مقالات الرأي

النظام الجزائري: انتكاسة دبلوماسية وأخرى رياضية

                                                                                           لحسن الجيت

كم كان رهان النظام الجزائري كبيرا على حدثين قاريين أحدهما على المستوى العربي ويتعلق الأمر بالقمة العربية التي نزلت الجزائر بكل ثقلها لكي تنعقد في موعدها في شهر مارس المقبل، والحدث الثاني تمثل في إقصاء المنتخب الجزائري لكرة القدم في مرحلة مبكرة من دور المجموعات بعد أن احتل الرتبة الأخيرة في مجموعته. 

أن تاتي المصائب فرادى فهذا أمر طبيعي لكن أن تجتمع في  آن واحد فهو ليس نحسا كما يريد ذلك النظام أن يسوقه لشعبه بل هو عقاب لمن يريد أن يعطي لنفسه حجما أكبر مما هو عليه. ومن عادة الأقوياء التواضع يعملون على أرض الواقع ولا يتكلمون، بينما الضعاف يكثرون اللغط واللغو للتمويه والتستر عن ضعفهم ليشهد عنهم مكرهم ولا يحيق المكر إلا بأهله.  

1 ـ  في موضوع القمة العربية، التي كانت ستحتضنها الجزائر،  خطط نظامها أن يجعل منها مناسبة لخلط الأوراق في المنطقة العربية أكثر مما هي مخلوطة أصلا . ولكن هذه المرة كشفت النوايا الحقيقية للنظام الجزائري وبات واضحا لدى الجميع أن الشعارات التي يروج لها من قبيل لم وترصيص وحدة الصف العربي ما هي إلا شعارات كاذبة لا علاقة لها بالواقع ولا بالسياسات التي يمارسها النظام الجزائري في المنطقة العربية: سياسات التفرقة والبلقنة. 

فمن يرفع شعارات الوحدة والتضامن لا يحق له أن يقطع علاقاته الدبلوماسية مع بلد جار وهو المغرب الذي له وزنه عربيا ودوليا. فعن أية وحدة يتحدث هذا النظام ويوهم العالم العربي بذلك فيما هو يرفض رفضا متعجرفا الوساطات العربية وكذلك اليد المغربية الممدودة إليه للجلوس على طاولة الحوار والمكاشفة الصريحة والواضحة حول الأزمة المفتعلة بين الطرفين.

 من يدعو إلى الوحدة والتضامن العربي لا ينهج سياسة يتآمر فيها مع قوى غربية ضد بلد شقيق في وحدته الترابية. ومن يدعو إلى الوحدة العربية عليه أن يقف إلى جانب كل أرض عربية ما زالت محتلة من قبل عجم وفرس كما هو بالنسبة للمغرب في مدينتي سبتة ومليلية ، وبالنسبة لدولة الإمارات العربية بخصوص الجزر الثلاث التي تحتلها إيران.

هذه هي القضايا التي ينبغي أن يكون حولها موقف عربي موحد، لا كما يذهب النظام الجزائري الذي نحا في اتجاه استغلال القمة العربية على أرضه لكي يثقل أجندة تلك القمة بأشباه القضايا التي تمزق النسيج العربي عوض أن توحده. فما معنى أن يضع النظام الجزائري القضية الفلسطينية في نفس الكفة مع مسألة انفصاليي البوليساريو التي تتبناها الجزائر فقط نكاية في المغرب.ولعل ذلك الطرح يعتبر في حد ذاته انتقاصا للقضية الفلسطينية كقضية عادلة سواء على الصعيد العربي أو على الصعيد الدولي. وها هو النظام الجزائري، كما يشهد عنه الجميع، هو الذي كان من وراء إفشال القمة كي لا تنعقد لأن ما يريد أن يطرحه يعد تماما خارج السياق العربي بل أكثر من ذلك يريد أن يرهن العرب جميعا بأجندته وبالدور المريب الذي يلعبه في المنطقة.

ولعل السحر قد انقلب على الساحر، والساحر الذي كان يراهن عليه النظام الجزائري هو المدعو رمطان لعمامرة. ولقد نصحناه في مقال سابق عند عودته على رأس دبلوماسية نظامه بأن المراهنة عليه فاشلة، وأكدنا بأن التطورات في العالم أصبحت تتجاوزه وما يحمله من عقيدة عفا عنها الزمن لا يمكن أن يدبر بها مرحلة اليوم. والدليل على ذلك أن المغالطات التي يريد ترويجها في العديد من المحافل وجدت أبوابا محكمة الإغلاق. 

وقد كان لهذا الإخفاق ارتدادات على الفريق الحاكم نفسه وبات كل واحد منهما ينازع الآخر سعيا لإقصاء الغريم. الرئيس الصنم تبون بدأ يتوجس من المدعو لعمامرة ويشكك في خططه ونواياه على أنه يعد نفسه لولاية الرئاسة المقبلة. ومن غير المستبعد في ظل التجاذبات الحالية أن يعمق الإخفاق الدبلوماسي الأزمة بين الرجلين  كما سارع إلى ذلك الرئيس تبون بمحاولاته الرامية إلى عزل لعمامرة وخلق قطيغة بينه وبين بعض السفراء في بعض العواصم العالمية بعد أن دعاهم إلى التنسيق مباشرة مع المستشار الدبلوماسي لرئيس البلاد. إنها بالفعل معركة كسر العظام. فإلى متى سيظل لعمامرة في منصبه؟ ستبدي له الأيام ما ليس في الحسبان.

2 ـ حتى الرياضة أيها النظام الجزائري التي كنت تعول عليها سقطت أوراقها من يدك. رهانك عليها كان كبيرا بنية إلهاء الشعب الجزائري المسكين وبنية صرف اهتمامه عن المعاناة التي يتكبدها يوميا في معيشه اليومي.  فبالأمس جعلت أيها النظام من كأس العرب إنجازا تاريخيا وعرسا جزائريا، وبعد فشل القمة العربية نزلت عليك الصاعقة وتحول ما كان عرسا إلى مأتم جزائري. أليس بإمكانك اليوم أيها النظام أن تحول المأتم إلى عرس. في اعتقادي أنه كان ممكنا لو لم يخرج المنتخب الجزائري لكرة القدم من دور المجموعات في كأس إفريقيا وبالتالي كان بإمكانك أن تنسي الشعب الجزائري فشلك في عقد القمة العربية في موعدها. وكان أيضا ممكنا كما أنتم متعارفون عليه لو استعنتم بالرقية الشرعية واستعجلتم بإرسال ذلك الراقي ليساعدكم على هزم المنتخب الإيفواري. 

مرة أخرى، لقد فعلت فيكم الرياضة ما فعلته السياسة. فحتى الانتشاء بالفوز بكأس العرب أماط اللثام عن حقيقة المتحكم في المشهد السياسي بالجزائر وظهر جليا عبر الإعلام الجزائري نفسه أن الرئيس تبون ما هو إلا دمية وأن الحاكم الحقيقي هو الجنرال شنقريحة. فالأعراف في مثل هذه المناسبات تقتضي أن تقدم الكأس أولا إلى رئيس البلاد بينما قدمها عميد المنتخب الجزائري كهدية الى السيد الجنرال على مرأى ومسمع فخامة السيد الرئيس الذي التزم مكانه الحقيقي في الصف الخلفي.

فهذا حال النصر والفوز حيث تكون للجنرال الحظوة في المشهد، أما في حالة الهزيمة فلفخامة الرئيس مكانته في الواجهة ولذلك أوحي للرئيس تبون أن يلعب دوره في التخفيف من وطأة الهزيمة لأن الأنظمة الدكتاتورية كدأبها لا تعترف بالهزائم . خطاب السيد الرئيس أراد به خطابا لرفع المعنويات باعتبار أن الأهم ليس هو المحفل الإفريقي بل التأهيل إلى نهائيات كأس العالم. وهو خطاب يضمد الجراح يراد به تجاوز تداعيات هذا الإخفاق الرياضي على مدى الشهرين القادمين. 

إنه مجرد تدبير مؤقت لأزمة مستفحلة لأن طبيعة النظام لا يعيش إلا على الحدث في لحظته وفي يومه. بينما الشعب الجزائري هو في أمس الحاجة إلى نظام يعتمد التدبير العقلاني وللسياسات ذات المرامي البعيدة. أما الرياضة فهي تربية وأخلاق لزرع المحبة والسلام بين الشعوب لا كما يريد ذلك النظام أن يجعل الرياضة مطية للسياسة ليحرك بضعة من البيادق في اٌقاليمنا الصحراوية ليحتفلوا بكأس عربية نكاية في بلد عربي. أما المغاربة فقد احتفلوا مع أشقائهم الجزائريين حينما فاز المنتخب الجزائري بالكأس الإفريقية في نسختها الأخيرة. وفي هذا الصدد، نؤكد للنظام الجزائري على أن الرياضة أخلاق وعليه أن يلتفت إلى  جمالية الصور التي التقطتها عدسات الكاميرات في كاس العرب حيث سادت الروح الرياضية بين اللاعبين المغاربة وإخوانهم الجزائريين وهم يتعانقون عناق الإخوة. نريدها خاوة لا عداوة. فتعالوا لنغلق باب السياسة ونفتح أبواب الرياضة. فلنجرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube