فيسبوكياتمستجدات

الزوايا والمزارات والأضرحة بالمغرب :ركيزة الاستقرار والتطور

بقلم د ادريس الفينة

لعبت الزوايا والأضرحة والمزارات الدينية أدوارًا محورية في التاريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي للمغرب منذ عهد الأدارسة (788-974م). فقد كانت هذه المؤسسات تعبيرًا عن الروحانية العميقة التي نشأت مع الإسلام في البلاد، وعكست التداخل بين الدين والدولة في بناء المجتمع المغربي. تعد الزوايا مراكزًا للعبادة والتعليم والتواصل الاجتماعي، بينما تشكل المزارات مواقع للحج والتبرك، مما منحها مكانة فريدة في الحياة اليومية للمغاربة.بدأ ظهور الزوايا والمزارات مع تأسيس الدولة الإدريسية التي اهتمت بنشر الإسلام وتعزيز المؤسسات الدينية كجزء من بناء الدولة الوليدة. وقد أسهم إدريس الأول بشكل كبير في تعزيز الطابع الروحي للدولة عبر إنشاء المساجد والمزارات، مثل ضريح المولى إدريس في فاس، الذي أصبح رمزًا دينيًا وسياسيًا يعكس الارتباط الوثيق بين السلطة والشرعية الدينية. مع تطور الطرق الصوفية في القرون اللاحقة، برزت الزوايا كأماكن لنشر مبادئ التصوف وتخريج العلماء، حيث أصبحت مؤسسات بارزة في الحياة الدينية والثقافية، مثل الزاوية الناصرية بوادي درعة والزاوية الدلائية بالأطلس المتوسط.ساهمت الزوايا في نشر التعليم ومكافحة الجهل، حيث وفرت فرص التعلم للأفراد من مختلف الطبقات، ما ساعد على تعزيز الوعي والمعرفة في المجتمع. كما أسهمت في تخريج العديد من العلماء الذين نشروا العلم في المغرب وخارجه، مما عزز من مكانة المغرب كمركز علمي. علاوة على ذلك، لعبت الزوايا دورًا رئيسيًا في الوساطة وحل النزاعات القبلية والمجتمعية، حيث كانت تتمتع غالبًا بحياد سياسي جعلها محل ثقة واحترام. كما وفرت الزوايا خدمات إنسانية متعددة مثل إطعام المحتاجين وإيواء المسافرين وتقديم العلاج التقليدي، مما جعلها ملاذًا للضعفاء.أما المزارات، فقد كان لها أثر اقتصادي واجتماعي كبير. تجذب المزارات مئات الآلاف من الزوار سنويًا، ما ينعكس إيجابيًا على الحركة الاقتصادية في المناطق المحيطة بها. وقد أشارت إحصائيات حديثة إلى أن ضريح المولى إدريس بفاس وضريح سيدي أحمد التيجاني يساهمان بشكل كبير في تنشيط السياحة المحلية. في عام 2023، سجلت وزارة الأوقاف المغربية زيادة بنسبة 12% في عدد زوار المزارات مقارنةً بالعام السابق، مما يعكس استمرار ارتباط المجتمع بهذه المواقع الروحية.إلى جانب أدوارها الروحية والاجتماعية، أسهمت الزوايا والمزارات في تعزيز الهوية الوطنية ومقاومة التحديات الخارجية. خلال فترات الاحتلال الأجنبي، لعبت الزوايا دورًا رئيسيًا في تعزيز روح المقاومة والحفاظ على الهوية الثقافية والدينية. على سبيل المثال، كانت الزاوية الكتانية إحدى المؤسسات التي قاومت الاستعمار الفرنسي.على الرغم من هذه الأدوار الإيجابية، تواجه الزوايا والمزارات اليوم تحديات عدة. من بين هذه التحديات تقلص دورها في التعليم والتوجيه الروحي مع ظهور المؤسسات الحديثة، وظهور بعض الممارسات المرتبطة بالمزارات التي تعتبر بدعًا من الناحية الدينية. كما تطرح العولمة والحاجة إلى تحديث هذه المؤسسات أسئلة حول كيفية الحفاظ على التراث الديني والثقافي مع مواكبة العصر.يتطلب الحفاظ على هذه المؤسسات تعزيز دورها الروحي والتنموي في آن واحد. يمكن من خلال برامج وطنية متكاملة الاستثمار في الزوايا والمزارات ليس فقط كمراكز دينية بل أيضًا كركائز للتنمية الاجتماعية والثقافية. إن حماية هذا التراث لا تقتصر على ترميم المباني، بل تمتد إلى إعادة إحياء الدور الذي لعبته هذه المؤسسات في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والتقدم العلمي.تشكل الزوايا والمزارات ركيزة أساسية في النسيج الديني والثقافي للمغرب. منذ عهد الأدارسة وحتى العصر الحديث، كانت هذه المؤسسات مرآة للهوية المغربية بمختلف أبعادها. ورغم التحديات التي تواجهها اليوم، فإن استثمار قيمتها الروحية والثقافية والاقتصادية سيظل عنصرًا حيويًا لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الهوية الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID