مستجداتمقالات الرأي

لماذا المقاطعة

يعتبر البعض أن المشاركة في البرلمان هي القاعدة وأن مقاطعته استثناء.  يعللون ذلك كون الحملة الانتخابية فرصة خاصة للقاء مع الجماهير. علما أن هذه الفترة لا تدوم الا أياما معدودة. علما أيضا، وكأن الجماهير غائبة طوال الأيام والسنين. وانه من أراد الالتحام بها فهي موجودة في الأحياء الشعبية وفي الدواوير من الصباح للمساء ومن المساء للصباح وهذا عبر الأيام. من أراد الالتمام بها له كل الأيام والليالي، من دون انتظار جوقة الفترة الانتخابية كل خمس سنوات.

للمزيد من التأكيد أمكن الرجوع الى مواقف الحركة الوطنية بيمينها ويسارها منذ أول دستور عام 1962 وكذا مواقف اليسار الجديد، يتضح أن الموقف الثابت كان هو مقاطعة الدستور المؤطر للحياة السياسية والاجتماعية وضمنها الانتخابات التشريعية. ظل الحال على مقاطعة الدستور الممنوح الى حين التصويت عليه عام 1996 من قبل أحزاب الكتلة الوطنية ما عدى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي ضمت صوتها الى الفصائل الجدرية التي ظلت وفية لمقاطعة الدساتير الممنوحة. لذا لا يحق أن نفرق بين مقاطعة الدستور الممنوح والانتخابات التشريعية. وقد تمت المشاركة في هذه الأخيرة من موقع قوة كما حصل في الانتخابات البرلمانية لعام 1963، حيث حصلت الحركة الوطنية، حزبي الاستقلال واتحاد القوات الشعبية، على نصف المقاعد رغم التزوير وتدخل السلطة لصالح الأحزاب الإدارية. أما الحزب الشيوعي فكان محظورا منذ 1959 الى 1968 ولم يشارك علانية لكنه دعم قوى اليسار. أما انتخابات 1970 و 1972 فقد تمت مقاطعتها ن قبل الكتلة الوطنية (حزب الاستقلال، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر و الاشتراكية). أما اليسار الثوري فكان يعمل في السرية خلال سبعينيات القرن الفائت.

كانت مقاطعة الدستور ولازالت، مبنية على كونه ممنوح وليس من نتاج مجلس تأسيسي نابع عن التمثيلية الشعبية. قريبا منا وفي غمار حركة 20 فبراير 2011، قاطع الاشتراكي الموحد مع العديد من القوى اليسارية دستور 2011 والانتخابات البرلمانية الناتجة عنه. ولقد ساهمت تلك التجربة فتح نقاش داخلي متمر رص صفوفه وكذا التحامه مع فصائل يسارية أخري خاصة حزبي الطليعة والمؤتمر، بدأ بتحالف متقدم في شكل فيديرالية كمدخل للاندماج الكلي.

ان الاختيارات االلاشعبية واللاديمقراطية المتبعة في ظل الدستور المؤطر للحياة السياسية والاجتماعية للمرحلة الراهنة زادت هشاشة وعمقا. ظاهرتها الاعتقالات الجماعية والمحاكمات الصورة والتهم الملفقة والمزيد من تهميش وتفقير الطبقات الشعبية. ثم ها هي مهزلة القاسم الانتخابي الذي زيادة على عدم مشروعيته، يزيد في تفرقع الخريطة التمثيلية للأحزاب، حيت يستحيل فرز قوة ذات وزن يمكنها بناء قطب يشكل أغلبية قارة حولها.

أما الأمثلة التي تقدم كون الأحزاب الكبرى تستفيد من القاسم الكلاسيكي الذي يأخذ عدد المصوتين كقاعة للبث انتخاب المرشحين، على حساب الأحزاب المتوسطة والصغرى، فإنها اعتبارات خاطئة لسبب واحد كون الترشيح في عمومه فردي حسب الدوائر وليس عبر لوائح وطنية. الحزب الذي له تواجد فعلي في مجمل الدوائر من الطبيعي أن يفوز بتفوق ملحوظ. زد على هذا أن التصويت حسب قاسم المصوتين الهدف منه فرز أغلبية كضمان للاستقرار المؤسستان التشريعية والتنفيذية. وأيضا للتخفيف من النسبية المتبعة في الاقتراع. أما اللوائح الوطنية النسائية والشبابية للانتخابات البرلمانية الأخيرة فكانتا خاضعتين للعتبة الانتخابية، والتي طبعا في نفس السياق، كانت لصالح الأحزاب الكبرى. السؤال الذي يطرح نفسه هو ليس القبول بأي عملية انتخابية من أجل الفوز بمقاعد، بل كيف نقوى مكونات اليسار ليصبح قوة كبرى وفاعلة داخل وخارج قبة البرلمان.

محمد المباركي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube