شخصياتمستجدات

اندحار المشروع الصهيوني

محمد المباركي

ليس من باب التمني والحماس والعطافة القول بنهاية دولة إسرائيل كتعبير دعائي للكيان الصهيوني الاستيطاني. بل انطلاقا من المعطيات التاريخية الدالّة والأحداث المادية المتطورة، سواء ما خص المجتمع الصهيوني ودولته، أو ما خاص الشعب الفلسطيني وتشبته المصيري بهويته وأرضه.

1 – لماذا الحديث عن دويلة الكيان الصهيوني؟
هناك مغالطة فادحة يلزم التعرية عنها لأسقاط القناع الذي تختبا به الدولة الصهيونية كمشروع عنصري عرقي استيطاني منذ انطلاقته على يد المراوغ تيودور هرزل التي نشر عام 1896 مخطوطا لاهوتيا عنصريا في وريقات معدودة تحت عنوان ” الدولة اليهودية” الداعي لقيام كيان خاص فقط باليهود. هذا المشروع العرقي تبرأ منه يهود الدول الديمقراطية ببلدان أوروبا الغربية ووجد له بعض الأتباع بين يهود الدول الاستبدادية بأوروبا الشرقية وروسيا وأيضا بين المعادين للسامية أي للديانة اليهودية. مغزى منظور تيودور هرزل، أنه يصعب على اليهود الاندماج في المجتمعات التي هم بها ولذا وجب لهم العيش في كيان خاص بهم. سواء هرزل أو من قبله أو ممن عاصره من مؤسسي الصهيونية لم يطرحوا فلسطين كموطن لكيانهم الصهيوني. كانت الأرجنتين أول بلد طرح لتهجير جماعي ليهود أوروبا الشرقية وروسيا.
وهذا بعد الاضطهاد الذي لاقاه اليود بروسيا القيصرية ما بين 1903 و1906. وقد اقترحت بريطانيا اتره تهجير اليهود نحو إحدى مستعمراتها وحددتها في منطقة معينة بأوغندا ضمت فيما بعد الى كينيا. وفكر البولونيون تهجير يهودهم الى مدغشقر. والنازية أيضا فكرت في تهجير يهود ألمانيا الى مدغشقر وهذا قبل تنفيذ التخطيط لإبادة اليهود، قبل وخلال الحرب العالمية الثانية.
لم يكن وعد بلفور لعام 1917 يحظى بدعم كبير من أي طرف كان الا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ركزت الصهيونية على أرض الميعاد وأولوها أنها أرض فلسطين، التي لم تتواجد فيها اليهودية الا بشكل محدود عبر التاريخ. وحتى مملكة داوود وسليمان لم تعمر الا في مناطق محدودة من أرض فلسطين أي بلاد الكنعانيين. ولقب مملكة كانت تطلقه قبائل الشرق الأوسط على نفسها. كما كان الحال لممالك قبائل كندة والغساسنة والمناذرة وغيرها. لقد هاجر إبراهيم الى أرض فلسطين في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وهاجر الى فلسطين من كان مع موسي في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. أما مملكة القبائل اليهودية لعهد داوود وسليمان في القرن التاسع قبل الميلاد لم تنتشر سوى على جزء من أرض فلسطين ولم تستمر غير بضعة عقود. وما يخص جمع التوراة فدام من القرن السابع قبل الميلاد الى القرن الثاني للميلاد. جله أساطير تتخللها عبادات وشائر معدودة. بالقدر الذي يمكن اعتماد العبادات طقوس عقيدة لها مرجعتيها الدينية، في المقابل وجب أخد البعد الموضوعي والروحي الضروريين فيما يخص الأحكام التي لا علاقة لها بأي دين معين من الديانات السماوية. وذلك مثل مقولة “شعب الله المختار” التي تتعارض ومنظور الشعائر السماوية والوضعية للإنسان. بل يدخل حانة التعصب العرقي. وكذلك مقولة “أرض الميعاد”. التي تناقد العقيدة السماوية التي تجعل من الأرض فجاجا، أي دار الفناء ومن السماء مهادا أي دار البقاء أي أرضا وجتا للبقاء. لذا لا يمكن لعاقل الأخد بجدية وجود شعب اختاره الله لوحده ليمنحه أرض ميعاد خاصة به. القبول بمثل هذا الزعم يضرب ووحدانية الله الذي هو رب العالمين ليصبح ربا لعشيرة أو مجموعة معينة كما كانت تفعل القبائل البدائية حيث كانت تختار لها آلهة عديدة.
فمثل هذا التحريف، وغيره من الأمثلة العديدة لا يسعفنا المجال المختصر هنا للتوسع في أخطبوط التأويلات التي بنت عليها الصهيونية أيديولوجيتها العنصرية لتبرر بعد الحرب العالمية الثانية استيطانها أرض فلسطين. لكن هذه المرة ليس كمهاجرين الذين أحسن مثواهم سكان فلسطين كما حصل للهجرات السابقة. بل دخلوا فلسطين كغزاة محتلين مستوطنين لها طاردين أهلها. ساعدهم على فعلهم الاستيطاني الشنيع الشعور بالذنب للدول الغربية السائدة، وذلك بما عاملوا به لليهود وخاصة بعد المحرقة التي قامت بها النازية. هكذا وجد الفلسطينيون أنفسهم يواجهون الاحتلال الاستعماري المهيمن على الشعوب المغلوبة على أمرها ومنها الشعوب العربية التي كانت لا زالت ترزح تحت نفود الاستعمار المباشر منه وغير المباشر من جهة ومن جهة أخرى المليشيات الصهيونية المدججة بالعاد والمال والدعم لا مشروط للقوي الاستعمارية والرأسمالية الغربية.

2- لماذا الدولة الصهيونية هي دولة عرقية عنصرية؟
يتم الحديث عن دولة إسرائيل وكأنها دولة عادية خاصة أن الدولة الصهيونية تتقنع بحجاب الديمقراطية أي حق المواطنة. لكن الحقيقة عكس ذلك. الدولة الإسرائيلية هي كيان صهيوني مبني على الميز العنصري العرقي وهذا عبر بنائها العضوي كما يتجلى ذلك في الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية. حيث تتم الإشارة الى احصائيات خاصة باليود واحصائيات أخرى تشير الى غير اليهود. هكذا هناك اليهود وهناك غير يهود. ما يعني ليس هناك مواطن إسرائيلي. بل هناك العنصر اليهودي، سواء كان داخل أو خارج فلسطين المحتلة، له كامل الحقوق ومنها الاستيطان. وهناك الغير اليهودي الذي لا حقوق له كاليهودي وأن استقراره في دولة الاحتلال هو استقرا بشروط مؤقتة، وان كان أسلافه ولدوا فيها أبا عن جد منذ أقدم العصور. قبل مجيء إبراهيم وداود وسليمان وكل من هاجر أرض كنعان أي فلسطين.
والغريب في الأمر ليس البشر وحدهم مقسمين الي من هو يهودي ومن هو غير يهود في دولة الاحتلال، بل كذلك الحال بالنسبة للحيوان والدواجن والخضر والفواكه. خلافا للدول التي استعمرت غيرها، فان الكيان الصهيوني لم يحتل الأرض وخيراتها، بل انه هجّر غالبية أهلها وشردهم عبر العالم، سالكا بهذا الفعل، نفس ما قام به أعداء السامية أي أعداء اليهود. وهي بذا أي الصهيونية وكيانها يحمل في داخلة فيروسات أو عوامل اندحاره الموضوعي.

3- العوامل الأخرى التي تؤشر باندحار دولة الكيان الصهيوني
أولا: صمود الشعب الفلسطيني
يحق القول أن الشعب الفلسطيني الذي يواجه أقوى مؤامرة تاريخية حصلت في حق الشعوب و الذي يعرف زيادة على محاولة الإبادة الجماعية إبادة تاريخه و استئصاله ما له علاقة به. لكن الصمود المثالي الحاصل سيحقق التحرير الفعلي لما يتم تحقيق الديمقراطية الفعلية داخل المجتمع والمؤسسات الفلسطينية. الأمر الذي سيمكن من تجاوز المواجهة الصدامية المفروضة مع العدو الصهيوني، ليتم تعويضها بمواجهة متحركة حصنها المنيع التأطير الديمقراطي الواعي للمجتمع المدني. القاعدة القوية لبناء الدولة الفلسطينية العقلانية. الدولة التي تضمن حق المواطنة الكاملة المتجاوزة لأي انتماء عرقي أو ديني أو اجتماعي. لما يحقق المجتمع الفلسطيني في أراضيه المحررة أسس التعايش السلمي المبني على التآخي الإنساني وحيث كل مواطن هو فرد حر له كامل الحريات والواجبات مثله مثل أي مواطن أو مواطنة داخل وخارج القانون المؤطر للدولة والمجتمع، عند هذا المستوى من التطور الديمقراطي للمجتمع الفلسطيني، سيظهر زيف الديمقراطية الشكلية التي تتغنى بها دولة الاحتلال الصهيوني. ومنه، كل اليهود الذين يؤمنون بالروح الديمقراطية، سينسلخون عن الكيان الصهيوني وعقيدته العنصرية للتعايش مع إخوانهم الفلسطينيين في أمان وسلام. الأمر الذي حصل عبر الأزمنة، مند أن هاجر الى أرض كنعان إبراهيم الخليل. العداء المفتعل بين اليهود وغير اليهود هو من صنع الأيدولوجية الصهيونية العنصرية الاستيطانية المقنعة بالدين اليهودي والديمقراطية الليبيرالية. الفلسطينيون وكل الشعوب العربية ليسوا ضد العقيدة المساوية السامية في شيء، بل يحترمونها ويقدرون أهلها عبر تاريخهم المديد.

ثانيا – دور الشعوب العربية
والشعوب العربية لحد الآن ظلت مغلوبة عن أمرها تعاني من حكم أنظمة استبدادية تابعة وهي بذا لا يمكنا القيام بالدور التاريخي المنوط بها اتجاه فلسطين في الوحدة العضوية معها كشعب وقضية. ذلك أن الانسان العربي لا زال يرزح تحت نير أنظمة مستبدة تابعة وان ضحي بالغالي والنفيس من أجل تحرير ارضه من المستعمر القديم والجديد. والمرحلة تفرض تحرير الانسان العربي. الأمر الذي لن يتسنى سوى بتحرير العقول لتفجير الطاقات الفردية والجماعية الخلاقة. المدخل الأكيد لبناء الديمقراطية في المجتمعات العربية هو نشر الوعي داخل الجماهير الشعبية عبر تحصين المجتمع المدني الركيزة الأساسية لأي تغيير ديمقراطي. الأمر الذي يتم بتوسيع دائرة المجتمع المدني عبر نشر الوعي الديمقراطي وتنظيم على كافة المستويات الثقافية والمهنية والإدارية. أي تأطير البنيات التحتية للمجتمع وكذا البنيات الفوقية الفاعلة فيه. فعند توسيع دائرة الوعي المدني يعم التحرير الفعلي لمجموع الفئات الشعبية ومنه الانتقال للمجتمع الديمقراطي.

خلاصة
ان المشروع الصهيوني، هو خدعة تفاعلت في طرحها كأمر واقع عدة عوامل، منها التي تعتمد على مسخ وتحوير الحقيقة التاريخية ومنها استبدال شرائع العقيدة المساوية واستغلال واقع اضطهاد اليهود في البلدان الغربية وعقدة محرقة اليهود على يد النازية. كل هذه العوامل مجتمعة فرضت على الفلسطينيين الذين كانوا تحت النفود الاستعماري المتواطئ مع الصهيونية التي وجد في مشروع الاستيطاني فرصة لزرع قاعدة حربية تابعة لمصالحه في قلب الوطن العربي حيث شعوبها بدأت تتحرر وتتوق للتحرر وبناء دولها المستقلة لكنها بقيت هزيلة ومشتتة وتابعة. أمام هذا الوضع المركب والمعقد يظل تحرر الانسان الفلسطيني والعربي داخل مجتمعاته لبناء دول ديمقراطية حقة تحترم الحقوق الفردية والجماعية والحق الثقافي للأقليات، مما يجعل حدا للديمقراطية المزيفة التي يتبجح بها الكيان الصهيوني واندحار مشروعه هذا الى جانب بناء وحدة طوعية ديمقراطية للشعوب العربية للتقدم كمجموعة إنسانية، ثقافية وحضارية قادرة احتلال مكانة راقية ومحترمة بين الشعوب والأمم. علما أن الحاصل على مستوى العالم هو سيادة التجمعات الثقافية والسياسية والصناعية القوية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube