كلمات.. في “البيجيدي” مرة أخرى
أحمد ويحمان
السؤال/ العنوان أعلاه اقتصرنا عليه لأسباب تقنية وللأعراف التي تقضي بأن تكون عناوين المقالات أقصر ما يمكن، وإلا فالعنوان الكامل هو :
بعدما عادت القيادة إلى قواعدها بخصوص التطبيع متى تعود إلى شعبها؟!
والحقيقة أن تتمة العنوان هو ما يفسر العودة للموضوع مرة أخرى، وإلا فقد أشبعناه نقاشا فيما هو مكتوب، وأكثر من ذلك في ما هو شفهي، بمناسبات عديدة؛ لقاءات تقييم في الهيآت .. ندوات .. وقفات .. مسيرات .. مجالس خاصة … الخ . وهو ما كان موضوع “كلمات” كثيرة نشرنا بعضها أعلاه .
عودتنا للموضوع، إذن، أملاه عاملان؛
1 ـ وحدة صف مناهضي التطبيع والاختراق الصهيوني .
2 ـ حصول مستجد في الموضوع يجب، في نظرنا، الوقوف عنده وإيلاؤه ما يستحق من الاهتمام؛ نقصد اعتذار القيادة الجديدة لحزب العدالة والتنمية عن التوقيع على التطبيع الذي تحملته القيادة السابقة .
لكن قبل الخوض في هذين العاملين وما يستلزمان من واجب البناء عليهما في سياق معركتنا ضد الاختراق الصهيوني والامبريالي، وواجب البحث عن كل ما يقوي ويعزز إنشاء ميزان القوى كفيل بمواجهة هذا الاختراق ومخططاته وأدواته الخبيثة، نرى أن الأمر يقتضي، قبل ذلك، استعراض جملة من التوضيحات نرجو أن يتوقف عندها الجميع، بصدر رحب ودون حساسيات وبموضوعية وعقلانية وما يكفي من حسن النية .
أولا : يلزم أن نستحضر أننا هنا في مضمار موضوع الانخراط في كفاح الشعب الفلسطيني العادل و حماية بلادنا من الاختراق الصهيوني الذي يتهدده جديا في أمنه واستقراره ووحدته، لا بل وفي وجوده .
ثانيا : سقفنا هو إسقاط التطبيع وإلغاء جميع الاتفاقيات وأية علاقات مع كيان الاحتلال الصهيوني .
وعليه، فإن جملة من النقاشات التي سادت وانعكست على صف مناهضي التطبيع منذ التوقيع المشؤوم على اتفاقية العار شابها كثير من التشابك والتعقيد، واختلط فيها الحابل بالنابل والحق بالباطل حتى التبس الأمر على كثير من المواطنين في قضايا واضحة لا لبس فيها؛ وهل هناك أوضح من عدالة القضية الفلسطينية وأولوية استقلالنا الوطني ضد كل التبعيات، لاسيما للغرب الإمبريالي ؟ !
من هنا وجوب الوقوف عند بعض ما نراه السبب في انتشار هذا الخلط وهذا التصدع وهذا اللبس عند الناس الذي يخدم مخطط أجندة الاختراق الصهيوني على حساب قضيتنا كمناهضي الاختراق .
ثالثا : إن أول الإشكال كان مع توقيع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني على اتفاقية التطبيع مع كيان الاحتلال والإبادة الجماعية .
لم يصدر عن الحزب في بياناته الرسمية، في جهازه التنفيذي (الأمانة العامة) أو التقريري (المجلس الوطني) ما يتبرأ من الاتفاقية، رغم مطالبة ائتلافات مناهضة التطبيع بذلك . وكانت تصريحات بعض قيادييه وأطره هو أن الأمين العام للحزب وقع بصفته رئيس الحكومة وليس بصفته أمينا عاما للحزب !
هذا كلام مستفز، وهو السبب في غضب عموم الناس على الحزب لأنهم يعتبرون أن قيادة هذا الحزب بمثل هذه الأقوال تستخف وتسخر من عقولهم . وهذا، في ميزان الحق والقسطاس،إسمه، دون مواربة؛ تهربٌ وتنصلٌ من المسؤولية .
فرئيس الحكومة لم يك رئيسا للحكومة إلا لأنه أمين عام للحزب وبصفته تلك . ثم إن الحزب لم يتبرأ من التطبيع ولم يحاسب أمينه الذي وقع عليه .. فماذا يعني هذا ؟ إن عدم التبرؤ من توقيع التطبيع وعدم محاسبة الموقع عليه ومحاولات تبريره من قبل بعض القيادات يطرح سؤال معنى المسؤولية .. فما هي المسؤولية إذن ؟ ذلك أنه، وفق منطق القياديين في الحزب الذين تصدوا للتبرير ودبجوا مقالات في ذلك، فإنه لا معنى لإدانة التطبيع إذن فنفس المبررات هي التي يقدمها السيسي و محمد بن زايد ومحمد بن سلمان وأردوغان وغيرهم …
إن هذا المنطق هو الذي أسقط قيادة حزب العدالة والتنمية في تناقضِ قول شيء ونقيضه وفي بؤس خطاب مرتبك زاده الإنكار والعناد بؤسا في بؤس لمدة طويلة .. وهذا ما أدى إلى غضب الجماهير منه وإلى تجميد عضويته في مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين إلى يومنا هذا .. وهو ما حمل، كمثال، أحد القادة اليساريين المشهود له بالحصافة والرزانة، الصديق جمال العسري، رئيس الحزب الاشتراكي الموحد، أن يتطرّف ويقول بأنهم لن يتعاملوا أبدا مع هذا الحزب ” حتى لو طهر نفسه ” !
ولكن !
رابعا : الواقع يؤكد أن مكونات الحزب وشركائه ( حركة التوحيد والإصلاح .. الاتحاد الوطني للشغل .. الشبيبة .. القطاع الطلابي .. القطاع النسائي والمنظمات الجماهيرية الموازية ) هذه المكونات والشركاء اتخذوا مواقف مكتوبة وأصدروا بيانات، وأهم من ذلك، أنهم جسدوا مواقفهم بالحضور والالتزام الدائم في الفعاليات النضالية ضد التطبيع والاختراق الصهيوني .
خامسا : عدد من قياديي الحزب، وهم وزراء ومسؤولين عن مدن، عبروا بوضوح عن موقفهم المدين للتوقيع عن التطبيع كوزير التشغيل وقتها، وكان رئيس الشبيبة، الذي أدلى بتصريح لقناة الميادين يرفض فيه التطبيع وكذا الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وكان أيضا عمدة لأكبر مدينة بالمغرب؛ الدار البيضاء، السيد عبد العزيز العماري، الذي قدم استقالته من الأمانة العامة للحزب و الجامعي والبرلماني السابق المقريء أبو زيد الذي جمد عضويته بالأمانة العامة وع العزيزأفتاتي وجوادعراقي وهناوي وفلولي وغيرهم ممن خاضوا معركة حامية ضد الإنهزامية والانبطاح للتطبيع داخل الحزب حتى تمكنوا وحالوا دون انجرافه والتحاقه بعدد من الأحزاب المحترمة سابقا، والتي سقطت في المستنقع وانخرطت في عفونته بتصويتها على عدد من ” القوانين ” والاتفاقيات ومذكرات التفاهم التطبيعية مع كيان الاحتلال والإبادة الجماعية (ما كان يسمى الأحزاب الوطنية؛ الاستقلال .. التقدم والاشتراكية .. الاتحاد الاشتراكي )..
سادسا : عشرات الآلاف من مناضلات ومناضلي هذا الحزب وأطره والمتعاطفات والمتعاطفين معه، وطنيا و بمختلف الأقاليم يقومون بجهود لنصرة فلسطين ومقاومة الاختراق الصهيوني، نشهد بما نعلم، ولا يعلمه الكثيرون، أنهم لا يتقدمهم فيها أحد .
فهل الموقف الصحيح هو الحفاظ على كل هذه المقومات من القوة في صف مناهضة التطبيع أم التفريط فيها، وربما إهداء جانب منها ـ بسبب المواقف المتشنجة والحدية أو للاختلاف الفكري والسياسي ـ لمعسكر التطبيع وتبريره ؟ .
سابعا : المبدأ يجب، مثل القاعدة القانونية، أن يكون مجردا وعاما .
صحيح أن جريرة التوقيع على التطبيع هي كبيرة الكبائر . لكن أي تطبيع، بأي مستوى كان، مدانٌ، وأي مطبّع، حزبا كان أو نقابة أو جمعية أو شخصا، هو مدانٌ وتجب مقاطعته إلا “… من تاب من بعد ظلمه وأصلح ” . وعليه، فكما تمت مقاطعة حزب العدالة والتنمية يجب مقاطعة كل الهيآت المطبعة حتى تقدم النقد الذاتي وتعتذر عن انخراطها في خزي التطبيع وتبريره .
وبميزان الحق، مرة أخرى، لا معنى لإدانة ومقاطعة حزب العدالة والتنمية والتعامل مع حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال مثلا .. نقصد هنا، طبعا، التعامل الرسمي مع القيادات المطبعة وليس قواعد الأحزاب الرافضة للتطبيع والمناهضة له بإزاء السلطة الرسمية وبإزاء قياداتها التي فرضت عليهم هذا العار، ضدا على إرادتهم، بالاستبداد .
هذا، وليرجع بنا مرجعنا، الآن، إل العامليْن الذين كانا وراء عودتنا إلى هذا الموضوع من الأساس . وسنقلب الترتيب هذه المرة .
1 ـ مستجد اعتذار القيادة الجديدة لحزب العدالة والتنمية عن توقيع التطبيع
بالنسبة لهذا العامل، ينبغي، بداية، أن نتذكر أننا هنا نتحدث في مضمار صراع محدد وبسقف محدد، حتى لا تختلط علينا الأمور ونضيع الهدف مرة أخرى؛ مضمار الصراع مع الاختراق الصهيوني، ومن أجل هدف وسقف إسقاط التطبيع وإلغاء جميع الاتفاقيات وجميع العلاقات مع كيان الاحتلال والإبادة الجماعية .
وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بأن الأمين العام الجديد السيد عبد الإله بنكيران بكى في مهرجان مسرح محمد الخامس مساء يوم ….. ، وقال بالحرف بالعامية المغربية ما ترجمته بالعربية الفصحي :
” … حزب العدالة والتنمية إذا كان وقع في خطأ التوقيع عن التطبيع فنحن نقولها … “.
وفي كلمته بمهرجان عيد العمال( فاتح مايو سنة 2022 )، في سياق حديثه عن تزوير الإرادة الشعبية وتفصيل المؤسسات على المقاسات وسرقة المقاعد البرلمانية من حزبه، قال:
” نحن نعترف أننا ارتكبنا أخطاء، ولكن هذا كثير جدا ( …) لم نقبل المقاعد التي مُنحت لنا بالتزوير (3 مقاعد برلمانية) … نحرص أن تبقى رؤوسنا مرفوعة دائما … نحن لم نقبل الدخول في اللعبة … وحتى عندما نرتكب خطأ نعترف به ونقول هذا كان خطأ ونعتذر عليه ونتراجع عنه … الموقف من اللغة العربية كان خطأ … والتطبيع كان خطأ … وتقنين مخدرات القنب الهندي (الكيف) كان خطأ … ” .
2 ـ وحدة صف مناهضي التطبيع والاختراق الصهيوني .
يؤكد السوسيولوجي الفرنسي الماركيز ألكسيس دوطوكفيل على حقيقة تبناها السوسيولوجي الأنكلوساكسوني الأمريكي جون واتربوري وخصص لها فصلا كاملا في كتابه ” أمير المؤمنين والنخبة السياسية بالمغرب “، وهي أن الاستعمار والاستبداد يمكن أن يتساهلا في كل شيء ماعدا قضية واحدة هي أي تقارب، وأحرى أية وحدة بين القوى الاجتماعية المختلفة حول هدف ما؛ ذلك أن القاعدة الذهبية للهيمنة والسيادة هي ” فرق تسد ” .Diviser pour regner =
وإذا تمثلنا هذه الحقيقة أدركنا واجب العمل على تجميع كل من يؤمن بأن التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني شر مطلق بما يمثله من مخاطر بتاريخه الإجرامي المتواصل ضد الإنسانية في كل مكان .
صحيح أن قيادة حزب العدالة والتنمية ينبغي أن تكون في مستوى المسؤولية وتصدر بيانا مكتوبا ومسؤولا يخرج من التردد والغموض ويطمئن الشركاء بعدم التراجع أو الرجوع للالتباس المعبر عنه من قبل بعض القيادات وما يسمى ” تفهم ” ما لا يمكن تفهمه . وصحيح كذلك أن الحزب ومختلف مكوناته مطلوب أن يحددوا الموقف من العثماني الذي يتحمل وزر جريمة التوقيع عن التطبيع، مادام لم يقدم أي نقد ذاتي ولم يعتذر، لأن استقباله، وهو في هذه الوضعية، هو كما يقول القائلون عن حق : تطبيع مع التطبيع . وفي نفس السياق ينبغي القول كذلك أن على من يقولون هذا الكلام أن يكفوا عن التعامل مع المطبعين الآخرين في الأحزاب الأخرى المنجرفة لمهاوي هذا الخزي بهذا القدر أو ذاك .. فالتطبيع تطبيع، وهو خيانة كما نردد جميعنا في تظاهراتنا .
آخر الكلام
إن المعركة كبرت والقادم مفتوح على كل الاحتمالات، والوضع يقتضي تجميع كل الأخيار لبناء ميزان قوى قادر على المواجهة والتحمل، والوطن محتاج لكل ذي ضمير وطني . إن قانون الجدل الطبيعي والاجتماعي يقتضي اعتماد قانون التراكم كأساس للتحولات الكمية إلى تحولات نوعية وهذا ما يستلزم مراعاة فرز التناقضات الثانوية من التناقضات الرئيسية والتوفيق في تحديد و التزام السقوف وحسن تحديد أهداف كل مرحلة .
و ” بالوحدة والتضامن اللي بغيناه يكون يكون ” .
ولنحذر أنه بدون الوحدة والتضامن نتفرق ونفشل وتذهب ريحنا .. لا قدر الله ! × رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع