حواراتمستجدات

حرة بريس في حوار مع الكاتب والصحافي المصري أيمن عبدالعزيز

المغرب في عيون مصرية أسطورة المكان والنساء والتاريخ الحي

حاوره عبدالحي كريط 

كاتب وصحافي مصري  ومحرر سياسي ومترجم بالقسم الخارجي والترجمة بجريدة الأهرام المصرية العريقة ،عمل مراسلا لمؤسسة الأهرام بالمغرب عام 2018 حاصل على دورة تدريبية فى الصحافة الاستقصائية من هيئة الاذاعة البريطانية BBC.كما أنه حاصل على دورات تدريبية من مؤسسة هيكل للصحافة بالقاهرة.كما أنه شارك مرتين في أعمال منتدى الآفاق للثقافة والتنمية بمدينة خريبكة  المغربية 2015 و 2018 كما أنه عضو فاعل بنقابة الصحفيين المصريين.

ضيفنا لهذا الاسبوع هو الزميل الصحفي والكاتب المصري أيمن عبدالعزيز ليحدثنا عن عمله الأدبي المشوق -المغرب في عيون مصرية : اسطورة المكان والنساء والتاريخ الحي”.

حيث قدم الكتاب صورة تعريفية عن المملكة المغربية للقراء باللغة العربية، حيث يستعرض الكتاب،الصادر عام 2014   عن دار الحضارة بالقاهرة، أهم ملامح عن هذا البلد الجميل من خلال ما عايشه شخصياً ، خلال رحلات أربع فيما بين عامي 2007 -. 2013 

و آثر المؤلف أن يقتصر الكتاب على مشاهدات عينية، ومواقف شخصية تنبض بالحياة ، حاول فيها أن ينقل ما رآه، وما عرفه، عن المغرب كبلد، ومجتمعً، وبشر، في إطار مقارن طوال الوقت من منطلق تكوينه وثقافته وتربيته المصرية.

ويعتبر  المؤلف كتابه محاولة لتصحيح بعض الصور النمطية السلبية عن هذا المجتمع وما يحيط بها من أساطير أقلها صحيح وأغلبها مغلوط وخاطيء وظالم لهذا البلد الجميل.

وعرج المؤلف ضمن فصل خاص على أهم المعالم والمزارات في مدن المغرب، وكيفية تفاعله مع البشر والحياة في كل مدينة منها .. واستعرض بعض تفاصيل ما عايشه من مواقف وإحداث مختلفة خلال رحلاته  لمدن الرباط، والدار البيضاء ، و وجدة، و فاس ومراكش وطنجة وتطوان 

كل هذه المحاور وغيرها ستكون موضوع حوارنا مع الضيف

-المغرب في عيون مصرية من الكتب التي لاقت صدى واسعا في البانوراما الثقافية في مصر  و المغرب أيضا باعتبار أنه سلط الضوء على عدد من الجوانب المغيبة عن المجتمع المصري والعربي بشكل عام فيما يخص المملكة المغربية، فما هو الدافع الرئيسي الذي دفعك إلى تأليف هذا الكتاب؟

عندما زرت المغرب لأول مرة لم يكن لدي تصورات كبيرة عن هذا البلد الجميل إلا بعض المعلومات القليلة و كنت أعرف أنه بلد يجمع بين الروح العربية والإسلامية وأيضا اﻹنفتاح على أوروبا بشكل أساسي بحسب القرب و الجوار الجغرافي ، وعندما زرت المغرب فعليا أعجبني بشكل كبير ، أعجبتني الطبيعة المغربية المتميزة والمختلفة تماما عن الطبيعة في مصر ، حتى منذ اقتراب الطائرة من الوصول للأرض، من حيث إنتشار الخضرة والجبال والغابات، و من حيث اﻹتساع العمراني، وعدم التكدس والزحام، والتنظيم المعماري للمباني بجمالها الذي يشبه معمار القاهرة أيام جمالها في الخمسينات والستينات، و أيضا بدا لي شكل الحياة بالمغرب أجمل و أروق و أكثر هدوءا ، كما اننى عاينت بنفسي كم المحبة واللطف في سلوك المغاربة وحبهم لمصر التي كان الجميع يعاملونني بمحبة وتقدير كما لو أنهم يعبرون عن حبهم وتقديرهم لها في شخصي ، كما أنني تعرفت على ملامح إيجابية كثيرة في المغرب البلد الجميل والمنظم ، والشعب اللطيف المثقف ، والمرح والطيب  عاشق للفنون و المنفتح على كثير من الثقافات، وما يتمتع به المغاربة من جدية ونشاط في العمل و حب للحياة تفاصيل كثيرة جعلتني أراكم معرفة لا بأس بها عن هذا البلد الذي أحببته وزاد حبي له وتعلقي وإعجابي به زيارة بعد أخرى، و شعرت بأنه صار لدي إلتزاما بأن أنقل ما شاهدته وعايشته عن هذا البلد للمصريين و لكل العرب الذين لم يزوروا المغرب وعندما يتحدثون عنه أجد أنهم لا يكادون يعرفونه ، ولا يقدرونه بشكل كاف ومنصف، بل ويقولون عنه أشياء سلبية ظالمة فقط، ولذلك قررت أن أدون مشاهداتي و إنطباعاتي التي خرجت بها من تجربتي ومعايشتي وأن أنقلها للآخرين في مصر ، والمشرق العربي مكتوبة ، وفي مقابل ما يروج عن المغرب من صور سلبية و غير منصفة أردت أن أقدم صورا واقعية وإيجابية أعبر بها عن حبي لهذا البلد الرائع الذي أحببته ويحبه كل مصري يتعرف عليها.

– في كتابك تحدثت عن المرأة المغربية باعتبارها أنها شكلت مدخلا لك للتعرف على المغرب ،هل لك أن تشرح لنا هذه النقطة؟

  نعم فكما ذكرت في البداية في الكتاب كانت المرأة هي مدخلي لمعرفة المغرب ، فقبل عام 1996  لم أكن اعرف الكثير عن المغرب ولكن قصة حب مع فتاة مغربية تعرفت عليها مصادفة ،أو لنقل بالأحرى قدرا ، جعلتني أتعرف على نموذج رائع للمرأة،خاصة وانأ في مقتبل سنوات الشباب بكل ما فيه من براءة حماس و مغامرة، و كانت تلك الفتاة  تماما كما كنت أتخيل دائما من يمكن أن تشاركني حياتي، ولكن لم تشأ الأقدار إن تتوج تلك القصة بالزواج ولذلك تمنيت وعزمت على زيارة المغرب يوما ما عندما تتهيأ الظروف المادية وظروف العمل، حتى أتبين هل كانت تلك الفتاة المميزة إستثناءا أم هي نتاج طبيعي وعادي لبيئة وثقافة مختلفة تماما عن مجتمعنا وثقافتنا ،وبالفعل في عام 2007 بعد عام من تعييني رسميا كصحفي وإنضمامي لنقابة الصحفيين المصرية، تهيأت الظروف و قررت أن أسافر للخارج في أول عطلة، و إتفقت مع صديق لي على السفر للمغرب حتى أحقق حلمي القديم بالتعرف على هذا البلد وإكتشافه، و كانت هذه هي البداية … 

ولكن ماذا جرى وما الذي اكتشفته بعد تلك الزيارة ؟

بمجرد وصولي ، وربما قبل ذلك بقليل بدأت أكتشف في المغرب عالما مختلفا تماما عن ما إعتدته في القاهرة ،تفاصيل وتأثيرات مختلفة للجغرافيا ، وحكايات مغايرة لتفاعل الناس مع المكان والظروف الاجتماعية والاقتصادية،و ملامح أخرى للتاريخ تكاد تنبض بالحياة في كل لحظة،وحضور قوي ملفت للمرأة المغربية منذ لحظة وصولي وركوبي للقطار المغربي لأول مرة وكانت تقوده إمرأة .

– قلت في كتابك أن المقاهي في المغرب لها طابعها المميز الخاص وأنها أوروبية الطابع في الغالب، كيف توصلتم إلى هذه النتيجة ؟ 

المقاهي حاضرة بقوة في الحياة اليومية للمغاربة، كما هي بالنسبة للمصريين،ولكن بدت المقاهي المغربية حتى البسيط منها ،مختلفة  حيث تتميز بالاتساع والأناقة والجمال و يقدم بها المشروبات المختلفة وكثير من العصائر ، وأحيانا المأكولات والحلويات أيضا ، و يقوم بالخدمة فيها الرجال والنساء على حد سواء و يجلس بها أيضا الرجال والنساء كشيء طبيعي بينما يعتبر ذلك في مصر إستثناء لا تجده في المقاهي العادية بل فقط في فروع السلاسل الكبرى العالمية وهو أمر مستحدث بمصر على الأقل حتى ذلك التوقيت، وكانت تلك المقاهي تشبه ذلك الطراز الأوروبي الذي كنت أشاهده في البرامج والأفلام الأجنبية .

 – في أحد فصول كتابك تناولت موضوع ثقافة العلم الوطني عند المغاربة وأنه له مكانة عظيمة في نفوسهم ،كما تحدثت عن حب الشعب المغربي لمصر من خلال متابعتهم لكل ما يدور في المجال الثقافي والاجتماعي والسياسي بمصر كيف خرجتم بهذا اﻹنطباع ؟

كما ذكرت في الكتاب العلم في كل بلد له إحترام وتقدير فهو رمز للوطن والسيادة هذا شيء أساسي ومعروف لكن لاحظت منذ أولى زياراتي للمغرب حضور العلم، أو الراية المغربية، بقوة بلونيه الزاهي القوي الأحمر و تتوسطه النجمة الخضراء خماسية الأضلاع، وكان ملفتا وجود العلم بشكل ظاهر حتى على بدن الطائرات ، و كنت أراه دائما ، أينما ذهبت و تجولت، نظيفا و مرفرفا و تساءلت وقتها عن سبب رفرفة العلم باستمرار هل بسبب الرياح و إتجاه حركتها؟ أم لأنه يتم وضعه بطريقه تجعله دائما في حالة حركة، لكن على كل حال كان العلم المغربي بألوانه القوية وحضوره الدائم يبعث في النفس إحساسا بالحيوية، كما لاحظت أنه غالبا ما يكون العلم المغربي فوق أحد المباني علامة علي أن ذلك المبني هو احد المنشآت الحكومية. 

وبالقابل دار بخاطري حينها سؤال وهو لماذا لا نرى أو نشعر بحضور العلم الوطني في مصر بنفس الطريقة هل لعدم وجوده بكثافة كما هو بالمغرب؟،  أم لأننا لم نعد في مصر قادرين على النظر لأعلى كي نراه أو نرى السحاب و لون السماء لانشغالنا الدائم بالنظر لأسفل لتحسس مواضع أقدامنا بسبب الزحام ، و الفوضى، وإرتفاع المباني بشكل يكاد يطبق علي أرواحنا، ويمنعنا من النظر لأعلي لرؤية العلم إن وجد،أم لأن العلم الوطني وما يرمز إليه من معان الوطنية واﻹنتماء قد أصبح أقل حضورا في حياة المصريين.

وبالنسبة لحب المغاربة لمصر ومتابعتهم لكل ما يدور في المجال الثقافي والاجتماعي والسياسي بها فهو أمر لا يخفى على أى زائر للمغرب وتجد ذلك لدى الجميع بداية من سائق التاكسي الذي من إن يعرف انك مصري حتى يبدأ في الحديث معك عن شئون مصر الفنية والسياسية والرياضية وعن أسماء المدن والمحافظات و عن وقائع مفصلة عن كل ما يجرى بمصر و يحدثك حتى ربما ببعض الكلمات بالدارجة المصرية، فبسبب قوة الأدب والثقافة والسينما وأجهزة الإعلام المصريين،والحضور القديم والقوى لأدوات القوة الناعمة المصرية وانتشارها في عموم العالم العربي، قلما تجد شخصا مغربيا لا يعرف الكثير والكثير عن مصر و ثقافتها وتفاصيل الحياة فيها،وبالطبع لا يمكن أن يحدث ذلك إلا عن حب كبير ،وفى أولى زياراتي للمغرب وكان معي صديقي رفيق الرحلة،صادفنا شابا في القطار تحدث معنا عن الكثير من الأمور المصرية ، حتى السياسية منها، بإلمام بأدق التفاصيل و بشكل أدهشني وأخافني منه لربما يكون عنصرا أمنيا مدسوسا فتوقفت عن الحديث معه وانتقلنا لمقصورة أخرى بالقطار !!، فلم أكن قد أدركت حينها مدى إلمام المغاربة ومقدار إهتمامهم و معرفتهم عن مصر….

من أي منظور إبستمولوجي تناولت إشكالية اللغة والتواصل بالمغرب ؟

فقط بمجرد الملاحظة والمقارنة فعندما زرت المغرب لأول وبدأ التفاعل مع الناس هنا وهناك لم يكن خافيا  منذ البداية وجود اختلاف وتعدد في اللهجات فأي مصري تطأ قدماه أرض المغرب سيجد صعوبة ،في البداية على الأقل، في التواصل مع الناس باللهجة المغربية الدارجة لعدم اعتياد الأذن المصرية عليها لكن ذلك يتغير شيئا فشيئا مع تكرار اﻹحتكاك،واﻹختلاط بالناس وتعتاد الأذن علي بعض المفردات الجديدة ، إلا أن الناس في كل لحظة يحاولون تبسيط الأمور قدر الإمكان ومزج كلامهم ما استطاعوا بالعربية الفصحى أو حتى بالعامية المصرية التي يألفها غالبية الناس نظرا لمتابعتهم لمصر ولتأثير إنتاجها الأدبي والسينمائي والتلفزيوني القديم في الثقافة المغربية ، لكن ذلك لا ينفى وجود مشكل في التواصل مع المغاربة لبعض الوقت بسبب إختلاف اللهجات والمفردات بتبدل المدن في المغرب وعلى سبيل المثال تجد كلمة خويا تتحول في الشمال إلى “أخاي” ، و كلمة “إنتايا” تصبح “إنتينا” صحيح هي بعض المفردات داخل الدارجة المغربية لكن الوضع يتحول إلى إشكالية في التعامل مع الاختلاف اللغوي تام بين الدارجة المغربية ذات الأصول العربية ، وبين الأمازيغية، وهنا نتحدث عن إشكالية في التواصل ، أحيانا، بين المغاربة أنفسهم فما بالنا  بالوافدين إلى المغرب للمرة الأولى ، ناهيك عن تعدد اللغات التي يتعامل بها المغاربة أيضا ما بين الفرنسية المنتشرة في كل مكان وتسربت بعض مفرداتها إلى لغة الحديث اليومي،ولها أهمية وقوة العربية في التعاملات الرسمية والوثائق بالمصالح الحكومية والبنوك،وأيضا اللغة الاسبانية التي يستعملها البعض في شمال المغرب، و للأسف إكتشفت أنه حتى وزارة الخارجية المغربية لا تتعامل في بياناتها باللغة العربية، وإنما اللغة الأولى لديها هي غالبا اللغة الفرنسية ثم يتم ترجمة المواد الصادرة عن الوزارة إلى العربية، وحضرت إحدى الفعاليات بمقر الوزارة مع الصحفيين وكان الحوار فرنسيا مائة بالمائة حتى أنني إضطررت لﻹنسحاب وعدم إكمال اللقاء، مع أن المناسبة جمعت عدد كبير ومتنوع من الصحفيين الأجانب ولم يتم حتى مجرد تقديمbrief  أو عرض مختصر باللغة العربية ،رغم العلم بتواجد من لا يجيد الفرنسية،حتى أن الصحفيون المغاربة تفاعلوا في نقاشاتهم و أسئلتهم أيضا خلال اللقاء بالفرنسية مباشرة وبشكل تلقائي، مع علمي بالتوجيه الرسمي بضرورة إستخدام العربية في المعاملات و لكن الواقع له ضروراته و آلياته.

و بالنسبة للاختلاف بين اللهجتين المغربية والمصرية حاولت في هذا الشأن أن أقدم محاولة للتعريف ببعض أهم وأعم بالدارجة المغربية وكيفية نطقها وهى محاولة علمت بعد إصدار كتابي بثلاثة أعوام أنه سبقني إليها مصري آخر ، وهو الأستاذ حلمي محمد عشيش أحد أطر التعليم المصرية في أوائل الستينيات في كتابه المهم المغرب الأقصى كما رأيته، وهو ما يكشف أن الأمر واضح وملفت لكل من يتعرف على لمغرب للوهلة الأولى..

– كيف كان تأثير التاريخ الحضاري للمغرب عليك وجدانيا وفكريا ؟  

لقد تأثرت ايجابيا بالمؤثرات الواضحة للثراء الحضاري والتاريخي للمغرب فلاشك أن هذه المكونات الحضارية تثير الإعجاب والتقدير فمن الإعجاب بالعمارة التاريخية و أيضا المعاصرة للمغرب إلى التشرب الكبير بالموروث الثقافي وحضوره لدى المغاربة، إلى اﻹفتتان بالتنوع البيئي الطبيعي،وخصوصية الموقع الجغرافي للمغرب وتأثيره على البشر وعلى الفكر وعلى السياسة والاقتصاد والمجتمع ككل ، إلى الإعجاب والتقدير بقدرة المكونات البشرية والثقافية لدى المغاربة على التعايش الايجابي والتناغم رغم الاختلافات الاثنية والدينية، واحترامهم لهذا التعدد بل ونجاحهم في الحفاظ عليه عبر الزمن رغم التقلبات السياسية المختلفة التي عرفها المغرب هذا الثراء الإنساني يمنح المغرب نكهة خاصة وخصوصية فريدة جديرة بالكثير من  الإعجاب والتقدير. 

-ما هو تقييمكم لواقع  أدب الرحلة في العالم العربي ؟

هذا سؤال مهم في الحقيقة لأنني شخصيا من عشاق أدب الرحلة وأرى أنه نوع أساسي جدا من الفنون الأدبية بل وأراه الأهم من الناحية المعرفية والثقافية مقابل القصة أو الرواية مثلا ، واعتقادي أن الرواية تحديدا أخذت حيزا أكبر كثيرا من اهتماماتنا الأدبية رغم تواضع قيمتها المعرفية والثقافية مقابل أدب الرحلة ،ذلك الفن الأدبي الذي ينبغي التركيز عليه أكثر حاليا ومستقبلا من أجل إثراء التجربة الإنسانية والتواصل البناء والمفيد في زمن فرضت فيه سهولة اﻹتصال البشري على الناس مفارقة مؤلمة، فمع تقلص الحدود الجغرافية فعليا وإفتراضيا بات الإتصال الإيجابي والمفيد والموثوق موضع شك كبير ، نتيجة غياب حقائق موضوعية موثوقة نابعة من الخبرة والمعايشة المباشرة مقابل إنتشار صور نمطية غالبا غير دقيقة وغير موضوعية  من خلال ما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة ، وأيضا وسائط الاتصال الاجتماعي الإليكترونية، وهنا تكمن الأهمية القصوى لأدب الرحلة لتقديم صور حقيقية و خلفيات واقعية عن بلادنا وثقافات مجتمعاتنا وكشف الجذور العميقة المتشابهة،بل وربما المتطابقة، بين شعوبنا ، ،وإبراز ما يمكن أن يكون مختلفا حتى، لإثراء خبرتنا المعرفية، وإحداث القدر المطلوب والمنشود من التفاعل الايجابي البناء بيننا في العالم العربي في وقت نواجه فيه تحديات سياسية واقتصادية ضخمة تفرض التقارب أكثر في المواقف والسياسات، وليس التخندق وراء صور نمطية و تمثلات عقلية وثقافية مغلوطة ومسيئة أحيانا ،تزيد التمزق والتباعد بين مجتمعاتنا و مواطنينا، لذلك أدعو للتركيز والاهتمام أكثر بأدب الرحلة ودعمه بكل الطرق من خلال مؤسساتنا الثقافية والإعلامية المختلفة .

– باعتبارك صحافي مصري كيف تنظرون إلى واقع التعاون الإعلامي بين المغرب ومصر في ظل التحديات المستجدة بالمنطقة؟ 

أعتقد أن هذا التعاون قاصر جدا ودون المستوى قياسا على ما يجمع بلدينا من روابط بشرية وثقافية واقتصادية وحتى سياسية كبيرة ومتزايدة ، وهناك قصور واضح وفشل ذريع يتحمل نتيجته كلا الجانبين بدرجة أو أخرى رغم كل المحاولات حتى الآن، وليس أدل على ذلك من وجود أزمات إعلامية، وإشاعات مغرضة وخبيثة، تبرز بين الحين والأخر، وتعكر صفو العلاقات بين الشعبين الشقيقين في مصر والمغرب وأيضا بين شعوب عربية أخرى، ولابد من اتخاذ المزيد من المواقف الإيجابية و القيام بجهود عملية وواقعية وتنفيذية أكبر كثيرا لمواجهة التحديات المستجدة بالمنطقة ، فالإعلام سلاح خطير للغاية سواء في البناء أو الهدم، ففيه الداء وفيه الدواء لمعالجة كثير من أوجه الخلل والقصور في العلاقات البينية بين المجتمعات و الثقافات،وخاصة بين مصر والمغرب و لا يجب أن تظل تلك الحقيقة غائبة عن السلطات التنفيذية في البلدين لمصلحة كليهما.

من وجهة نظرك كمؤلف للكتاب ما هي أوجه تفرده بين محاولات متعددة للكتابة عن المغرب ؟؟

هذا أيضا سؤال مهم فأنا أزعم أن هذا الكتاب مختلف لأنه،أولا كتب بدافع الحب والمسئولية الأخلاقية وبجهد فردي وشخصي، فقد أصدرته على نفقتي الخاصة،وليس له أى هدف إلا المحبة للمغرب، وليس مدفوعا بتكليف من أية جهة للتركيز على شيء محدد سواء إيجابي أو سلبي، فعندما تكتب بتكليف من جهة معينة تتبنى أجندتها وأهدافها كأن تكون مكلفا من صحيفة أو مجلة، أو مدعوما من مؤسسة أو جهة فتتبنى طرحها أو لا تبتعد عن إهتماماتها، ثانيا فهو مبنى و نابع في كل وقائعه وتفاصيله عن المعايشة الواقعية وليس توفيقا وتلفيقا لوقائع وكتابات متناثرة هنا وهناك، فالبعض قد يزور بلدا ما لمهمة معينة مثل المشاركة بحفل أو ندوة أو مهرجان ما أو شيء كهذا لعدة ساعات، ثم يعود بعدها ليدبج كتابا هو في محصلته إعادة نشر وتجميع وحشو لوقائع تاريخية أو جغرافية ومعلومات منتشرة ومتاحة و بالتالي تقل الفائدة و تغيب القيمة، وهناك عدة نماذج لهذا النوع من الكتب،و أنا أكره هذا النوع للغاية، وآثرت منذ البداية أن يكون كتابي وثيقة واقعية معاصرة عن المجتمع المغربي، كما أنه مكتوب كحكاية مبسطة، وبطريقة تصويرية تروم لإشراك القارئ معي في الرحلة والتجربة، و أخيرا حاولت تقديم محاولة لرأب الفجوة وتحقيق المعرفة والألفة مع اللهجة الدارجة المغربية لكل من يريد التعرف على المغرب وهى محاولة فريدة لم يشاركني فيها ، حسب معرفتي ، إلا مصري أخر قبل حوالي 6 عقود، وحتى تاريخ صدور هذا الكتاب.

و في الأخير ، أتمنى  وأدعو ، من خلال منبركم الكريم إلى الالتفات لأهمية دعم وتنمية مختلف العلاقات الايجابية بين بلدينا الشقيقين ، لاسيما من خلال التواصل الإعلامي المكثف و أن تكون جميع أوجه علاقاتنا بنفس قوة وإستمرارية التواصل الثقافي بيننا، فالثقافة عبر التاريخ كانت ومازالت رغم كل العوائق والاختلافات أهم جسور التواصل و ينبغي أن لا يكون التواصل الإعلامي أقل شأنا وحضورا حتى يزيد التقارب والتفاعل الايجابي بين البلدين، وأتمنى في هذا الصدد أن يكون هناك مركز ثقافي وإعلامي للمغرب في مصر ، وأن تهتم المؤسسات الإعلامية في البلدين بتحقيق المزيد من الزيارات المتبادلة والبرامج المشتركة التي يقوم بها متخصصين حقيقيين ، وعدم إقتصار ذلك على الهواة ،أو  البعض فقط من معتادي والمشاركة في تلك الأنشطة عبر مختلف المؤسسات والفعاليات، لتحقيق قيمة مضافة حقيقية وفاعلة، ودعم وتسهيل برامج و إجراءات السياحة والسفر عموما بين مصر والمغرب لتنمية العلاقات الإيجابية بين بلدينا الشقيقين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube