فضاء الأكادميينمقالات الرأي

جيهان خليفة تكتب :ما بين ” التشرذم والإغتراب ” تتجسد محنة التيارالليبرالى العربى

حرة بريس -جيهان خليفة 

فى أى مجتمع تعتبر قضايا حقوق الإنسان،  وحرياته الأساسية ، من أبجديات أى فكر ليبرالى،  كما تعتبر هذه القضايا أساس أى نهوض فى مسارالتحول الليبرالى فى أى مجتمع .وكما يقول الدكتور” محمد تمالدو ” رئيس شبكة الليبرالين العرب ، :”أن مسقبل الليبرالية العربية هو مستقبل الإنسان العربى ، فالمجتمع العربى لن يخرج من وضعه الراهن إلا بإستثماره فى الإنسان ، والإستثمار فى الإنسان ديمقراطيا وحقوقيا هو أساس أى فكر ليبرالى ” . 

للأسف الظاهرة الليبرالية فى عالمنا العربى ، عانت منذ نشأتها إغترابا وأزمة توطين وإندماج فى ثقافتنا العربية ، يرجع ذلك بسبب النظر إليها بإعتبارها أحد منتوجات الفكر الأوربى ، فى مرحلة التطورالرأسمالى زمن النهضة الصناعية والفكرية الأوربية ، ويقول فى ذلك الدكتور” محمد صالح المسفر” فى دراسة بعنوان “الليبرالية بين العروبة والتبعية مصر نموذجا ” :” أنه إذا ما نظرنا إلى بدء مسيرة الفكرة الليبرالية فى عالمنا العربى سواء على المستوى السياسيى والثقافى لوجدنها بدءت خلال الإحتلال بل وبدعم منه خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين ، فالفكرة الليبرالية ، وفقا لذلك لم تكن نتاج “تطورطبيعى” للنشاط الفكرى فى المجتمعات العربية والإسلامية،التى أفرزت وقتها مصطلحات أخرى ، لتقوم مقامها لدى النخب مثل “الشورى ” وأهل” الحل والعقد” ، مما جعل الفكرة الليبرالية ، محصورة داخل أطياف ضعيفة التأثير من المثقفين ، إنحصرت جهودهم فى المجالات الثقافية أكثر من السياسية ، دون أن تمتد للنشاط الإقتصادى ، الذى رآه المستعمر خطر على مصالحه ، وهكذا إنحصرت الفكرة الليبرالية فى قشرة ثقافية ضئيلة جدا، حتى جاءت مرحلة التحرر الوطنى، وتسيد الإشتراكية ، مما أدى إلى ضعف الفكرة الليبرالية أكثر وأكثر ” . 1 [ص2]

هنا يأتى التساؤل هل لدينا تيار ليبرالى العربى  حقيقى ؟ 

أشارالدكتور” أسامة الغزالى حرب ” ، فى كتابة “القوى الليبرالية غير الحزبية فى العالم العربى” ، إلى أنه بصفة عامة لا يوجد فكرليبرالى عربى متكامل وواضح المعالم .

وفى ذلك يقول الدكتور” رءوف عباس ”  فى مقال بمجلة الهلال نشر عام 2003 بعنوان “النظام الليبرالى هل عرفته مصر” : ” أن جمیع الأحزاب (اللیبرالیة) إشتركت  فى غیاب البرامج السیاسیة التى تعالج مشاكل المجتمع وترسم إطارالسیاسات الإجتماعیة اللازمة لحلها، فقد جاءت قیادات هذه الأحزاب من نخبة البورجوازیة من كبارالملاك الزراعیین وأصحاب الأعمال، فلم تهتم إلا برعایة مصالحها الذاتیة على حساب مصالح الجماهیرالشعبیة، وجاءت دعوات الإصلاح الاجتماعى من عناصرلا تنتمى إلى تلك الأحزاب، ولقیت تلك الدعوات مقاومة شدیدة من جانبهم، مثل الدعوة إلى الإصلاح الزراعى، وتوفیر الخدمة الصحیة للفلاحین، وحمایة الملكیات الصغیرة، والتعلیم الإلزامى.ولم تصدر التشریعات العمالیة المحدودة ، خلال تلك الحقبةإلاتحت ضغط الحركة العمالیة، ونصت على استبعاد الفلاحین وعمال الزراعة من نطاق الخضوع لها، حرصا على مصالح كبار الملاك ” . 2[ص1]

ويستطرد قائلا : “كانت حجة تلك الأحزاب فى إغفال السیاسات التى تعالج المسائل الاجتماعیة، أن قضیة الاستقلال الوطنى هى القضیة الرئیسیة،  وما عاداها من قضایا، تستطیع الإنتظار إلى ما بعد تحقیق الإستقلال الوطنى. وحتى قضية “الإستقلال الوطنى “أصبحت موضع مزایدات من الأحزاب كلما

دارت المفاوضات مع الإنجلیز حولها، فإذا لم یكن لوفد طرفا فیها هاجم خصومه واتهمهم بالتفریط فى حقوق الوطن ” . أدى هذا القصور فى أداء تلك الأحزاب إلى اتجاه الشباب إلى الالتفاف حول حركات الرفض السیاسى والاجتماعى منذ أواخر العشرینات، وانضمامهم إلى الجماعات ذات التوجهات الماركسیة أو الفاشیة أوالإسلامیة السلفیة، وهو اتجاه زاد وضوحا بعد إبرام معاهدة 1936 التى وصفها النحاس باشا بأنها معاهدة الشرف والاستقلال” . 3 [ص1]

يستطرد قائلا “إن الشروط الضروریة لتحقیق قیام نظام سیاسى لیبرالى لم تتوفر فى مصر بشكل كامل نتیجة الظروف التاریخیة التى مرت بها التجربة المصریة، فقد تعثرت تجربه التحول الرأسمالى فى مصرلأسباب محلیه وخارجیة، وانعكس ذلك التعثر على نشأة وتطور”البورجوازیة” المصریة (وخاصة شرائحها العلیا)، بقدر ما انعكس على درجه نضج وعیها الاجتماعى والسیاسى. وكان لذلك آثاره على خیارات نخبه البورجوازیة المصریة عند وضع أسس النظام السیاسى الذى صاغته فى دستور 1923 ، فجاء معبرا عن مصالحها الضیقة، ولم یأت تجسیدا لمصالح الشرائح الدنیا من الطبقة نفسها أو مصالح الجماهیرالشعبیة التى لعبت الدور الرئیسى فى ثوره 1919 وعبر الدستورعن توازن سیاسى لعبت فیه قوى القصر والإنجلیز، وكبار ملاك الأراضى الدور الأكبر” . 4 [ص2]

التشرذم هوالسمة الرئيسية للتيار الليبرالى العربى

 تقول الدكتورة ” ناهد عز الدين فى دراسة بعنوان “التيار الليبرالي العربي وحقوق الإنسان رؤى ومواقف وممارسات” : ” أنه من الصعوبات التى تواجة الباحث عن تيار فكرى معين خصوصا التيارالليبرالى فى السياق العربى تتمثل فى التساؤل عما إذا كان لهذا التيار وجود أصلا ، وهل يأخذ شكلا مؤسسيا، وينتظم فى إطارسياسى، وهل هذا التيار السياسى هو أصدق تعبيرعنه أم أنه  يأخذ صورة أكثر استقلالية ، كتأسيس جمعية ثقافية تندرج تحت مظلة المجتمع المدنى بمعناه الدقيق ، ولا تنشغل بممارسة السياسة ، وليس فى طموحها السعى على السلطة ، ويكون إهتمامها الأساسى فتح ملفات وإثارة قضايا فكرية وثقافية وإدارة الحوار حول موضوعات تعنيها ، وتستهدف وضعها على الأجندة السياسية والمجتمعية بوجه عام ، يأتى فى صدارة ذلك موضوع الحرية وحقوق الإنسان ” . 5 [ص2]

التيار الليبرالي العربي مازال  تيار نخبوى ، هامشى ، محدود التأثير ،والنفوذ خاصة إذا تمت  مقارنته بتيارات الإسلام السياسى ، تطاردة “سبة العمالة ” للغرب يتفق قى ذلك الدكتور “فيصل جلول ” حين قال ” أن التيار الليبرالى العربى تيار ضعيف التمثيل والحضور السياسي والأقرب إلى التصور الغربي لمستقبل الديمقراطية في الوطن العربي، هذا القرب يفسرمحدودية تمثيل هذا التيار باعتبار أن الغرب يحتفظ بسمعة سيئة لدى العرب بسبب مواقفه المناهضة لقضاياهم منذ أكثر من نصف قرن مضى ” .  6 [ص147 ]  

هل الليبرالية ضد الدين 

تجتهد الكثير من الجماعات الإسلامية فى جعل الليبرالية مرادفة “للإلحاد ” رغم أن الليبرالية ماهى إلا مرادفة للحرية وتحرير الإنسان وتمكينه من التمتع بحقوقه الطبيعية ومنها حرية أن يعتنق الدين الذى يراه دون ضغط أو إكراه من أحد 

فجوة كبيرة تفصل بين الفكرة الليبرالية والجماهير العربية ذات الهوى الأصولى 

للأسف توجد فجوة كبيرة جدا تفصل بين الفكرة الليبرالية بإعتبارها ضرورة أساسية لحدوث أى نهوض عربى وبين الجماهير العربية ذات  الهوى الأصولى خاصة مع إستمرار وجود تلك العلاقة الجدالية بين الليبرالية بإعتبارها ثقافة وافدة والعروبة بوصفها ثقافة أصيلة لذلك أرى أن الخروج من هذا التكلس لن يكون إلا بسيادة العقلانية فلن يتحقق أى تنمية فى الفكر العربى المعاصر إلا بالعقلنة وطرح كل القضايا طرحا عقليا .هنا ستجد الفكرة الليبرالية  التربة الخصبة للرعايتها . 

رغم التحرر الإقتصادى لماذا لم نتحرر سياسيا ولم تشهد مجتمعتنا حداثتها بعد ؟ 

 تجيب الدكتورة ناهد عز الدين قائلة  : ” أن هذه الإختلالات من وجهة نظر ” آلان روسيون ” انعكست على عدم الإتساق والتناقض الذي شاب العلاقة بين التحرير الإقتصادي والتحرير السياسي، والتي تعد شرطا لظهور المجتمع المدني وتبلور “الديموقراطية”. حيث  أن ما شهدته خبرة أغلب الدول العربية، هو وجود إشكاليات كبيرة أحاطت بالعلاقة بين العمليتين سواء من ناحية الترتيب، أو التدرج الهيراركي، فالفرضية القائلة بأن التحرير الاقتصادي يفضي ويقود إلى التحرير السياسي أو العكس، لم تتحقق بنفس تلك السلاسة المنطقية كنتيجة أو ثمرة طبيعية لعملية التنمية السياسية ” ، وهو ما يرجع حسبما ذهب “ليونارد بايندر” :” إلى غياب المقومات أو انتفاء الشروط المسبقة اللازم توافرها لحدوث هذه المعادلة على هذا النحو، وهي الشروط الثقافية والاجتماعية ” . 7[ص38، ص39 ]

بعبارة أخرى، فإن الليبرالية الاقتصادية لم تواكبها أو تتزامن معها أو تصاحبها ليبرالية السياسية، وسياسات التحول في المضمار الاقتصادي، علاوة على كونها عانت من اختلالات داخلية، وعدم مصداقية في تطبيقها، لم تؤت ثمارها المرجوة على الصعيد السياسي “ديموقراطيا”  فالأوضاع المجتمعية والثقافية بقيت في معظم جوانبها كما هي فلم يطالها تغيير، غلبت عليها ملامح الثبات والجمود، بل والإرتداد والرجوع إلى الخلف. ولم تتبلور أو تبرز لا على مستوى “المجتمع” ولا على مستوى “الثقافة” أية قوى أو تيارات ليبرالية تأخذ على عاتقها إنجاز المهمة بكافة مراحلها بدءا من تبني الفكر الليبرالي، ومرورا بصياغة رؤية وأجندة ذات أسس ليبرالية، وانتهاء بطرح مطالب ليبرالية والدفاع عنها بالتصدي لما تجابهه أو تصطدم به من تحديات ومعوقات “8 [ص39]

من ذلك نخلص أنه كى تتحول مجتمعتنا العربية إلى الليبرالية الحقيقية لابد من توافر الشروط الضرورية لحدوثها ويأتى فى المقدمة النضج الفكرى والثقافى ونضج ووعى الجماهير لأنها من سيوفرالأرضية المجتمعية التى ستلعب دور الركيزة الأساسية للفكرة الليبرالية والداعم لها في معظم أنحاء العالم العربي و لابد من استعداد من يزعمون تبنى الليبرالية  للنضال وتقديم التضحيات من أجلها ولكن يبقى السؤال هل لدينا من هم مستعدون للتضحية ؟ 

*كاتبة وصحافية مصرية

مصادر

  1.   الدكتور محمد صالح المسفر ، دراسة بعنوان “الليبرالية بين العروبة والتبعية مصر نموذجا ” ص2
  2. الدكتور  رءوف عباس ،   فى مقال بمجلة الهلال ،  نشر عام 2003 بعنوان “النظام الليبرالى هل عرفته مصر”ص2
  3.  نفس المصدر السابق ص1 www.RaoufAbbas.org
  4.  نفس المصدر السابق ص2
  5.  ناهد عز الدين ،  دراسة بعنوان “التيار الليبرالي العربي وحقوق الإنسان رؤى ومواقف وممارسات” ،ص2
  6.  د.فيصل جلول، الخيار الديمقراطي في الوطن العربي مقاربة أولية(القاهرة :مجلة الديمقراطية، العدد8 فبراير (شباط) 2002 )، ص 147
  7. الدكتورة ناهد عز الدين المرجع رقم 5 ص38 ، ص39
  8.  نفس المرجع السابق ، ص 39 

ملخص 

عانت الظاهرة الليبرالية كثيرا من أزمة الإندماج والتوطين فى الثقافة العربية وذلك بحكم نشأتها فى الأصل بوصفها أحد منتوجات الفكر الأوروبى فى زمن النهضة الصناعية والفكرية  لذلك فهى لم تكن نتاج “تطور طبيعى ” للنشاط الفكرى فى المجتمعات العربية والإسلامية ذات الهوى الأصولى ، مما جعل الفكرة الليبرالية ، محصورة داخل أطياف ضعيفة التأثير من المثقفين ، إنحصرت جهودهم فى المجالات الثقافية أكثر من السياسية ،وتتمثل أزمة الليبرالية سواء فى مصر أو فى العالم العربى فى عدم وجود فكر ليبرالى عربى واضح المعالم ومتكامل وعدم وجود قيم ليبرالية حقيقة على الصعيد السياسى والإقتصادى والفكرى ، بما يؤصل العلاقة بين الديمقراطية السياسية والتعدد الحزبى وفصل السلطات من ناحية والتحرر الإقتصادى ودعم القطاع الخاص والمبادرة الفردية . 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube