مستجداتمقالات الرأي

لماذا التردد في إرساء المجلس الأعلى للأمن ؟

المانوزي مصطفى

( من وحي اليوم العالمي للحد من تعسف الشرطة 15 مارس )

إن صناديق الاقتراع على حال الخريطة لن تنتج الديموقراطية ، وما إقرار القاسم الانتخابي سوى إحدى آليات كبح جماح المهيمنين عدديا حتى لا يتمادوا في احتكار المشهد الحكومي وما يوفره ذلك من إمكانيات وعلاقات تيسر إختراق دواليب الدولة ، ومنافسة الدولة ومهندسيها الأمنيين على مستوى صناعة القرار الأمني والمالي ، لأن المسموح به ” انتخابيا وليس سياديا ” هو أن العقل الأمني داخل الدولة ثمرة توافق بين المكونات ، يهتم بالتوازنات العامة في المدى المتوسط ، وباعتبار أن الموعد الانتخابي هو لحظة ديموقراطية بالنسبة للمجتمع السياسي والثقافي ، فإنه يرى اللحظة لحظة لايقين وغموض ، وبالتالي ما يهم هو ضمان استقرار الحال على ما كان عليه ، وكل إصلاح حقيقي وجذري ينبغي في نظرهم التحكم فيه ، لذلك لم يعد يتم الاهتمام بموضوع العزوف عن السياسة ولا بضرورة ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات ، وهو أنها تؤدي حتما إلى صعود تيارات مغمورة قد تخترق المشهد عبر لوائح الإسلاميين « المعتدلين » وبدعم بالتصويت من غيرهم من نفس المرجعية ، أو عبر لوائح الفاسدين او أباطرة المخدرات وغسيل الأموال . من هنا لا ينبغي الرهان على توسيع رقم المشاركين ، اللهم افتراض مشاركة واسعة عبر القاسم الانتخابي ؛ فظروف مشاركة أوسع للمواطنين في الانتخابات غير متوفرة لدى الأحزاب نفسها . وهذا إشكال حقيقي لأن الخريطة ستبقى نفسها و الفرز سيظل ذاته ، وهذا يؤشر لخلاصة لا مناص منها كأمر واقع ، هو أن بعض الأحزاب التي دأبت على المشاركة ستواصل مجهودها لأجل تحصين موقعها دون طمع في تحسينه ، في ظل قاعدة « الشقاء من أجل البقاء » ، وهو ما سيتطلب تنازلات باسم البراغماتية ، وبعلة التحالف التكتيكي ستنخرط في التسويات وربما مساومات ، قد تفيد في ضمان الكينونة على مستوى المشهد المؤسساتي ولكن على حساب الوجود التنظيمي والمؤسساتي ، لذا ومادامت التسويات ستكون فوقية على حساب الديموقراطية الداخلية للهيئات ، وهذا إقرار بوجود تأجيل إرادوي للحظة الديموقراطية ، التي في نظر هؤلاء لن تفرز سوى مزيد من تصاعد المحافظة والتحكم ، فلماذا لا يتوافق الجميع على سن استراتيجية لإعادة تأهيل منهجية تفعيل مقتضيات الدستور ، وتجويد التأويل ديموقراطيا ، فلا يعقل أن يتم التوافق على تشريع الدستور تشاركيا ، في حين أسندت مهمة تفعيل مقتضياته ضمن قوانين تنظيمية لحكومة غير ائتلافية ولا تجسد الحكمة من المقاربة التشاركية . لذلك ستظل الدولة ” ضامنة ” للاستقرار والاستمرارية بالمعنى الذي يضمن ثقة «الخارج » المفيد في مجال السلام العالمي و جلب الاستثمار المنتج للثروة الوطنية ، فليس المفهوم الجديد السلطة كافيا بل لابد من إرساء مفهوم جديد للعدل منطلقه ومنتهاه الديموقراطية. ولأن المناسبة شرط ، ونحن نخلد اليوم العالمي للحد من تعسف الشرطة نذكر بضرورة إخراج المجلس الأعلى للأمن كإحدى أقوى توصية من بين توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، والتي صادق عليها الملك وأمر بدسترتها وتفعيلها تشريعيا ، فهو المؤهل لإرساء الحكامة الأمنية كصيغة توافقية ، لكن مؤسساتية ، لتدبير مسلسل التوفيق بين مطلب توسيع مجال الحريات وبين تأطير وتدقيق مفهوم النظام العام ؛ صيغة تبرز مزايا الأمن الروحي والفكري / حرية المعتقد ، وبين تقنين الحرية في سياق ضمان الأمن القانوني، باعتماد 3 مداخل : الأخلاقي بمعناه الإتيقي أو القيمي والحقوقي ثم المؤسسي والتشريعي ، وهذه الصيغة الانتقالية تؤطرها ثلاثة قواعد :

  • عدم التعسف في استعمال السلطة
  • عدم التعسف في استعمال القانون
    -عدم التعسف في استعمال الحق .
    مما يجسد في ثقافيا وقانونيا بأن ضباط الشرطة والعمداء ، كما الطبقة الوسطى في المجتمع هم قطب الرحى في السلسلة على مستوى إنفاذ القانون ، أي حلقة مركزية بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية ، فإذا كان مفروضا على المواطنين احترام القانون وعلى السلطة القضائية قول الحقيقة والقانون ؛ فإنه بالنسبة للموظف العمومي ، في مجال الأمن ، تطبيق القانون دون تمييز ، وطبقا لمبدأ تكافؤ الفرص ، خاصة في ظل تغير دور الأجهزة الأمنية من وظيفة حماية النظام والوطن الى حماية الدولة وخدمة وحماية المواطنين . وفي ضوء العملية السياسية التي عرفها العهد الجديد والتي انطلقت بمفهوم جديد للسلطة ، انتعش الطموح الى محاولة القطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ، وصرنا نعاين انتقالا حثيثا من المسؤولية المرفقية / الدولتية نحو اقرار مسؤولية الموظف العمومي ،مما يوحي بأهمية التحول من المنهجية والتواتر الى مساءلة الأخطاء الشخصية للمكلفين بالأمن وانفاذ القانون ، عبر تدرج ملحوظ من التعويض عن الشطط في استعمال السلطة الى تجريم تصرفات الموظفين والأمنيين ومساءلتهم .هذا السياق هو الذي يقتضي من الضباط والعمداء ان يحترزوا ، لأن الدولة لم تعد مستعدة للتغاضي عن أي انفلات أمني مفترض ، سببه غير مرفقي اي شخصي ، وبالتالي فولوج العدالة ، من قبل الفئات الهشة ، يمر عبر الشرطة القضائية ، وبالتالي كل وصم او تمييز بين المشتبه فيهم ، بعلة الاصابة بالسيدا او الادمان على المخدرات ، يؤثر على حقوق وحرية النزلاء ، بغض النظر عن كونه محرم دستوريا ومجرم كونيا ، فهو يدخل سوء المعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية او المهينة ، كما التعذيب ، حسب مقتضى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ، وبذلك مطلوب من ضباط الشرطة القضائية توخي الحيطة والحذر ، فالتجرد من التمثلات المجتمعية شرط لكل نزاهة وحياد ، وإلا فإن المجتمع لن يصم الدولة ولكن سيدين المخالفين من بين الموظفين العموميين وهو تدبير افظع من التمييز ، وكما صرحت في محاضرة في المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة ” ليس كل مدمن مجرم وليس كل متعايشة مع السيدا مجرمة ؛ إنه تمرين عسير
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube