شخصيات

ذكريات صراط عبور سبتة

عبور 2016

الفنان التشكيلي يوسف سعدون

طابور من السيارات يتحرك بإيقاع السلحفاة وزعاق المنبهات يتنافس في الاحتجاج..العرق يبلل ملابسنا الصيفية والحرارة تتحدى مفعول المكيف..أتقدم مسافة فصيرة ثم أنتظر للحظات طويلة أمام وجهة الحاجز الأمني..زوجتي بجانبي تعبئ استمارات بها معلومات متضمنة بجواز السفر ولا ندري سبب إلزاميتها…أحيي رجل الأمن وأسلمه الجوازات فيشرع في تفحصها بعد أن يضع الاستمارات جانبا.يتأكد من المعلومات عبر الحاسوب ويبصم بالخاتم بقوة على إحدى الصفحات ثم يسلمني الجوازات..أتوجه نحو حاجز أمني آخر فيسمح لي بالمرور دون تفتيش لكي أصل لثالث بعد سباق عسير مع باقي السيارات. يتفحص الشرطي وجوهنا هل هي مطابقة لصور الجوازات فيأذن لنا بالعبور نحو الحاجز الأمني الإسباني حيث يبادرني رجل الأمن ب”أولا”ويسألني إن كنت سأعبر نحو الضفة الأخرى فأجيبه أن وجهتي هي سبتة فقط فيرد بابتسامة: passa…
بعد هذا أعبر صراطي الأخير حين يدعوني رجل جمارك إسباني بفتح ‘كوفر”السيارة فلا يجد شيئا ثم يسمح لي بالمرور.وعند أبواب سبتة يتسابق نحونا”الصرافة”لتغيير العملة ثم ننطلق نحو المدينة…
نبدأ البرنامج كعادتنا في التسوق ..الكل هنا يغري.متاجر أنيقة وعرض فني جميل للبضائع وأثمنة في المتناول خصوصا هذه الأيام بمناسبة “الريباخا’.تتيه زوجتي بين المعروضات وأنا فقط أتبع خطواتها.تتنقل برشاقة بين متجر وآخر ولا نشعر بالوقت..وحين يأخذ مني التعب أدعوها لفنجان قهوة أوعصير أو ما تشتهي..وتدرك هي بحدسها سر دعوتي لها حين يأتي النادل بطلبها مرفوقا بمائي المفضل الذي يؤنسه طبق ل”طابا’لذيذ..
نختم جولتنا بوجهتنا نحو أسواق”إيروسكي” لكي نتبضع حاجياتنا من المأونة الأسبوعية..أترك زوجتي في عالمها وهي تملأ عربة التسوق بكل الحاجيان بينما أتوجه أنا لتفقد جديد المياه.ألاحظ إقبالا على نوع بثمن تفضيلي حيث أنك إذا اشتريت ثلات علب فالثمن ينقص بالربع.اقترح علي أحد المغاربة أن نشتري ثلات علب ونأخذ واحدة لكل واحد منا ونقتسم الثالثة..اعتذرت له وأخذت لنفسي ست علب وفرحة الاستفادة من العرض تغمرني…
أسارع الخطو عند زوجتي فنجمع أغراضنا وأؤدي المبلغ بالأورو وأكمل بالدرهم لأن نصف ما استبدلته من أورو التهمته مقتنياتنا من الألبسة..
بعد هذا نأخذ طريق العودة لكي يمارس علينا الطابور ساديته المعهودة خصوصا رجال جمارك بلدي . هم هذه المرة لا يقتنعون بجوابي بخصوص مقتنياتي فيفضلون التفتيش فيصلون إلى علب مياهي..
يقول لي أحدهم ما هذا فأرد أن ذلك فقط لاستهلاكي الشخصي ﻷنني فنان وتلك المياه تساعدني في إبداعاتي..يسألني هل أحمل معي مياها أخرى ذات الدرجة العالية فأرد بالنفي..ثم يأذن لي بالرحيل بعدما أشكره بحرارة على تساهله معي.
نصل إلى المنزل حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا..وأول مأ أفعله هو وضع بعض من مياهي بالثلاجة لكي أرتوي..وحين أدقق في واحدة منها أجدها تحتوي على صفر من الكحول وأحمد الله على أن هداني نحو جعة خالية من الكحول حتى أخفف من ذنوبي بينما الضحكة الساخرة لزوجتي من حسرتي تملأ علي المكان…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube