مقالات الرأي

إلى هاو هرولة:

نزهة الكوشي كاتبة راي و مدونة. المغرب


سيدي المحترم، و أنت تمارس هرولتك اليومية ، ماذا لو أبطأت الخطى و استمديت من السلحفاة فلسفة تأنيها و حكمتها لأعطاء التفكير مهلته؟
سيدي المحترم،
مشكلتنا أو بالأحرى البعض منا أننا بعد أن نكمل رسمنا لصورة جميلة إلى حد ما نضعها في بوثقة رديئة مهترئة بلورتها يد متسرعة مهرولة ….
عندما نريد النقد بصدق يا سيدي نتقرب من الواقع و نسلح أنفسنا بمعطيات دقيقة بعيدة عن التعالي و الشوفينية و المقارنة الرعناء الجائرة و نسترجع صفحات التاريخ و نفتحها من جديد كجلسة علاج نفسي لمرض النسيان الجماعي الذي ألم بنا في السنوات الأخيرة.
لا يمكن ، سيدي، مقارنة أية دولة مع جهاز خلقته عدة دول غربية لهدف واضح للعيان ألا و هو معانقة العالم-كي لا أقول محاصرته-من الشرق و الغرب معا عبر رادار كبير بصفة دولة و خنق أي بلد آخر له مشروع منافسة الغرب …و ما الصين إلا خير مثال.
إعلم يا سيدي أن من خلق ذلك الجهاز فكر فيك و في و في الملايين مثلنا و خلق لنا فقاعات ملونة زاهية تذهل عقلنا الغر أحيانا كي نسقط في فخ الحساب المهرول أمامه، ظانين أنه دولة ديموقراطية و نعد بالأرقام دخل (مواطنيه ) الفردي و قوة عسكره و تعليمه و نغرق في التشبيه و المشبه به. ثم ما نلبث أن نستنتج خلاصة أننا بالمقابل متخلفون ، معوقون ذهنيا بل و ننزع عنا حق الوجود تحت الشمس.
لو بحثت أكثر يا سيدي و بقدر كاف من الموضوعية لصدمت أن إسرائيل ليست بتلك الديموقراطية التي تظن. و ما شعب الفلاشا هناك إلا أكبر دليل على أن المواطنة هناك أرقام قبل كل شيء ؛ بل إن عامل الدين الذي استمدت منه برهانا سلطويا لتبرير وجودها على أرض فلسطين يشحب بل ينمحي كليا بقدرة قادر عندما يتعلق الأمر بالإقتصاد و العلم و الجيش و الإبتكار …لا يغرك وجود مسؤولين كبار من أصل مغربي أو مغاربي أو حتى شرقي…الأولوية هناك للمستوطنين من أوروبا الغربية منها و الشرقية و قارة أمريكا من كندا و الولايات المتحدة . لماذا ؟ لأنهم أصحاب المال و الشواهد العليا و الإنجازات العلمية و الرقمية و الشركات العالمية المتجذرة في كل بقاع العالم.
كيف تقارن ، يا سيدي، الشعوب المقهورة المقموعة ب(شعب) أو بالأحرى بجزء منه وضعت له كل الشروط من طرف سايس و زميله بيكو و من لدن بلفور و من كان وراءه كي ينجح كمشروع دولة قبل أن يصبح بقوة الواقع دولة لها مكانتها الخاصة لأنها السد المائي لمنابع دائمة العطاء و الولاء؟
كيف تقارن ذلك الجهاز بدول اغتصبت أراضيها و سرقت خيراتها أمام أعين الجميع من طرف الدول الغربية، كلها و بدون استثناء؟
من يستصغر نتائج الإستعمار مخطئ بشكل مهول. لماذا ؟ لأنه في الوقت الذي شرع فيه بناء تلك الدولة -الجهاز ، بدأ مشروع آخر خفي و صامت لعملية قتل بطيئ للدول المستعمرة عبر إغراقها بالديون و إفشاء التخلف و( ثقافة) الزوايا و المناهج الفارغة…..
كيف نتهم الشعوب بالتخلف و نعاتبها بل و نحاكمها جورا و كأنها السبب المباشر في تقهقرها؟
كيف لنا -نحن المحسوبين على رقعة المثقفين- أن نسقط في تخوين الآخر و تحقيره عبر بلاغة سب تحتاج لعشرات القواميس لكثرتها؟
نحن من خذلنا هذا الشعب الذي نصفه اليوم بالمتخلف. أنانيتنا الزائدة جعلت رؤيتنا ضيقة منكمشة متعالية نافرة و رافضة لكل تفاعل مع القاعدة .

ماذا يفعل أي أمين أو أية أمينة حزب يساري حاليا؟ كل ما نراه الآن نلخصه في بلاغة تافهة و تحليل أكل عليه الدهر و شرب و وصف حالة بدون فلسفة الإقتراح و سياسة إعطاء البديل الحضاري .ما قيمة السياسيين و ( المثقفين) المضافة لتغيير المعطيات هنا و الآن؟ أين مساهمتهم الفكرية على أرض الواقع لانتشال هذا الشعب من فقره المدقع و جهله المتفشي ؟
هذه هي بداية السباق الحقيقي . هذه هي الساحة المشروعة لهرولة صحية نافعة للعقل و الجسد معا.
أما أن نمارس الجري أو بالأحرى الهرولة نحو الآخر و نحن في حالة “محلك سر” في المواقع الإجتماعية حاملين سيوف دون كيشوت، فذلك لعمري منتهى العبث….
الواجب علي و عليك، سيدي المهرول، أن نقوم بمسح بانورامي نستطيع من خلاله رؤية الصورة العملاقة بشكل شامل كي نعرف ما لنا و ما علينا و كي لا نتعثر و نكبو كبوة فرس عجوز إبان سباقنا و تتبعثر من جيوبنا تفاصيل تاريخية و جوهرية.
حينها تصبح ، سيدي المحترم، هرولتنا أضحوكة الزمان و المكان….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال رائع يبين مدى غرور وانانية المثقفين الذين لا يساهمون في تنوير شعوبهم وتعليمها ، بل يحتقرونها ويتهمونها بالتخلف عوض ان ينوروا عقولها بمحاربة الجهل المتفشي في اوساطها. كيف يمكن مقارنة شعب نصفه لم يتعلم ويفتقر لكل مقومات الحياة الكريمة بآخر ولد وفي فمه ملعقة من ذهب. مقارنة لا تصح ولا وتدل على غطرسة وانانية الذي قام بها. المثقف هو من يعمل لتطوير مجتمعه والتي قضاياه. لهذا أشد على يد الأخت نزهة كاتبة المقال لأنها بينت بالدليل ان الذي وصف الشعب المغربي بالتخلف وقارنه بشعب إسرائيل عليه ان يراجع أفكاره ويتواضع قليلا قبل أن يصدر مثل هذه الأحكام الجاءرة ويقوم بمقارنات بليدة. وشكرا للاخت نزهة الكوشي على مقالها الرائع.

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube