو بداية مرحلة جديدة من المسؤولية التي تتطلب من الحزب أن يكون أكثر واقعية في مقترحاته وأن يُظهر استعدادًا للعمل على الإصلاحات الهيكلية التي تنتظر البلاد. فإذا كانت نتائج الانتخابات قد منحت الحزب فرصة لإثبات نفسه، فإن المستقبل سيكون محكًا حقيقيًا له، حيث سيتعين عليه مواجهة تساؤلات معقدة وتقديم حلول مبتكرة للمشاكل المستعصية.

