كلمات .. في ما لا يكون الواجب إلا به فهو واجب

*ما تحت الوقاحة لا ينفع معه اعتذارٌ كاذب*
أحمد ويحمان
في الرسالة الرفيعة التي وجّهها الأستاذ عمر الداودي، محامي هيئة الرباط وعضو هيإة دفاع الصحفي حميد المهداوي، انكشفت — بوضوح لا لُبس فيه — المهاوي الأخلاقية التي سقطت فيها ما سُمِّي «لجنة أخلاقيات المهنة والتأديب». فالفيديو الفضيحة لم يكن مجرّد لغوٍ أو فلتة لسان، بل كان عدوانًا سافرًا على كرامة المحاماة، وعلى شرف الصحافة، وعلى حقوق مهنيَّيْن واجهتهما ماكينة الانحطاط التي لا تتورع عن الدسائس و«التشييطين» والتشهير والابتزاز. رسالة الداودي لم تكن ردّ فعلٍ غاضب؛ بل كانت درسًا في الأخلاق المهنية : قوة دون فظاظة، وصرامة دون إسفاف، ووضوح دون انفعال. لقد عبّر الرجل — بهدوء الواثق وبأدب من تربّى على الأنفة — عن حقه في الكرامة، وعن حق موكّله في الإنصاف، وعن حق المغاربة في مؤسسات لا تُدار بالمهانة ولا بالاستعلاء. وما كتبه إنما هو امتداد لرنات معدن آيت بعمران: معدن النبل والإباء والصلابة، حيث يُردّ على الإساءة بالحق، لا بالبذاءة. ولئن جاء بيان جمعية هيئات المحامين، ثم بلاغ السيد النقيب عبد العزيز رويبح، ليؤطرا الحدث في مستواه القانوني والمؤسساتي، فإن رسالة الداودي جاءت لتفضح ما سُمّي «اعتذارًا»؛ اعتذارًا لا يحمل من الاعتذار سوى الاسم. إذ كيف يُسمّى اعتذارًا ما كتبه أصحاب الذهنية التي تجرّأت على الكرامة الإنسانية وعلى مؤسسة المحاماة نفسها، قبل أن تزايد على ذكاء المغاربة كافة؟
لقد أصاب الأستاذ الداودي حين أكد أن ما وقع جريمة مهنية وأخلاقية مكتملة الأركان، وأن «المصالحة» لا تكون بتذاكي الصياغة، بل بالمسؤولية والمحاسبة. كما أصاب حين ميّز — بدقة ورفعة — بين الدفاع عن مهنة المحاماة، وبين الدفاع عن حقوقه كضحية ثانية نالها ما نالها من الأذى، هو وأسرته، في مشهد يندى له الجبين.
ولأن الفضيحة أكبر من أشخاص، وأعمق من أسماء، فإنها تكشف — دون مساحق — مرضًا أوسع : مرض مؤسسات تُدار بالعنجهيات والولاءات، حيث تُصبح الأخلاق تفصيلاً، والهيئات التأديبية أدوات للبطش بدل أن تكون ضمانات للعدل. وهذا ما يجعل رسالة الداودي ليست مجرد موقفٍ عابر، بل وثيقة إدانة لبنية كاملة تكرّس الرداءة وتمنحها سلطة القرار.
ومع تضامننا غير المشروط مع الأستاذ الداودي، ومع الصحفي حميد المهداوي— الذي انتُزعت منه حقوقه ظلماً وطالت أسرته المضايقات— فإن الواجب الوطني والأخلاقي يفرض ألا يُطوى هذا الملف في أدراج «الاعتذار المعلّب» و«الصلح الإداري». فـما تحت الوقاحة لا يداويه إلا الحق، ولا يُصلحه إلا القانون، ولا يطويه إلا حسابٌ يليق بما قيل وفُعل.
*آخر الكلام…*
إن ما انكشف في الفيديو ليس حادثًا عابرًا، بل مرآة لبنية مختلّة تُنتج الإسفاف كما تُنتج الظلم، وتُعيد إنتاجه جيلاً بعد جيل. واللحظة اليوم ليست لحظة تبرير أو ترقيع، بل لحظة وقوفٍ وقولٍ وحسم : فحين تُهان المهنة، وتُداس الكرامة، يصبح الدفاع عن الحق ليس مجرد خيار… بل واجبًا لا يكون الواجب إلا به.
وآخر دعوانا أن اللهم اسق عبادك وبهائمك !
رئيس فدرالية الصحفيين المغاربة سابقا




