مقالات الرأي

آااااح‮ ‬،‮ ‬وصلنا إلى الخيار الصعب‭: ‬من‮ ‬يستحق سرير المريض بين المصابين بكورونا؟

الاعلامي القدير حميد جماهري

‮ ‬يبدو عاديا أن نوما جيدا‮ ‬يتماشى مع سرير‮ ‬
‮ ‬ما لا نتوقعه،‮ ‬هو أن نكون مجبرين على الاختيار بين النوم والسرير،
‮ ‬كما‮ ‬يحدث للأطباء المغاربة الذين وصلوا إلى هذه المعادلة‭.‬
الامتحان،‮ ‬أن‮ ‬يناموا نوما مريحا،‮ ‬أي‮ ‬بضمير مرتاح،‮ ‬عليهم أن‮ ‬يجدوا سريرا لنوم المرضى‭.‬
والحال أنهم أصبحوا أمام خيار أخلاقي‮ ‬لا‮ ‬يتعايش فيه هذا الثنائي‭.‬‮ ‬النوم مرتاح البال والسرير‭.‬
فقد وصلنا إلى مرحلة الخيار الصعب،‮ ‬الخيار الأخلاقي‮ ‬في‮ ‬تطبيب المرضى بكورونا‭.‬
مرحلة الحد النهائي،‮ ‬الذي‮ ‬نمتحن فيها أخلاقياتنا،‮ ‬وسلم قيمنا في‮ ‬تقديم العلاج واستقبال المريض‭.‬
و قد‮ ‬شاهدنا،‮ ‬في‮ ‬بداية الأزمة،‮ ‬كيف أن الخيار الصعب،‮ ‬أدى إلى مواقفَ‮ ‬لاأخلاقية في‮ ‬إيطاليا وإسبانيا وفرنسا،‮ ‬عندما كان معيار السن قاعدة في‮ ‬اختيارمن‮ ‬يتلقى العلاج‭.‬
كان ذلك في‮ ‬نهاية مارس‮…‬2020‭.‬
بعد ثمانية أشهر،‮ ‬وصلنا إلى نفس العتبة‭:‬‮ ‬الأخلاق والصحة،‮ ‬كيف نختار؟
في‮ ‬مقال‭ ‬صدر في‮ ‬عدد البارحة حول الموضوع،‮ ‬كتب زميلنا وحيد مبارك،‮ ‬أنه مع‮ ‬
‮«‬تعذر توفير سرير بمصالح الإنعاش والعناية المركزة بسبب ارتفاع الطلب عليها،‮ ‬بات‭ ‬الأمر‮ ‬يدفع الأطباء إلى خيار صعب،‮ ‬يتمثل في‮ ‬اختيار من له أولوية الولوج إلى سرير،‮ ‬إذا ما توفر،‮ ‬بناء على عدد من المعايير،‮ ‬وهو الأمر الذي‮ ‬يضع مهنيي‮ ‬الصحة في‮ ‬وضعية نفسية أخلاقية وإنسانية جد صعبة،‮ ‬فيعيشون ألما رهيبا‮«‬‭.‬
‮ ‬لقد كانت تدوينة للبروفيسور محمد موهاوي،‮ ‬رئيس مصلحة مستعجلات مستشفى ابن رشد في‮ ‬الدارالبيضاء تنزف دما‮…‬،
قصة بكل مواصفات التراجيديا الإغريقية،‮ ‬حيث تتكاثف العلاقات الإنسانية،‮ ‬بالشرط الأخلاقي،‮ ‬ويتجاور الحد الإنساني‮ ‬مع معنى الوجود نفسه‭.‬
‮ » ‬إنها قصة أب وابنه،‮ ‬وصلا في‮ ‬وضعية خطيرة وحادة،‮ ‬بسبب الاختناق والنقص المهول في‮ ‬الأوكسجين،‮ ‬جراء الإصابة بالفيروس اللعين‭.‬‮ ‬المشكلة،‮ ‬أن هناك مكانا واحدا شاغرا فقط‮ ‬في‮ ‬الإنعاش‭.‬‮ ‬فمن تختار؟ وهما معا على نفس درجة الإصابة بناء على فحص السكانير،‮ ‬ونفس درجة الاختناق،‮ ‬لكن‮ ‬يجب الاختيار مابين الأب وابنه؟ فيأتيك السؤال‭:‬‮ ‬أستاذ من نوجّه للإنعاش؟ سؤال بالغ‮ ‬الأثر،‮ ‬من سأختار ؟ ولم‮ ‬يجب علي‮ ‬الاختيار؟ هل ترون هذا الأمر سهلا؟‮ ‬وضعية تجد نفسك خلالها في‮ ‬حيرة،‮ ‬ويجب في‮ ‬نفس الوقت أن تحتفظ بتركيزك،‮ ‬في‮ ‬الأخير اخترت واحدا منهما،‮ ‬لن أقول من هو ؟ لكن بعد ساعتين فقط وتحت إلحاح كبير،‮ ‬مصالح الإنعاش قاموا وبذلوا أكثر من المستحيل لكي‮ ‬يخصصوا مكانا إضافيا‮ ‬فوق الطاقة الاستيعابية،‮ ‬للتكفل بالمريض الثاني‭.‬عدا ذلك،‮ ‬ما كان بإمكاني‮ ‬أن أستطيع النوم‮ ‬‭.‬
نحن أمام معادلة رهيبة،‮ ‬حيث‮ ‬يكون عليك أن تختار من‮… ‬تضعه في‮ ‬مراهنة الموت‮…‬
ومن تعيِّنه للحياة‭.‬
‮ ‬ومن تسلمه إلى ملك الموت،‮ ‬ومن تحاول أن تنقذه ب‭”‬قسَم أبوقراط‭”‬‮ ‬؟
هذا الحد الجارح،‮ ‬الحد النازف،
هذا الشرط الإنساني‮ ‬الفظيع،‮ ‬نحن نسير باتجاهه‮ ‬،‮ ‬بعيون مفتوحة‭.‬
‮ ‬واضح أنه قد تعب الجميع‭.‬
تعبت القدرة البشرية‭.‬
وتعبت الأصوات من التنبيه إلى الانهيار المنتظر لمنظومتنا الصحية‭.‬
‮ ‬وعندما نقول انهيار منظومة،‮ ‬تبدو العبارة مسكوكة،‮ ‬باردة،‮ ‬جافة وموضوعية حتى،
لكن ما ليس قابلا للقياس…هو تعب الضمير من مواجهة المعادلات الشاقة‮.‬
وفي‮ ‬قضية مثل هاته،‮ ‬يكون العقل والضمير أمام سؤال ممض،
يتشابك فيه الدين،‮ ‬والعقل والأخلاق والقسَم المهني‮ ‬للطب والمساواة والحق في‮ ‬الحياة والدستور إلخ إلخ‭.‬
‮ ‬كما أنه‮ ‬يحيل على ثنائي‮ ‬آخر،‮ ‬حيث‮ ‬الوباء والخصاص‮ ‬يتحالفان،
ويكون الطبيب مجبرا على اختبار نفسه‮ ‬في‮ ‬ثلاثية قاتلة‭:‬‮ ‬
1الانتقاء‮ ‬
2تحديد الأولوية‮ ‬
3التحكيم‮ ‬
وهو عادة ثلاثي‮ ‬يختار الأطباء أن‮ ‬يتم بينهم،‮ ‬في‮ ‬المغلق المهني‭.‬
الضمير في‮ ‬المعادلة،‮ ‬هو حامل الرسالة الأخلاقية التي‮ ‬تحدث عنها الطبيب أعلاه،‮ ‬بوخز حاد في‮ ‬القلب‭.‬‮ ‬
نذكر‮ ‬هنا ألبير انشتاين،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يردد‮ ‬‭:”‬‮ » ‬لا تقم بأي‮ ‬شيء‮ ‬يناقض ضميرك،‮ ‬حتىلو طلبته منك الدولة‮ ‬‭!‬‮«‬‭”.‬
وسيكون من حسن الحظ أن الدولة لا تطلب ذلك،‮ ‬ولا تضع الشروط الموضوعية لذلك‭.‬
وربما‮ ‬يجب أن نقرأ التسريع في‮ ‬اللقاح الذي‮ ‬اتخذه ملك البلاد،‮ ‬جوابا قبل الوصول إلى الاستعصاء الأخلاقي‮ ‬الذي‮ ‬يفرضه انتشار المرض‭.‬
ربنا لا تمتحنا في‮ ‬ضميرنا،‮ ‬ولا تخيرنا بين الأوجاع‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube