شخصياتمستجدات

مجرد موقف من الإسقاط إلى مقاومة السقوط

المناضل عبد الرحمان غندور

خرج الشعب في الأيام الغابرة، يريد إسقاط الاستعمار وتحقيق الاستقلال. فسقط الشعب، وتحقق الاستعمار الجديد أشد فتكا من الاستعمار نفسه، برعاية قوم ينتمون إلى نفس الأرض التي كافح من أجلها الشعب. ثم خرجت فئة من نفس الشعب، تريد إسقاط رموز الاستعمار الجديد بالاحتكام للديموقراطية، فسقط مناضلو هذه الفئة بين قتيل ومختطف وسجين ومنفي ومشرد ومحروم من الرزق. وتربع المستعمرون الجدد على كراسي تدبير حياة الناس ومعاشهم. ثم جاء ربيع كاذب، فخرج الشعب من جديد، يتقدمه شباب من جيل ما سمي بالاستقلال، وجيل سنوات الجمر والرصاص، وما تبقى من جيل مقاومة الاستعمار، يريدون إسقاط الاستبداد والفساد. لكنهم سقطوا واستأسد الفساد والاستبداد عن طريق الديموقراطية وما أفرزته صناديق الاقتراع النزيهة والشفافة جدا. وأصبح شعار” طحن مو ” جوابا شافيا لكل من سولت له نفسه أن يرفع شعار الإسقاط. لم يبق للناس ما يخرجون من أجله للتظاهر والمطالبة بإسقاطه سوى إسقاط الشعب نفسه. وهذا ما حدث بالفعل. لذلك حين ننتبه للخريطة البشرية الشعبية في غالبيتها، نجد الساقطين أكثر من الواقفين الصامدين، ” الطايح اكثر من النايض ” وسبب السقوط هذه المرة، هو إصابتهم بفيروس قاتل ومتحول، خطير وفتاك، يسمى فيروس التفاهة والرداءة والضحالة والسفالة والسفاهة. وكل من أصابه هذا الفيروس، يسقط من تلقاء نفسه دون حاجة لآليات القمع والتنكيل، بل نتيجة لآليات الترويض والتدجين والتمييع والتضبيع والتجهيل، مما يؤدي إلى السقوط في مهاوي الاغراء والاسترزاق والإستطعام والانبطاح والوصولية والانتهازية… ولذلك سقط أغلب الشعب مدحورا، وأسقط بتصويته ” الديموقراطي ” أغلب المنتخبين المحليين وإلاقليميين والجهويين، والبرلمانيين، والوزراء، وكتاب الدولة، وأعضاء الدواوين، وزعماء الأحزاب والنقابات والموالين لهم، وسقط لسقوطهم الكثير، من الجمعويين والمثقفين والأكاديميين، والعديد من الفنانين من مطربين ومسرحيين وسينمائيين…. والأغلبية الساحقة من الصحافيين والإعلاميين، وأصحاب القنوات الخاصة، والمحتويات واليوتوبيين والفيسبوكيين والتويتريين والواتسابيين والطوكتوكيين والانستاغراميين…. وأصبح السقوط يولد السقوط دون حاجة للإسقاط. ومن لم يسقط اليوم فهو مؤهل للسقوط غدا.إننا نعيش زمن السقوط الحر بكل لغات العالم، free fall، la chute libre، freier Fall، caida libreفهل حقا لم يبق لنا ما نسقطه؟الجواب لكم، أما أنا شخصيا، فبعد كل ما قدمناه طول العمر، من أجل إسقاط ما اعتقدناه يستحق السقوط، أحرص كل الحرص على أن لا أسقط في فخ الرداءة والتفاهة والسفالة والسفاهة، ومساعدة الآخرين للتغلب على آفة السقوط، وفي ذلك أضعف مراتب النضال في ما تبقى من العمر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube