سياسة

عرض السيد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة للبرلمان الحكومي أمام مجلسي البرلمان مجتمعين طبقا لمقتضيات الفصل 88 من دستور المملكة

المحاور العشرة لتقديم البرنامج الحكومي
الخروج من الأزمة بنجاح المسؤولية المشتركة، حكومة وبرلمان تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته الالتزام بتفعيل مضامين النموذج التنموي الجديد المبادئ الموجهة والمحاور الرئيسية للبرنامج الحكومي الالتزامات العشر للحكومة خلال الفترة 2021 – 2026 أولى الأولويات: تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية ثاني الأولويات: تحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل ثالث الأولويات: تكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي خاتمة: علاقة وطيدة للتعاون بين الجهازين التنفيذي والتشريعي

باسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين

الخروج من الأزمة بنجاح

السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، حضرات السيدات والسادة الوزراء، حضرات السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

لا زال المغرب يواجه اليوم، شأنه شأن كل بلدان العالم، أزمة غير مسبوقة. وشكلت هذه الأزمة، التي يواجهها المغاربة بشكل جماعي، لحظة وعي حقيقية أبانت فيها بلادنا، تحت الريادة الملكية السامية، عن قدرتها على الصمود والتكيف؛ إذ أعلن جلالة الملك التعبئة العامة للحد من آثار الأزمة وجعل صحة المغاربة فوق كل اعتبار، فتجندت كل السلطات العمومية وانخرط المواطنات والمواطنين في إجراءات منفردة لمحاصرة الوباء وتملك المناعة الجماعية.

وإن كان صحيحا أن الوباء المرتبط بفيروس كوفيد-19 لم يكن وراء كل الإشكاليات، إلا أن انتقاله السريع كشف بجلاء عن النواقص الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بلادنا. وعَرَّت الأزمة عن ضخامة الاقتصاد غير المهيكل وأوجه القصور في القطاعات الاجتماعية وضعف شبكات الأمان الاجتماعي.

وإدراكا منها لحجم التحديات، تقدم الحكومة أمام أنظار مجلسكم الموقر، مشروعا موحِّدا للتحول الاجتماعي والاقتصادي؛ مشروعا مستمدا أساسا من الثوابت الدستورية والتوجيهات الملكية السامية، يرتكز على قيم التماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص، والفعالية، والشفافية.

ويقدم هذا البرنامج الحكومي إجابات واقعية وطموحة للخروج من الأزمة ولاستشراف المستقبل بعزيمة وثبات، من خلال حزمة إجراءات تبتغي تفعيل مخرجات النموذج التنموي الجديد والإجراءات التي تضمنتها برامج الأحزاب المشكلة للأغلبية قصد الإجابة الصريحة على أولويات المواطنات والمواطنين.

المسؤولية المشتركة، حكومة وبرلمانا

حضرات السيدات والسادة،

إن نجاح بلادنا في ربح رهان هذا التمرين الديمقراطي يدعونا لنبدأ مساراً جديداً، تقع على عاتقنا جميعا، حكومةً ونواباً ومستشارين ومنتخبين، مسؤولية النجاح في تحقيق أهدافه. وإن التشكيلة الجديدة، سواء على مستوى الوزراء أو أعضاء البرلمان بغرفتيه أو باقي المنتخبين، تعكس إلى حد كبير نجاحنا المشترك في تجديد النخب السياسية، وهو مؤشر إيجابي ستظهر نتائجه لا محالة على أرض الواقع.

وأغتنم هذه الفرصة لأتوجه إلى حضراتكم بخالص التهاني على الثقة التي حظيتم بها من لدن الناخبات والناخبين، وعلى المسؤولية التي قلدكم إياها الشعب المغربي لتمثيله في هذه المؤسسة المحترمة.

كما أتقدم بالتهنئة للأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، وأتوجه إليها بخالص التقدير على انخراطها في هذه المرحلة الجديدة، آملا أن نرتقي معا بالعمل السياسي، بمعناه الإيجابي المؤثر، لنقدم البديل الذي يتوق له المواطنات والمواطنون ونرفع معا التحديات، تنفيذا للرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة نصره الله والمبنية بالأساس على التفاعل السريع والناجع مع تطلعات المواطنات والمواطنين.

وأود هنا أن أتوجه إليكم جميعا اليوم، للتأكيد على ضرورة تظافر جهودنا جماعيا، لأن نجاحنا كحكومة مرتبط كل الارتباط بنجاحكم في أداء مهامكم التشريعية. ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى تسريع الزمن التشريعي، وندرك جميعا حجم انتظارات المواطنين، وحجم المسؤولية التي تقع على عاتقنا جميعا، وحجم الإنجاز الذي يُنتَظَرُ منا تحقيقه. وإذا ما دبرنا معا الزمن التشريعي والديمقراطي، وفق مقاربة تشاركية بناءة، سننجح إن شاء الله في إحداث التغيير الذي ينتظره المواطنات والمواطنون.

كما أود اغتنام هذه الفرصة لأتوجه خاصة لفرق الأغلبية من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا في توفير الظروف المثلى لضمان تكامل وانسجام مختلف مكوناتها ولجعل الخيط الناظم لعمل الأغلبية واضحاً، في ظرفية تقتضي تخليق الحياة العامة لاسترجاع ثقة المواطن في العمل السياسي، وتحصين مكتسبات دولة الحق والقانون، وتحفيز الاقتصاد الوطني وضمان تكافؤ الفرص لكل المواطنات والمواطنين.

تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته

السادة الرؤساء، السيدات والسادة الوزراء، السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

لقد قطع المغرب أشواطا هامة في ورش تعزيز الديمقراطية والإصلاحات السياسية، وتتمتع اليوم بلادنا بمشروعية سياسية وتاريخية وثقافية، مستمدة من الملكية المغربية ذات التاريخ العريق والوطنية الدائمة، والنفس الإصلاحي العميق، والمبادرات الجريئة.

فبلادنا المستقرة، الآمنة، بفضل الله والإرادة الحقوقية والإصلاحية الراسخة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وانخراط كل القوى الحية، تحصد اليوم ما زرعته خلال العقدين الأخيرين، من المبادرات السياسية الوازنة، والإجراءات الحقوقية الجريئة، كدستور 2011، وشجاعة إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، وجرأة التغييرات الجوهرية في مدونة الأسرة، وإقرار المفهوم الجديد للسلطة، وطرح ورش الجهوية المتقدمة، وفتح ورش إصلاح العدالة، وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغير ذلك من الأوراش الاستراتيجية الكبرى التي سنعمل داخل الحكومة على استثمارها، وتكريس أثرها الإيجابي على حياة المواطنات والمواطنين، لتعزيز بناء دولة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية والمجالية، القادرة على لعب دور تنموي استراتيجي، في خضم التحولات الإقليمية والدولية المحيطة بها.

وتعتبر الحكومة بأن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات هي قضايا أفقية رئيسية ومشتركة بين عدد من القطاعات، يحتاج النقاش فيها إلى روح جديدة وتناسق والتقائية ناجعة، كما أن هناك حاجة ملحة اليوم إلى تحيين خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان بهدف تطويرها وتجويد محاورها من أجل تقوية مسلسل الإصلاح السياسي في بلادنا وضمان فعلية حقوق الإنسان بكل أجيالها تعزيزا لدينامية الوعي الحقوقي ببلادنا.

كما أن ورش إصلاح منظومة العدالة وما تحقق فيه من مكتسبات قد جعل بلادنا نموذجا في هذا المجال، خاصة وأن الإصلاح القضائي لم يقتصرعلى جوانب تقنية فقط وإنما له بعد استراتيجي يروم بناء دولة القانون، وتحسين مناخ الأعمال ومحاربة الفساد وجعل المواطنات المواطنين كلهم سواسية أمام القانون و القضاء.

وتشبتا منها بثوابت الأمة الجامعة، والمتمثلة في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي واستحضارا منها لقدسية السيادة الكاملة لبلادنا، ووعيا منها بإكراهات التحديات الخارجية، وانطلاقا من التراكمات الدبلوماسية التي حققتها بلادنا تحت القيادة الدبلوماسية السديدة لصاحب الجلالة، المتجسدة في جدية ونجاعة مقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية والاعتراف الأمريكي بسيادة بلادنا على جميع ترابها، وفي ظل ارتفاع وثيرة التمثيل الدبلوماسي الأجنبي بأقاليمنا الصحراوية، وترسيخ الصورة المشرقة لبلادنا داخل القارة الإفريقية وباقي الملتقيات الأممية، ستبقى الحكومة ملتفة وراء جلالة الملك الضامن لحوزة البلاد، وستسير على النهج الملكي القويم للطي النهائي لملف الصحراء المغربية، وذلك بالاعتراف الذي لا لبس فيه، بالسيادة الوطنية وبإقرار الحل السياسي الذي قدمه المغرب والذي لقي تجاوبا واسعا لدى المنتظم الدولي.

وأريد في هذا المقام، أن أتقدم أمام مجلسي البرلمان الموقرين، باسم الحكومة، بتحية تقدير وإكبار لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، على العناية المولوية السامية التي يوليها للقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، وأشيد بالروح العالية للتفاني والتضحية التي ما فتئ رجال ونساء هذه المؤسسات يبرهنون عليها من خلال مزاولتهم لمهمامهم النبيلة.

وستعمل الحكومة جاهدة على حسن تنفيذ التوجيهات الملكية السامية، وذلك بتسخير كافة الإمكانيات والوسائل الكفيلة بتمكين القوات المسلحة الملكية من الاضطلاع بالمهام المنوطة بها في الدفاع عن حوزة الوطن ووحدته الترابية، وفي الحفاظ على الأمن والاستقرار وسلامة المواطنين وكذا بالمهام التي تشارك فيها في إطار عمليات حفظ السلام والأمن الدوليين.

كما ستعمل الحكومة على الاستثمار الأفضل للإجماع الوطني حول الوحدة الترابية، وعلى الإشارات القوية الصادرة عن نسبة التصويت الكبيرة في الأقاليم الجنوبية في الاستحقاقات الأخيرة، وعلى الحضور القوي للمملكة المغربية داخل مختلف المحافل والتكتلات، والقوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الدولية. كما تلتزم الحكومة بالتجند وراء جلالة الملك نصره الله للتصدي للتحديات الخارجية والدفاع عن المصالح العليا للوطن، ودعم الدبلوماسية البرلمانية، وتعزيز قدرات الدبلوماسية الموازية والدبلوماسية الاقتصادية والثقافية، نصرة لقضيتنا الترابية، وتقوية للدور الذي تضطلع به بلادنا على الصعيد القاري والدولي.

وسنعمل داخل الحكومة على مواصلة دعم مسار التنمية بأقاليمنا الجنوبية، والوفاء بكل الالتزامات المعلنة سابقا، وتسريع تنفيذ مختلف المخططات والبرامج التنموية المسطرة، في إطار وحدتنا الترابية والوطنية، المسندة باختياراتنا للجهوية المتقدمة. هذا الورش الأخير الذي ستعمل الحكومة على الإسراع باستكمال إرساءه.

وفي هذا السياق، ستعمل الحكومة على توطيد خيار الجهوية كخيار دستوري وديمقراطي وكبديل تنموي لتعثر السياسات العمومية المركزية والممركزة في القضاء على التفاوتات المجالية، فيما يخص الاستثمارات والولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية، وبالتالي انعكاس ذلك على التوزيع العادل للثروة بين الجهات. كما ستعمل على نقل اختصاصات واسعة من الدولة إلى الجهة، من خلال إبرام برامج تعاقدية بين الدولة والجهات وفق مقاربة ترتكز على النتائج، وعلى نحو يضمن الاستقلالية في التدبير المالي والإداري للجهة، ويجعل من هذه الأخيرة قطبا تنمويا حقيقيا ورافعة للتنمية البشرية والارتقاء الاجتماعي وشريكا أساسيا للدولة.

حضرات السيدات والسادة،

لقد نهج جلالة الملك نصره الله سياسة انفتاح وتعاون وصداقة مع مجموعة من الدول والمؤسسات الدولية والشركاء الدوليين الاستراتيجيين، مما عزز مكانة المغرب داخل المنتظم الدولي وجعل مواقف المملكة المغربية قوية في مختلف المحافل ومكنها من الدفاع عن قضاياها العادلة بكل فخر واعتزاز. وإن دعم السياسة الخارجية للبلاد عامة، وفي مجال التعاون جنوب- جنوب خاصة والتي يقودها ويرعاها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، هو مرتكز ستعمل هذه الحكومة على ترسيخه. فالمغرب، بقيادة جلالة الملك نصره الله، بعد عودته إلى أحضان أسرته في الاتحاد الإفريقي، وإصراره الدائم والمبدئي على التمسك بجذوره الإفريقية، يسعى بكل صدق ومصداقية، إلى تطوير شراكات قوية مع عمقه الإفريقي وفق مبادئ تنبني على توجهات “التنمية المشتركة”.

ومن جهة أخرى، تستحضر الحكومة التوجيهات الملكية السامية المتعلقة بالعناية بمغاربة العالم باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من المجتمع المغربي، ويساهمون في تنمية بلدهم من زوايا مختلفة. وتعتزم الحكومة تنفيذ عدد من البرامج والمشاريع للنهوض بأوضاعهم والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، سواء فيما يتعلق بالجانب الثقافي والتربوي والاجتماعي، أو فيما يتعلق بالمواكبة القانونية لتبسيط المساطر ودراسة ومعالجة الشكايات، وكذلك على مستوى تعبئة وتشجيع استثمارات الكفاءات ودعم الدينامية المقاولاتية وجمعيات مغاربة العالم.

هذا وستعمل الحكومة جاهدة على تعزيز الصورة المشرفة للمملكة، خاصة لدى المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية الساهرة على احترام الحريات وحقوق الإنسان والحكامة الجيدة والديموقراطية التشاركية والشفافية ومحاربة الفساد، وتحسين ترتيب المملكة في مختلف مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية.

الالتزام بتفعيل مضامين النموذج التنموي الجديد

السادة الرؤساء، السيدات والسادة الوزراء، السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

أعطى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الانطلاقة الفعلية لبناء نموذج تنموي تشاركي جديد، يروم وضع خطة للانتقال إلى مغرب مزدهر، مغرب الكفاءات، مغرب الإدماج والتضامن، ومغرب الاستدامة والجرأة. خطة يؤطرها ميثاق وطني، ويجعلها لحظة توافقية لانخراط جميع الفاعلين في مجال التنمية حول طموح جديد للبلاد، ومرجعية مشتركة تقود وتُوجه عمل جميع القوى الحية بكل مشاربها. وإننا نتعهد بإيلاء الأهمية اللازمة للميثاق الوطني حتى يكون وثيقة موجهة لعملنا باعتباره التزاما وطنيا أمام جلالة الملك، وأمام المغاربة كافة.

ونلتزم داخل الحكومة بإنجاز الأوراش الاستراتيجية الكبرى وأجرأة النموذج التنموي الجديد بكفاءة عالية وسنعمل على مأسسة آليات تتبع وتقييم أداء السياسات العمومية والإصلاحات، كما يوصي بذلك النموذج التنموي، فضلا عن التتبع الدقيق لتقدم الأوراش ودعم تنفيذها وتجاوز العراقيل المحتملة.

المبادئ الموجهة والمحاور الرئيسية للبرنامج الحكومي

السادة الرؤساء، السيدات والسادة الوزراء، السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

إن البرنامج الحكومي الذي أتشرف اليوم بعرضه أمام مجلسكم الموقر، طبقا لأحكام الفصل 88 من دستور المملكة، يستمد روحه وفلسفته من التوجيهات الملكية السامية ويتقاطع مع مضامين النموذج التنموي الجديد للمملكة، وينهل من الإجراءات التي التزمت بتنفيذها الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، والتي استأثرت باهتمام المواطنات والمواطنين وصوتوا لمضامينها بأغلبية مطلقة. وهو مشروع نابعٌ من ثوابت المملكة وثرائها التاريخي وحيوية ثقافتها وتعدد هويتها وتنوع إمكانياتها، مستشرفٌ لآفاق التنمية المندمجة والمستدامة.

وقد تم وضع هذا البرنامج وفق مقاربة تشاركية للإجابة على انتظارات اجتماعية ملحة ولتجاوز آثار الجائحة وتحقيق إقلاع اقتصادي يعزز مكانة المغرب قاريا ودوليا، بعد أن تمكنا من تقوية تجربتنا الديمقراطية بتنظيم مختلف الإستحقاقات الانتخابية بنجاح كبير أكده المتتبعون وطنيا ودوليا، وميزه إقبال استثنائي للمواطنات والمواطنين على صناديق الاقتراع، مأكدين بذلك رغبتهم في إحداث التغيير من داخل المؤسسات وفي مواصلة مسار البناء الديمقراطي الذي تسير فيه بلادنا بقيادة جلالة الملك نصره الله وأيده.

ولمواجهة التحديات الراهنة والخروج من الأزمة الحالية بنجاح، يقوم البرنامج الحكومي الذي نعرضه على أنظاركم اليوم، على خمسة مبادئ موجهة:

1. تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته؛

2. مأسسة العدالة الاجتماعية؛

3. وضع الرأس مال البشري في صلب تفعيل النموذج التنموي لبلادنا؛

4. جعل كرامة المواطن أساس السياسات العمومية؛

5. توسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتعزيز قدرتها الشرائية والادخارية.

وانطلاقا من مخرجات تقرير النموذج التنموي الجديد وبناء على مقترحات الأحزاب السياسية المكونة للائتلاف الحكومي، يرتكز البرنامج الحكومي على ثلاثة محاور استراتيجية تتمثل في:

1.تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية؛

2. تحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل؛

3. تكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي.

في ذات الآن، لا يعني التركيز على هذه الأولويات إغفال باقي القطاعات وإنما هو من باب التجاوب الفوري لما عبر عنه المغاربة من انتظارات ملحة، في حين أن القطاعات كلها ستحظى ببالغ الاهتمام، سواء فيما يتعلق باستكمال الاستراتيجيات والمخططات التي سبق إطلاقها وأثبتت نجاعتها، أو فيما يتعلق بالمجالات التي تستدعي المزيد من المواكبة والإصلاح أو حتى وضع استراتيجيات بديلة أو مكملة، كقطاعات التجهيز والماء والمعادن والطاقة والبيئة والإسكان وإعداد التراب الوطني وخدمات النقل والاتصال، والخدمات المالية وغيرها من المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية.

الالتزامات العشر للحكومة خلال الفترة 2021 – 2026

حضرات السيدات والسادة،

خلال الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية، اختار غالبية الناخبين دعم الأحزاب السياسية التي قدمت برامج طموحة وواقعية، والتي تضم إجراءات مرقمة ومحددة. وأظهرت الإرادة الشعبية، من خلال نسب المشاركة ومخرجات صناديق الاقتراع، أن إعادة الثقة في العمل السياسي يمر لا محالة عبر تقديم خيارات وبرامج اجتماعية ذات مصداقية تتناول الأولويات الحقيقية للمواطنين.

وسيرا على نفس المنهجية، حددت الحكومة عشر التزامات كبرى تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتيسيرا لتتبع وتقييم الحصيلة الحكومية، يتمثل أبرزها فيما يلي:

  1. إحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال الخمس سنوات المقبلة؛
  2. رفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20% حاليا؛
  3. تفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة؛
  4. حماية وتوسيع الطبقة الوسطى وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي؛
  5. تعبئة المنظومة التربوية – بكل مكوناتها – بهدف تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا (عوض المراتب المتأخرة في جل المؤشرات الدولية ذات الصلة)؛
  6. تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، خاصة من خلال إحداث صندوق خاص، بميزانية تصل لمليار درهم بحلول سنة 2025.

هذا وستعمل الحكومة على التحسين التدريجي للتوازنات الماكرو اقتصادية للمملكة خلال مدة ولايتها.

أولى الأولويات: المساهمة في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية

السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، حضرات السيدات والسادة الوزراء، حضرات السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

إن الحكومة التي أتشرف بقيادتها، والمعتزة بثقة ودعم جلالة الملك السامية والتوجيهات المولوية النيرة، تعي جيداً أن مهمتها الأولى تتجلى في تعزيز دعائم الدولة الاجتماعية وتثمين الرأسمال البشري المغربي، وتطمح إلى السير بعزم وثبات لحفظ كرامته، وتكريس حقوقه وتوفير ظروف رفاهيته. وإن أبرز المشاريع التي ستنصب الحكومة على تنفيذها في هذا الإطار تتمثل في ورش تعميم الحماية الاجتماعية، وفقا للرؤية الملكية السامية.

في شهر يوليوز 2020، أعطى جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش انطلاقة مشروع اجتماعي ضخم، يعد ثورة اجتماعية، ويتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة كافة المغاربة. وتلا ذلك خطابان ساميان، في شهري غشت وأكتوبر من السنة نفسها، أكدا على أولوية هذا الطموح الملكي.

كما أعطى جلالة الملك تعليماته إلى الحكومة للعمل على تنفيذ تدريجي لتعميم الحماية الاجتماعية بين 2021 و 2026. وتطبيقا للتوجيهات الملكية السامية، خاصة تلك الواردة في خطاب جلالة الملك يوم الجمعة الماضي بمناسبة افتتاح أشغال هذه الولاية التشريعية، تنخرط الحكومة في مواصلة ورش الحماية الاجتماعية وتعميقه باعتباره ورشا يحظى برعاية جلالة الملك. وتقوم السياسة الاجتماعية للحكومة على أربعة ركائز من شأنها ضمان تكافؤ فرص حقيقي لجميع المواطنات والمواطنين وتثمين الرأسمال البشري لبلادنا.

ويشكل تعميم الحماية الاجتماعية الركيزة الأولى لتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، فيما تتعلق الركيزة الثانية بإحداث نظام حقيقي للمساعدة الاجتماعية يستهدف الأسر الأكثر هشاشة. وللحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، تقدم الحكومة على وجه الخصوص وفي إطار المشروع الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، دخلاً قارا كحد أدنى لحفظ كرامة كبار السن، وتعويضات للأسر المعوزة، كما تلتزم بسن سياسة عمومية واضحة ومتكاملة ومتعددة الأبعاد لفائدة الأشخاص في وضعيات إعاقة، مع دعم الجمعيات العاملة بالفعل على إدماجهم.

ومن أجل توسيع نطاق برامج المساعدة الاجتماعية عبر تحويلات مالية مباشرة بدلا من المساعدات المتفرقة، ستسرع الحكومة بإخراج السجل الاجتماعي الموحد لتحقيق استهداف فعال وأقل كلفة للمساعدات الاجتماعية الموجهة إلى المستفيدين. وسيمكن هذا الإجراء من ترشيد برامج المساعدة الاجتماعية الحالية من خلال تيسير التعرف على المحتاجين إليها.

وستُستكمل هذه التدابير الاجتماعية غير المسبوقة باستثمارات مهمة في القطاعات الاستراتيجية للصحة والتعليم. إذ يتطلب تعميم الحماية الاجتماعية تأهيلا حقيقيا للنظام الصحي الوطني، الذي يعتبر الركيزة الثالثة للدولة الاجتماعية للاستجابة لانتظارات المواطنات والمواطنين في قطاع الصحة. وقد أكد جلالة الملك في خطابه السامي الأخير على أن التحدي الرئيسي يتمثل في التأهيل الحقيقي للمنظومة الصحية، طبقا لأفضل المعايير، وفي التكامل بين القطاعين العام والخاص؛ وهو الرهان الذي تدركه الحكومة جيدا وستعمل بكل جد وتفان على تحقيقه.

ولأن تعميم الحماية الاجتماعية سيولد زيادة في الطلب على الرعاية الصحية، تولي الحكومة أهمية خاصة لرفع العديد من التحديات في المجال الصحي، ابتداء بتأهيل المستشفى العمومي. ولهذه الغاية، تلتزم الحكومة بتعزيز خدمة الصحة العمومية، من خلال تنفيذ خطة طموحة تروم تلبية الحاجة الماسة على المدى القريب، مع توفير الوسائل الكفيلة بتطوير العرض الصحي على المدى البعيد.

ولتمويل الخطة الشاملة لإصلاح قطاع الصحة، تلتزم الحكومة بتعزيز ميزانية قطاع الصحة خلال الولاية الحكومية. وتشمل العناصر الأساسية لإصلاح منظومة الصحة رفعَ عدد العاملين في الرعاية الصحية ومراجعة وضعيتهم وفقا لكفاءاتهم وتضحياتهم من أجل تغطية أفضل للتراب الوطني وتلبية حاجيات المرضى على وجه أمثل، وتعميم طب الأسْرة على نحو تدريجي، وتعزيز المراكز الصحية الأولية، وإحداث شبكات مستشفيات جهوية. فضلا عن ذلك، فإن إحداث بطاقة صحية ذكية للحد من الإنفاق المباشر للمرضى على الخدمات الصحية، ومراجعة السياسة الدوائية، ومنح تحفيزات لمهنيي قطاع الصحة للحد من ظاهرة سوء التوزيع المجالي لمهنيي الصحة، وتعزيز السياسة الوقائية، كلها إجراءات من شأنها إعادة ثقة المواطن في المستشفى العمومي.

وتتجلى الركيزة الرابعة للدولة الاجتماعية في إصلاح المدرسة العمومية والرقي بها ورد الاعتبار لها لتكون ذات جاذبية ومشتلا لكفاءات المستقبل. ويقوم إنجاح تحدي مدرسة ذات جودة على الاهتمام المتجدد بفاعلي المدرسة العمومية وتعزيز الطموح التربوي للتقدم نحو تكافؤ فرص حقيقي. ويعد إتقان الأطفال المغاربة لمكتسبات المرحلتين الابتدائية والثانوية شرطا لازما كي تتمكن الجامعات من لعب دورها المتمثل في نقل المعرفة وتعميقها. ويتطلب التقدم نحو تكافؤ الفرص دعم سياسة طموحة للطفولة المبكرة وتمكين الأطفال من المعارفَ الضرورية وتربية الناشئة على التشبث بالقيم الثقافية المغربية بكل مقوماتها الإسلامية والتراثية والفكرية والمعرفية والاجتماعية والفنية، مع الحرص على مواكبة الجيل الصاعد حتى يتشبع على قيم الانفتاح والتسامح بين الأديان والاهتمام بالإرث الثقافي بمختلف مكوناته.

ولغاية إصلاح المنظومة التعليمية والتربوية، تعتبر الحكومة رد الاعتبار لمهنة التدريس مدخلا رئيسيا، من خلال تحسين جودة تكوين الأساتذة والارتقاء بظروف اشتغالهم. وتعزيزا لكفاءات الأساتذة، ستشتغل الحكومة على خطة وطنية للرفع من القدرات التكوينية لهيئة التعليم. وتتجلى أهم ركائز هذه الخطة في خلق تكوين انتقائي ومتجدد للأساتذة، من خلال إحداث كلية التربية لتكوين الأساتذة يكون الولوج إليها على أساس انتقائي، بالموازاة مع تعزيز القدرات التكوينية للبنيات الحالية، خاصة منها المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لتعزيز جودة التكوين المستمر للأساتذة.

كما أن إعادة الاعتبار لمهنة التدريس تمر بالضرورة عبر تحسين دخل الأستاذ في بداية المسار، ومواكبته طيلة هذا الأخير، وتقييم منتظم لكفاءاته. وفي إطار الحوار الاجتماعي الوطني، تلتزم الحكومة خلال السنة الأولى من ولايتها، بفتح حوار اجتماعي، خاصة مع المركزيات النقابية للتعليم الأكثر تمثيلية من أجل التوافق حول الإجراءات والتدابير الرامية للرفع التدريجي من الحد الأدنى للأجرة الصافية الشهرية عند بداية المسار المهني، لحملة شهادة التأهيل التربوي من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.

هذا وستجعل الحكومة من الاستثمار في الرأسمال البشري أولوية لتمكين القطاعين العام والخاص من الولوج إلى كفاءات تتلاءم واحتياجاتها، حيث سيمكن تجويد التكوين الجامعي من تزويدها بموارد بشرية مؤهلة، قادرة على تلبية متطلبات اقتصاد متنوع وموجه نحو الابتكار. وتعزيزاً لجاذبية مؤسسات التعليم العالي في بلادنا، ستدشن الحكومة خطة استثمارية تهدف إلى انفتاح أكبر للجامعة على محيطها وتجديد البنيات التحتية الجامعية وخلق ثقافة مركبات جامعية حقيقية.

ومن أجل انفتاح أكبر على عالم المقاولات، ستعمل الحكومة على تحفيز الاختيار الإرادي لميادين البحث العلمي قصد توجيهه نحو أولويات الاقتصاد الوطني. وستحرص كذلك على تطوير المسالك بين عالم المقاولات والتعليم عبر التكوين المهني والمستمر، قصد تيسير إدماج الشباب في سوق الشغل وتلبية حاجيات المقاولات من الكفاءات.

وفي المجال الثقافي، ستعطي الحكومة الأولوية لإدماج تراثنا الثقافي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنات والمواطنين، وتحقيق تنمية واسعة للإنتاج الثقافي واستثمار التعددية الثقافية في مختلف تعابيرها وتوفير شروط تنمية تتيح لبلادنا الانخراط في عالم المعرفة والتواصل. هذا وستعمل الحكومة على العناية بالشباب في إطار برنامج شمولي ومتكامل من خلال إحداث “جواز الشباب” لتسهيل الاندماج والتنقل، والتمكين الثقافي لهذه الفئة. وسنعمل على إشراك الجماعات الترابية والشركاء الاقتصاديين من أجل تعزيز وتنويع عرض الخدمات المقدمة مع مرور الوقت.

أما في المجال الرياضي، واعتبارا للأدوار المتنامية للرياضة، فإن الحكومة عازمة على إعطاء الأولوية للنهوض بالرياضة المدرسية والجامعية على المستوى الترابي، ومنح التربية البدنية والرياضية مكانة بارزة في البرامج الدراسية، وبث دينامية حقيقية في الرياضة المدرسية على الصعيد الترابي، من خلال تحفيز الجمعيات الرياضية، وتشجيعها على ممارسة أنشطتها داخل مؤسسات التربية والتعليم والتكوين المهني.

كما سيتم العمل، بشراكة مع مختلف المتدخلين على تقوية حضور المغرب على الساحة الرياضية، جهويا ودوليا، والحث على تنسيق وتكاثف الجهود من أجل تحسين إنجازات الرياضيين المغاربة على الصعيد الجهوي والدولي في مختلف التظاهرات الرياضية الفردية والجماعية.

ثاني الأولويات: تحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل

السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، حضرات السيدات والسادة الوزراء، حضرات السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

شكلت الجائحة صدمة خارجية قوية للاقتصاد الوطني، فاختل الواقع اليومي للمغاربة وانهارت أنشطة العديد من المقاولات. ولم تتردد الدولة في القيام بدورها والتدخل للحد من تشظي نسيج الإنتاج الوطني. ومكن الصندوق الخاص بتدبير جائحة كوفيد-19 والذي أحدث بتوجيهات ملكية، من تمويل التدابير التي اتخذتها لجنة اليقظة الاقتصادية والتخفيف بشكل كبير من آثار الأزمة الصحية على المقاولات والأسر.

في المقابل، وإن كان صحيحا أن هاته التدابير سمحت بالحد من آثار الصدمة، فإن الضحايا الاقتصاديين للأزمة كثيرون، خاصة في صفوف الشباب والنساء، الذين يعانون أصلا إقصاء من الاقتصاد المهيكل. وبشكل أعم، يظل التشغيل والحد من تفشي البطالة من القضايا الكبرى التي تشغل بال المغاربة.

وتواجه الحكومة هذه الحالة الطارئة بتنفيذ سياسة وطنية للتحول الاقتصادي تحكمها ثلاث مبادئ أساسية:

1. جعل التشغيل المحور الأساسي لكل السياسات العمومية في الميدان الاقتصادي؛

2. العمل على تعزيز السيادة الوطنية في المنتوجات والخدمات الاستراتيجية؛

3. التعريف بالمنتوج المغربي وطنيا ودوليا وحمايته من المنافسة اللامشروعة.

وتشمل هذه السياسة خمس محاور رئيسية، وهي :

1. إنعاش فوري للاقتصاد الوطني؛

2. وضع برنامج وطنيا وجهويا من أجل دعم المقاولات الناشئة في القطاعات الواعدة؛

3. تفعيل الإصلاحات الهيكلية لدعم الاقتصاد الوطني؛

4. تنفيذ سياسات قطاعية طموحة على الصعيدين الوطني والمجالي؛

5. سن سياسة فاعلة لدعم النشاط الاقتصادي للنساء.

ولتنفيذ المحاور الخمسة الرئيسية للتحول الهيكلي لاقتصادنا، تعتمد الحكومة إجراءات محددة، تهم:

● وضع وتنفيذ سياسة استعجالية لمواكبة المقصيين من سوق الشغل؛

● الانقاذ السريع للمقاولات المهددة بالإفلاس، من خلال المصاحبة والتمويل؛

● تحفيز المبادرة الخاصة، من خلال تدليل العقبات التنظيمية والإدارية؛

● خلق رجة تنافسية، من خلال مواكبة وتطوير المقاولة التنافسية والمبتكرة؛

● الدفاع عن وسم “صنع في المغرب” من أجل دعم الإنتاج الوطني.

وتفاعلا مع مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح هذه الولاية التشريعية، ستعمل الحكومة أيضا على تنفيذ إصلاح شامل للمؤسسات والمقاولات العمومية، ومواكبة مسار الإصلاح الضريبي، وتعزيزه في أسرع وقت بميثاق جديد ومحفز للاستثمار.

حضرات السيدات والسادة،

لتقديم إجابات فورية للذين يظلون دون مؤهل وعانوا من تأثير الأزمة، تقدم الحكومة ابتداء من سنة 2022 ولمدة سنتين، برنامج أوراش عامة صغرى وكبرى في إطار عقود مؤقتة، على مستوى الجماعات الترابية وبشراكة مع جمعيات المجتمع المدني والتعاونيات المحلية، دون اشتراط مؤهلات. وسيمكن هذا البرنامج من خلق ما لا يقل عن 250,000 فرصة شغل مباشر في غضون سنتين.

كما تقدم الحكومة، ابتداء من سنة 2022، برنامجا لدعم المبادرات الفردية ويتخذ شكل مواكبة وتوجيه وتكوينات من أجل هيكلة المشروع في كل أطواره، منذ تصور الفكرة إلى تحقيقها، وبمنح قروض شرف تستهدف أنماطا من المشاريع لا تدخل في نطاق التمويلات الحالية الممنوحة للمقاولات الصغيرة والناشئة. وتحرص الحكومة كذلك على إعطاء نفس جديد لبرنامج “انطلاقة” وضمان استدامته، بعدما أربكت الأزمة الصحية الخطوات الأولى لإطلاقه.

وتلتزم الحكومة بتنفيذ البرنامج الملكي من أجل إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال صندوق محمد السادس للاستثمار، باعتباره رافعة لتنويع وتجويد وتثمين الإنتاج الوطني. ويساهم هذا الصندوق في تمويل السياسات القطاعية الطموحة وكذا ركائز التحول الاقتصادي، مثل تطوير الصناعة الخالية من الكربون، وتسريع التحول الرقمي وإنعاش القطاع السياحي، كما يواكب صندوق محمد السادس، كمستثمر في رأس المال، المقاولات الناشئة والصغيرة والمتوسطة.

ومواكبة لهذه الإجراءات الأفقية، ستعمل الحكومة على تعزيز وتحديث القطاعات الأساسية للاقتصاد الوطني. فيما يتعلق بالفلاحة، ستعمل الحكومة على تنفيذ التوجيهات الملكية السامية، من خلال مواصلة تفعيل استراتيجية “الجيل الأخضر” من أجل انبثاق طبقة وسطى فلاحية واسعة ومواكبة جيل جديد من المقاولين الفلاحيين الشباب بفضل تعبئة مليون هكتار من أراضي الجموع قصد إنجاز مشاريع استثمارية في المجال الفلاحي.

وستحرص الحكومة على التفاعل الآني مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى إحداث منظومة وطنية متكاملة، تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد.

وفيما يتعلق بالصناعة، ستفعّل الحكومة خطة تروم تطوير صناعة مولدة لمناصب شغل، منزوعة الكربون وقادرة على تعزيز تنافسيتها عالميا. وفيما يتعلق بالسياحة والصناعة التقليدية، ستعمل الحكومة على تنفيذ خطة إنعاش غايتها دعم الفاعلين وتثمين المنتوج المغربي والارتقاء بالتكوين، وذلك بتنسيق مع فاعلي هذين القطاعين اللذين تضررا كثيرا بفعل الأزمة الصحية. كما ستعمل الحكومة على تحفيز قطاعات خدماتية أخرى، ومنها قطاع السكن قصد إنعاش الاقتصاد الوطني وتوفير سكن لائق للمواطنات والمواطنين.

وستبدل الحكومة مجهودات إضافية لتقوية التجارة الخارجية وتعزيز الصادرات الوطنية كرافعة للنمو والتنمية وجعل الاقتصاد الوطني والمقاولة المغربية تنافسية في هذا المجال، خاصة من خلال استهداف أسواق وشركاء متنوعين حفاظا على استدامة هذا القطاع.

وفيما يخص الاستثمار العمومي، تمثل خطط الاستثمارات المهمة في قطاعي الصحة والتعليم خياراً استراتيجياً قوياً لتثمين الرأسمال البشري وبناء منظومات متكاملة ومنتجة لتعزيز سيادة بلادنا وخلق فرص الشغل والرفع من القيمة المضافة الوطنية.

ويشكل تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني الهدف الرئيسي للتحول الاقتصادي الذي تتوخاه الحكومة. كما يشكل توضيح الإطار التشريعي وتجويد مناخ الأعمال، خاصة من خلال التسريع بإخراج ميثاق الاستثمار الوطني، الأسس الحقيقية لضمان فعالية ونجاعة خطة التحول الاقتصادي التي تتبناها الحكومة.

وتشمل الإجراءات التي تعتزم الحكومة إحداثها وضع قواعد واضحة ومستقرة، تضمن تكافؤ الفرص أمام جميع الفاعلين الاقتصاديين، بتجاوز الحواجز الإدارية والتنظيمية التي تعرقل النمو السليم للاقتصاد، بالإضافة إلى تكريس دور هيئات المراقبة والتقنين وتعزيز استقلاليتها من أجل تنافسية أكبر، خاصة في القطاعات الاستراتيجية للدولة.

كما تلتزم الحكومة بتنفيذ سياسة استباقية لدعم النشاط الاقتصادي للنساء، ويتعلق الإجراء المفتاح في هذه السياسة بتمويل برنامج تطوير العرض الوطني للحضانات، وتحفيز نقل المستخدمين، خدمةً للنساء الناشطات أو الراغبات في ممارسة نشاط مهني.

ثالث الأولويات: تكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي

السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، حضرات السيدات والسادة الوزراء، حضرات السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

لقد أثبتت الأزمة، كما أثبت اختبار استحقاقات الثامن من شتنبر، على أن المغاربة على استعداد لمنح ثقتهم لمنظومة إدارية تتصدر فيها الدولة المعادلة الاجتماعية. ولبلوغ هذا الهدف، ستوجه الحكومة مجهوداتها لتعزيز حكامة التدبير العمومي عبر تكريس شفافية الإدارة واعتماد المقاربة التشاركية حتى يساهم المواطنون في تدبير شؤونهم، مع تعزيز سبل محاربة الرشوة والمحسوبية والزبونية. وستعمل الحكومة كذلك على سن إجراءات ملموسة تُحَسِّن ولوج المواطنين، سواسية، إلى الخدمات العمومية.

وفي سبيل تعزيز أثر الإجراءات الاجتماعية، تلتزم الحكومة بتعزيز الرقابة، خاصة في قطاعي الصحة والتعليم، من أجل تقييم صارم ومتواصل لنتائج السياسات الاجتماعية. وتحقيقا لهدف بناء أواصر الثقة بين الإدارة والمواطنات والمواطنين، سنشتغل داخل الحكومة على خمس محاور رئيسية:

1. تفعيل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري؛

2. تقريب وتحديث الجهاز الإداري، مع تعزيز مراقبة جودة الخدمات العمومية؛

3. تقليص الفوارق المجالية؛

4. تسريع وتيرة التحول الرقمي؛

5. تدبير عادل ومسؤول للموارد المائية والتسريع بالانتقال البيئي.

ويعد تقليص الفوارق المجالية، بين الحواضر من جهة والعالم القروي والمناطق الجبلية من جهة أخرى، ورشا ذا أهمية بالغة، حيث تعتزم الحكومة تجديد برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، قصد مواصلة تنسيق جهود مختلف الوزارات والمؤسسات المركزية والمجالس الترابية المتدخلة في تنمية العالم القروي، من أجل تنفيذ السياسات العمومية التنموية بحكامة وفعالية والتلقائية زمنية ومجالية.

وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية، وحرصا منها على مواصلة الإصلاح العميق للقطاع العام، ستعمل الحكومة على التسريع بإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية. وتفاعلا كذلك مع مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الولاية التشريعية الحالية، ستسعى الحكومة لضمان تناسق وتكامل وانسجام السياسات العمومية، وتتبع تنفيذها. كما ستفتح في أقرب الآجال ورش إصلاح المندوبية السامية للتخطيط، لجعلها آلية للمساعدة على التنسيق الاستراتيجي لسياسات التنمية ولمواكبة تنفيذ النموذج التنموي.

خاتمة علاقة وطيدة للتعاون بين الجهازين التنفيذي والتشريعي

السيد رئيس مجلس النواب المحترم، السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم، حضرات السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين،

هذه إذن هي الخطوط العريضة للبرنامج الذي تعتزم الحكومة تطبيقه، والتي تجدون تفاصيلها في وثيقة “البرنامج الحكومي”، تنفيذا للتوجيهات السامية التي حددها صاحب الجلالة نصره الله، وتفعيلا لمضامين النموذج التنموي الجديد واستجابة لتطلعات المواطنات والمواطنين.

أخيرا، أود أن أؤكد على عزم الحكومة إقرار علاقاتها مع الجهاز التشريعي بغرفتيه، في احترام تام لمبدأ فصل السلط، على أسس الحوار والشفافية والتنسيق المفتوح والمتواصل لتجاوز مختلف العقبات والصعوبات التي قد تواجه مسار تنفيذ مضامينه، مع الحرص الدائم على إعلاء مصلحة الوطن والمواطنات والمواطنين.

كما أن الحكومة عازمة على وضع أسس متينة لعلاقة يسودها الاحترام والحوار والقبول بالرأي المخالف والأخذ بالنقد البناء للمعارضة البرلمانية، مع فتح المجال أمامها للاطلاع بأدوارها الدستورية من خلال تيسير ولوجها للمعطيات والملفات المتعلقة بتنفيذ السياسات العمومية، وذلك إيمانا منا بأن الارتقاء بالممارسة الديمقراطية يقتضي تواجد أغلبية تساند الحكومة ومعارضة تتحمل كل مسؤولياتها بتفان وإخلاص.

وإن الأزمة تمنحنا فرصة تاريخية لإرساء أسس دولة أكثر عدلا وقوة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. ويحدونا طموح جماعي لتكون هذه الحكومة، التي تعبر عن إرادة شعبية قوية، عند حسن ظن جلالة الملك والشعب المغربي. وندرك تمام الإدراك أن سبيل النجاح هو المقاربة التشاركية والتضامن والفعالية والجرأة ونكران الذات من أجل خدمة المغاربة والتسريع من وثيرة التنمية لتجاوز إكراهات المرحلة وتداعيات الجائحة.

وإن إدراكنا لحجم الطموحات التي يختزنها هذا البرنامج، لا يوازيه إلا ثقتنا بأن إرادة صاحب الجلالة وعزيمة الحكومة وتطلع المواطنات والمواطنين ومساندة البرلمان سيجعل منه لا محالة برنامجا يحدث القطيعة في مرحلة حاسمة، لتحقيق التغيير المنشود.

إنه برنامج الأمل، للخروج من الأزمة بنجاح. إنه ميثاق شرف نعقده مع المواطنات والمواطنين، ونحن نلتزم من خلاله بتعبئة كل القوى والطاقات الحية للبلاد، من فاعلين اقتصاديين واجتماعيين لإنجاح ما يعد بتحقيقه.

وفقنا الله جميعا لما فيه الخير لهذه الأمة تحت القيادة الرشيدة والحكيمة لمولانا أمير المؤمنين حامي الملة والدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وأقر عين جلالته بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الرشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. إنه سميع مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

File Name: Déclaration-Parlement-091021-9.pdf

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube